الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الاقتصاد

قرار المقاطعة الأمريكي، ورد الفعل الصيني المحتمل وتأثيره على الاقتصاد الكوري

#قضية اقتصادية l 2021-12-13

ⓒ YONHAP News

عندما أقيمت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في مدينة "بيونغ تشانغ" الكورية الجنوبية في عام 2018، شهدت تجمع قادة من جميع أنحاء العالم، فقد حضر حفل الافتتاح "شينزو آبي" رئيس الوزراء الياباني آنذاك و"مايك بنس" نائب الرئيس الأمريكي، وحتى شقيقة الزعيم الكوري الشمالي "كيم يو جونغ". وسوف يكون من الصعب رؤية مثل هذا المشهد في دورة بكين الشتوية عام 2022، التي يفصلنا عنها شهران فقط، حيث تأتي في سياق الصراع المرير بين الولايات المتحدة والصين. ولذلك أعلنت واشنطن مقاطعتها الدبلوماسية لتلك الدورة، كما أعلنت الدول الحليفة الرئيسية  للولايات المتحدة، بما في ذلك بريطانيا وأستراليا وكندا، عن مقاطعتها أيضا. ونظرا لما سببه هذا الموقف من إحراج للصين، فإن هناك تكهنات بأنها قد تتخذ بعض الإجراءات الانتقامية.

مدير معهد البحوث الاقتصادية الأمريكية الصينية "جو يونغ تشان":

 أعلنت الولايات المتحدة أن أحد أسباب مقاطعتها لدورة بكين الإبادة الجماعية المستمرة والجرائم ضد الإنسانية في منطقة "شينجيانغ" وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الصين. وسوف يُسمح للرياضيين الأمريكيين بالمنافسة في الأولمبياد، لكن الولايات المتحدة لن ترسل أي وفد دبلوماسي أو رسمي إلى بكين لحضور هذا الحدث. يبدو أن الولايات المتحدة قد توصلت إلى حل وسط، حيث إنها ستقاطع الأولمبياد دبلوماسيا فقط وليس بشكل كلي، لذلك لن تتعارض مع الصين. وصرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض "جين ساكي" بأن الولايات المتحدة لن تسهم في الدعاية لأولمبياد بكين. وعلى ما يبدو أن الولايات المتحدة ليست لديها أي نية لمساعدة الصين في استغلال الألعاب الأولمبية لتحسين صورتها أمام العالم. أعتقد أن رفض الولايات المتحدة لإرسال وفد حكومي إلى بكين يعتبر بمثابة ضربة سياسية موجهة إلى الرئيس الصيني "شي جين بينغ" وتهدف لإحراج الصين.

كانت الصين حريصة للغاية على استغلال أولمبياد بكين لإظهار تعاملها الناجح مع جائحة كورونا للعالم بأسره، ولتمهيد الطريق لاستمرار الرئيس " شي جين بينغ" في السلطة لفترة ثالثة. وترى الصين أن الولايات المتحدة قد قامت بإحباط هذا الحدث المهم. وكما هو متوقع ظهر غضب الصين، مما يشير أنها قد ترد على مقاطعة الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات مضادة صارمة.

مدير معهد البحوث الاقتصادية الأمريكية الصينية "جو يونغ تشان":

 قد تتخذ الصين عدة إجراءات انتقامية، مثل التحقيق الضريبي وتأخير التخليصات الجمركية ورفض العلاقات التجارية، وذلك ردا على رجال الأعمال الذين سيقومون بالانضمام إلى المقاطعة الدبلوماسية التي ستنفذها واشنطن. قد تؤجل الصين أيضا استيرادها للغاز الطبيعي والمنتجات الزراعية والسمكية وشراءها لأعداد كبيرة من طائرات "بوينغ" من الولايات المتحدة. ومن جانبها، فإن الولايات المتحدة تخوض حربا مع الصين، وهي حرب لا ينبغي لها أن تخسرها. ولذلك فإن المقاطعة الدبلوماسية هي جزء من "استراتيجية الإنكار" التي تتخذها الولايات المتحدة، والتي تدعو إلى توجيه ضربات قاتلة للصين بثلاث طرق. أولا، تسعى الولايات المتحدة إلى ردع الصين عن طريق شن تحديات عسكرية في تايوان وبحر الصين الجنوبي وشبه الجزيرة الكورية. ثانيا، تحالفت الولايات المتحدة مع شركائها الأمنيين بغرض الحد من النفوذ الصيني المتزايد، كما يتضح من التجمعات الإقليمية مثل تجمع "كواد  Quad" وتجمع "أوكوس Aukus" وتجمع "الخمس عيون Five eyes". ثالثا، تحاول الولايات المتحدة أن تقوم بعزل الصين دوليا وأن تضعف سلطة "شي جين بينغ" المطلقة، لكي توقع بين "شي" وشعبه. ويمكن في هذا السياق فهم مقاطعة واشنطن الدبلوماسية لأولمبياد بكين الشتوية. لدينا أمثلة أخرى، كاستراتيجية "البوابة العالمية" التي اتخذتها الدول الغربية للتنافس مع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، ومجموعة "تي12 T12"، وهي مجموعة تتكون من اثنتي عشرة دولة تعد من الدول "التكنوديمقراطية" الرائدة.

