مُجتبى الصادق: كوريا هي الأمان، والسودان هو الحب
2024-03-22
توقع صندوق النقد الدولي أن يشهد الاقتصاد العالمي هذا العام أسوأ ركود منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك نتيجة لأزمة كورونا-19. ومع ذلك، تنبأت شبكة "بلومبرغ" أن يتمكن اقتصاد كوريا الجنوبية من التعافي والارتداد مرة أخرى على شكل حرف "فيV " عندما تنتهي الأزمة، وهو ما يعني انتعاشًا سريعًا بعد صدمة اقتصادية قصيرة المدى.
البروفسور "إيم تشيه صونغ 임채성" الأستاذ في كلية إدارة التكنولوجيا في جامعة "كونكوك":
تشير هذه التوقعات إلى أن كوريا الجنوبية في وضع أفضل للحصول على تحول على شكل حرف "في V"، بالمقارنة مع الدول الأخرى. يتمتع الاقتصاد الكوري بقوة كبيرة في قطاع التصنيع، وهو أقل عرضة نسبيًا لوباء كورونا-19 من القطاعات الأخرى. لحسن الحظ، هناك طلب متزايد على منتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على وجه الخصوص، والتي تتخصص فيها كوريا.
وفي المقابل، من المتوقع أن تنزلق الاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على السياحة، مثل تايلاند وسنغافوره، إلى حالة ركود على شكل حرف "إل L"، حيث يصل الاقتصاد إلى القاع ويتبعه تراجع طويل الأجل. وبعبارة أخرى، ستشهد دول العالم منحنيات انتعاش مختلفة، اعتمادًا على صناعاتها الرئيسية. ويشكل التصنيع جزءًا كبيرًا من الهيكل الاقتصادي الكوري، بينما تمثل الصناعات الموجهة نحو الخدمات جزءًا صغيرًا. ووفقًا لوزارة المالية والاستراتيجية الكورية، يمثل التصنيع 27.8% من إجمالي الناتج المحلي الكوري. وهذا الرقم أعلى من ألمانيا واليابان اللتين تمتلكان هياكل صناعية مماثلة لتلك الموجودة في كوريا. وقد دعمت الصادرات الكورية من منتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، على وجه الخصوص، قطاع التصدير الكوري، على الرغم من الظروف الخارجية غير المواتية. وفي مجال التوظيف، تحملت الصناعات التحويلية أيضًا أزمة كورونا-19 بشكل جيد نسبيا.
البروفسور "إيم تشيه صونغ":
في الولايات المتحدة الأمريكية، انخفض حجم إعلانات الوظائف في قطاعات الترفيه والخدمات والأغذية والعقارات وخدمات البيع بالجملة بنسبة 43% في المتوسط، وذلك خلال الفترة من يوم 2 إلى 30 من شهر مارس الماضي، في حين شهد قطاع التصنيع الأمريكي انخفاضًا بنسبة 30%. وهذا يشير إلى أن قطاع التصنيع في الولايات المتحدة عانى من أضرار أقل نسبيًا من القطاعات الأخرى. وتشير البيانات إلى أن الوضع مشابه في كوريا الجنوبية.
في كوريا، ارتفع عدد العاملين الذين حصلوا على إجازات مؤقتة في شهر مارس إلى 1.6 مليون، حيث أجبر تفشي كورونا-19 العديد من الشركات والمتاجر على تعليق أعمالها. وحسب القطاعات، شهد تجار الجملة وتجار التجزئة وأماكن الإقامة والمطاعم أخذ 205 آلاف عامل إجازات مؤقتة، بينما وصل العدد إلى 200 ألف في قطاعي التعليم والخدمات. أما قطاع الصناعات التحويلية وقطاع التعدين فقد ألغى كل منها مؤقتًا 53 ألف وظيفة فقط، بينما قام مصنعو المواد الغذائية والإمدادات الطبية بتوظيف المزيد من الناس. وقد حافظت على التعافي صناعة بناء السفن، التي أظهرت علامات على الانتعاش بعد إعادة الهيكلة الجذرية. ومع ذلك، لا يزال من السابق لأوانه الاطمئنان، ففي حالة عدم احتواء تفشي فيروس كورونا بشكل كامل، فسوف يتعرض قطاع التصنيع حتما لضربة. ولحسن الحظ، انحسر وباء كورونا-19 بشكل ملحوظ في كوريا، لكن الخطر لا يزال قائما. وإذا انتشر الفيروس مرة أخرى، فقد يضطر المصنعون إلى إغلاق مصانعهم في أي وقت. وقد يشهد الاقتصاد الكوري المدفوع بالصادرات انكماشا في الربع الثاني من هذا العام بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا، الذي بدأ ينتشر بسرعة في أمريكا الشمالية وأوربا منذ شهر مارس. ويقول الخبراء إنه يجب على الحكومة الكورية دعم قطاع التصنيع المحلي من خلال سياسات فعالة حتى يتم الحفاظ على هذا القطاع الرئيسي آمنا وقويا.
