
كان يا مكان، في سالف العصر والأوان، عاشت فتاة شابة ذات قلب طيب خيّر. ورغم أنها كانت تعاني من الفقر المدقع، إلا أنها كانت حريصة على أن تكون حياتها أمينة شريفة طيبة. وفي يوم ماطر، قفز ضفدع كبير من الخارج إلى المطبخ حيث كانت فتاتنا تطهو بعض الطعام. أفزعها الكائن القبيح فحاولت طرده خارجًا. لكنه رقد منهكا على الأرض لا يحرك سوى عينيه الجاحظتين، وكأنه يحتضر. فما كان منها إلا أن امتلأ قلبها شفقة على الكائن المسكين.
قالت لنفسها: "ياله من مسكين! لا بد أنه لا يجد مكانًا يأويه في ذلك المطر الشديد، لا بد أنه يتضور جوعًا!" وبكل حرص، راحت تعطيه بعض الطعام ببطء، ولا بد أنه كان جائعًا بالفعل، فقد ازدرد ما قدمته له في لحظة، وعندما نفد الطعام أمامه، جر نفسه إلى ركن المطبخ وجلس. كان من الواضح أنه لا ينوي المغادرة بعد. هكذا، صار الضفدع شريك بطلتنا في السكن، كانت تحرص على إطعامه بانتظام ونما هو بسرعة. ومع مرور الوقت اعتادته حتى صارت شديدة الشغف به، ولم تعد تطيق التفكير في الحياة دون صديقها الضفدع الأليف.
لكنها كانت تعيش في قرية تؤمن بالخرافات، وكان أهل قريتها يحرصون على تقديم قربانًا لوحشٍ ما يعيش في جبل القريب، ولم يكن ذلك القربان سوى فتاة عذراء كبطلتنا. وكانوا يؤمنون بأنهم إن لم يقدموا القربان البشري في الموعد، سيغضب الوحش ويغير الطقس فيرسل عليهم الجفاف المهلك أو السيول الكاسح ليدمر قريتهم عن آخرها. ولم يكن أمام القرويين، والحال كذلك، سوى أن يذعنوا ويقدموا القربان الموعود تجنبًا للدمار الذي سيحل بهم.
وفي أحد الأعوام، وقع الاختيار على فتاتنا المسكينة لتكون هي القربان الموعود. كانت تشعر بالخوف والرعب لا شك، لكنها كانت -كأهل القرية- ترى أنه الطريق الوحيد لتجنب دمار القرية بالكامل. وفي ليلة اليوم الموعود، أعدت الفتاة الوجبة الأخيرة لنفسها ولضفدعها الأليف، راحت تحدثه باكية وهي تقول"آه يا صديقي! في مثل هذا الموعد غدًا لن أكون هنا! ترى من سيطعمك يا صغيري؟ من سيعتني بك الآن؟ يا ويلي!" دمعت عيني الضفدع وراح يبكي معها، وكأنه يفهم ما تقول.
في اليوم التالي، اصطحب أهل القرية الفتاة إلى الجبل البعيد حيث كانوا يعتقدون أن الوحش يسكن. وضعوها أمام المذبح وغادروا مسرعين. لم يمر وقت طويل قبل أن تشعر بالبرد يتخلل عظامها، وخيل إليها أنها ترى ظلالًا قاتمة طويلة وشرر أزرق يتطاير من عيني وحش ما. كاد يغشى عليها، لكنها رأت ظلًا آخر يتقدم مواجها الوحش، حاولت أن تصمد لتفهم ما يحدث، ضيقّت عينيها وحاولت أن تمعن النظر، "اصمدي.. اصمدي" هكذا قالت لنفسها وهي تحاول أن تتغلب على الرعب الذي كاد يذهب بعقلها كي تحاول تبين ما يحدث، ثم صاحت "يا إلهي!" فالظل الثاني لم يكن سوى ظل الضفدع الذي ظلت تعتني به طوال الأعوام السابقة، راح يهاجم الوحش بعنف حتى رأت فجأة دخانا داكنا متطايرًا، ثم لا شيء!
عندما عاد إليها وعيها، فتحت أعينها فرأت أمامها جثة دودة عملاقة قبيحة ملقاة على الأرض. لم يكن هناك وقت للفزع، فقد كان عليها أن تجد ضفدعها الحبيب، راحت تبحث عنه كالمجنونة، ووجدته، لكنها وجدته ميتًا. احتضنته وراحت تربت على ظهره وهي تبكي بحرقة صديقها الحبيب الوفي الذي ضحى بنفسه من أجلها.
في اليوم التالي، عاد أهل القرية كي يستعيدوا جثة الفتاة، وكانت دهشتهم عظيمة عندما رأوا جثة الدودة بدلًا منها. والأغرب من ذلك كان أن فتاتهم حية، تبكي بحرقة وهي تضم جثة ضفدع! دفن أهل القرية الضفدع في مكان مشمس، وأحرقوا جثة الدودة البشعة التي أذاقتهم الويل لسنوات وسنوات، وتوقفوا عن مراسم تقديم القرابين البشرية.