حتى قبل المقاطعة الدبلوماسية الأمريكية لأولمبياد بكين، ظلت القوتان العظميان غارقتين في صراعات حول العديد من القضايا، بما في ذلك إنشاء الصين لأكبر شركة للمعادن النادرة في العالم.

مدير معهد البحوث الاقتصادية الأمريكية الصينية "جو يونغ تشان":

المعادن الأرضية النادرة أصبحت عناصر حيوية للصناعات عالية التقنية، حيث يتم استخدامها لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية وشاشات الهواتف الذكية والطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الصاروخي وما شابه ذلك. وقد قامت الصين قبل دورة الألعاب الأولمبية بإنشاء مجموعة "تشينا رير إيرث غروب China Rare Earth Group"، في محاولة واضحة منها للسيطرة على إنتاج وتصدير العناصر الأرضية النادرة. ستتمكن الصين من خلال هذه المجموعة من استخدام المعادن المهمة كورقة ضغط للرد على الشركات أو الدول التي تنضم إلى سلاسل التوريد التي تقودها الولايات المتحدة. تقوم كوريا الجنوبية باستخدام العناصر الأرضية النادرة الثقيلة في صناعة الصواريخ والرادار والطائرات بدون طيار ومنتجات تكنولوجيا المعلومات، لكن المشكلة هي أن كوريا تستورد غالبية تلك المعادن النادرة من الصين، والتي تتحكم في إنتاجها وتوزيعها وتخزينها وتصديرها. ويمكن للصين أن تحد من تصدير المعادن النادرة إلى كوريا الجنوبية في أي وقت.

يطلق على المعادن النادرة اسم "فيتامينات الصناعات عالية التقنية"، لأنها ضرورية لمنتجات تكنولوجيا المعلومات ولصناعة الأسلحة. يتم إنتاج تلك المواد المهمة غالبا في الصين، وفي عام 2019، استحوذت بكين على 63% من الإنتاج العالمي للمعادن النادرة كما أنها تمتلك 37% من الاحتياطيات العالمية. اعتماد كوريا الجنوبية على المعادن النادرة التي تمتلكها الصين يصل إلى 91.2%، وإذا توقفت الصين عن تصديرها أو رفعت أسعارها فجأة فسوف يؤثر ذلك على كوريا بشدة. وتستورد كوريا 97% من اليوريا من الصين، وهذا هو السبب في أنها قد عانت من نقص إمدادات اليوريا الشهر الماضي مباشرة بعد أن أوقفت الصين صادراتها. وعلى صعيد آخر، قامت الولايات المتحدة بعقد قمة افتراضية يومي 9 و10 ديسمبر ضمت قادة 112 دولة حول العالم باستثناء الصين.