البروفسور "إيم تشيه صونغ":
البعض يعتبر قطاع التصنيع مجالا قديما. فبالنظر إلى أن الصناعة في طريقها إلى التحول لتكون رقمية، فقد شهد هيكلها تغييرًا كبيرًا. وقد بدأت الولايات المتحدة وألمانيا في رعاية التصنيع كصناعة جديدة في عام 2010 تقريبًا، بينما انضمت الصين إلى الحملة في عام 2015. وركزت البلدان على الصناعات التحويلية، التي يُعتقد أنها ستقود الاقتصاد خلال الثلاثين عامًا القادمة. كما اعتبرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التصنيع كقطاع جديد ذي إمكانيات للنمو، وهو ما يتبين في منشورها المعنون بـ"ثورة الإنتاج التالية". في كوريا، زادت المطالبات منذ عام 2018 بضرورة تعزيز قطاع التصنيع بشكل مكثف باعتباره قطاعا استراتيجيا. ولحسن الحظ، أدى وباء كورونا-19 إلى إيقاظ الجمهور بأهمية هذا القطاع.
الكثير من الخبراء طالبوا كوريا الجنوبية من قبل بتحسين هيكلها الاقتصادي الذي يعتمد بشكل كبير على التصنيع، حتى إن البعض ادعى أن عصر التصنيع قد انتهى. كما تم إلقاء اللوم على هذا القطاع باعتباره السبب الرئيسي في تلوث البيئة، في الوقت الذي لا يمتلك فيه إلا قيمة مضافة منخفضة. ولكن وسط جائحة كورونا-19، برزت الصناعة التحويلية كقوة إغاثة للاقتصاد العالمي. ولذلك، من المتوقع أن يكتسب مشروع إحياء قطاع التصنيع عالميا، والذي بدأ في حوالي عام 2010، المزيد من الدعم الآن. وبالطبع، يجب ألا تتخلف كوريا عن هذا التوجه العالمي.
البروفسور "إيم تشيه صونغ":
وسط أزمة كورونا-19، تتزايد أهمية الابتكار، أو "التصنيع الجديد" الذي يتميز بالمصانع الذكية. تتميز المصانع الذكية بدمج تقنيات إنترنت الأشياء، ونظام التوأمة الرقمي، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من التقنيات. التوأمة الرقمية هي نموذج افتراضي لمنتج أو خدمة أو عملية يمكن استخدامه عن طريق المحاكاة وبالتالي التنبؤ بالنتائج مقدما. ومعنى كل ذلك أن "التصنيع الجديد" هو التحول الرقمي لهذا القطاع. كان من المعتقد أن التحول الصناعي الثوري سيحدث في المستقبل البعيد. لكن وضع كورونا-19 جعلنا نشعر بأن هذا المستقبل على وشك الوصول. إذا واجهت كوريا هذا التحدي بنجاح، فسوف يمكنها أن تشهد انتعاشًا قويًا، أو انتعاشًا على شكل حرف "في V" على المدى القصير. أما على المدى الطويل، فسوف يمكن أن تضع استراتيجية فعالة خلال الثلاثين عاما القادمة. نعلم جميعًا أن الهيكل الاقتصادي العالمي سوف يخضع لتغيير كبير عند انتهاء أزمة كورونا-19. ونأمل أن تكون كوريا في وضع يمنحها أكبر فائدة لتأسيس قاعدة لـ"التصنيع الجديد".
أظهر قطاع الصناعات التحويلية، الذي يضم جميع الصناعات، قوته خلال أزمة كورونا-19، وهو ما أدى إلى التفاؤل حول مستقبل الاقتصاد الكوري. لكن الانتعاش الاقتصادي على شكل حرف "في V" لن يتحقق تلقائيا بسبب قطاع الصناعات التحويلية فقط. فمن المتوقع أن تنخرط كل دول العالم في منافسة شرسة على "التصنيع الجديد" في حقبة ما بعد كورونا-19، وبالتالي يجب على كوريا أن تنجح في رعاية هذا القطاع الجديد الذي يعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والحفاظ على وضعه كمركز قوي للاقتصاد.
2024-03-22
2024-03-22
2024-03-22
يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;