مدير معهد البحوث الاقتصادية الأمريكية الصينية "جو يونغ تشان":

 في سياق محاولاتها المتكررة للضغط على الصين، قامت الولايات المتحدة بعقد قمة بعنوان "من أجل الديمقراطية" خلال الأسبوع الماضي، وتضمنت موضوعاتها الرئيسية مكافحة الاستبداد ومحاربة الفساد واحترام حقوق الإنسان وحمايتها. كانت الصين مستاءة للغاية لأنها لم تدع إلى المشاركة في القمة، بعكس تايوان. كانت القمة تهدف إلى الجمع بين الدول التي تتشارك القيم الديمقراطية، مع عزل القوى الاستبدادية مثل الصين وروسيا دبلوماسيا. وإذا اشتد الصراع بين الولايات المتحدة والصين، فسوف ينقسم العالم إلى نظام ديمقراطي عالمي تقوده الولايات المتحدة، ونظام استبدادي عالمي تقوده الصين. منطقة شمال شرق آسيا أصبحت على وجه الخصوص ساحة لمعركة الحرب الباردة الجديدة بين الكتلتين. وقد تندلع حرب الهيمنة على المنطقة في أي وقت.

من المتوقع لمقاطعة واشنطن الدبلوماسية لأولمبياد بكين أن تؤثر سلبا على مساعي حكومة كوريا الجنوبية لإعلان إنهاء رسمي للحرب الكورية. فقد اقترح الرئيس "مون جيه إين" أن تقوم الكوريتان والولايات المتحدة مع الصين أو بدونها بإعلان إنهاء للحرب الكورية. وكانت الدورة الأولمبية بالنسبة لكوريا الجنوبية بمثابة فرصة عظيمة لإعلان نهاية الحرب وتسهيل عملية تحسين العلاقات بين الكوريتين وكذلك العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، ولكنه من غير المرجح أن يقوم زعيم كوريا الشمالية "كيم جونغ أون" بزيارة للصين، لأن اللجنة الأولمبية الدولية حظرت مشاركة كوريا الشمالية في الأولمبياد. والآن بعد إعلان الولايات المتحدة مقاطعتها الدبلوماسية للدورة، أصبح من الصعب أن تقوم كوريا الجنوبية باستغلال الدورة دبلوماسيا. ولذلك فإن وضع كوريا الجنوبية صار صعبا للغاية، حيث إنها مجبرة على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين. ويُخشى أيضا من أن يؤثر الصراع الأمريكي الصيني المتفاقم باستمرار على الاقتصاد الكوري.

مدير معهد البحوث الاقتصادية الأمريكية الصينية "جو يونغ تشان":

 تجاوز معدل الإصابات اليومية بفيروس كورونا في كوريا الجنوبية مستوى سبعة آلاف حالة، وهو ما يؤثر بشدة على الطلب المكبوت حاليا. أصحاب الأعمال الصغيرة والعاملون لحسابهم الخاص يواجهون صعوبات بالغة، ولا يبدو أن الحكومة ستكون قادرة على تحقيق هدفها المتمثل في الانتعاش الاقتصادي الكامل وهدف النمو للعام القادم. تحتاج كوريا الجنوبية إلى الحفاظ على علاقاتها مع الصين للحد من الصراعات. وقد فرضت الصين إجراءات تجارية انتقامية ضد أستراليا ويمكنها اتخاذ نفس الإجراءات ضد كوريا الجنوبية في أي وقت، لذلك فإنه من الضروري أن تقوم كوريا بتنويع وجهات استيراد الموارد المعدنية. ومن الضروري أيضا إجراء محادثات اقتصادية عالية المستوى مع الولايات المتحدة بانتظام، لتعزيز التعاون الثنائي وتبادل المعلومات المهمة. أيضا تحتاج كوريا إلى الانضمام بشكل استباقي إلى اتفاقيات التجارة الحرة متعددة الأطراف ورفع مستوى اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية القائمة منخفضة المستوى، حتى تقوم بتوسعة علاقاتها الاقتصادية. وفيما يتعلق بالمشروعات الصديقة للبيئة في كوريا والصناعات الرئيسية بما في ذلك صناعة أشباه الموصلات، أعتقد أنه يجب على كوريا أن تنقل مصانعها من الصين بسرعة إلى دول أخرى بما في ذلك الولايات المتحدة.

تواجه كوريا الجنوبية معضلة الحفاظ على الحياد وسط التنافس القائم بين الولايات المتحدة والصين، رغم أنه من الممكن لها أن تلعب دور الحاجز بينهما لمنع نزاعهما من التفاقم. ويبدو أنه من الضروري بالنسبة لكوريا أن تبتكر استراتيجيات مدروسة بعناية حتى لا تضيّع على نفسها الفوائد الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية التي اكتسبتها بالفعل.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;