مُجتبى الصادق: كوريا هي الأمان، والسودان هو الحب
2024-03-22
كوريا الجنوبية هي من بين الدول القليلة جدا في العالم التي نجحت في تحقيق قفزات وتحولات كبيرة في مختلف المجالات من النقيض للنقيض ومن الضد للضد. فحتى نحو خمسين عاما مضا كانت كوريا دولة فقيرة متخلفة محدودة الموارد الطبيعية، وضحية حرب أهلية شرسة أعقبتها حربا باردة لا تقل شراسة، وعرضة لسلسلة مؤامرات متصلة من جارتها الشمالية وحصار واستهداف من قوى علمية وإقليمية شيوعية كبرى، إلا أنها بما لها من تصميم وعزيمة تمكنت خلال الفترة القصيرة من التحول إلى واحدة من بين أكثر دول العالم تطورا اقتصاديا وتجاريا وصناعيا وتقنيا، ولاعبا دوليا مؤثرا ومرموقا على المستويات السياسية والدبلوماسية والثقافية والفنية والرياضية.
وكذلك ظلت كوريا الجنوبية منذ استقلالها ترزح تحت وطأة أنظمة حكومات عسكرية استبدادية سلطوية باطشة ووحشية متعاقبة، تمارس أسوأ وأنكل الممارسات القمعية ضد معارضيها، وأكثرهم من الشباب والطلاب الداعين للحرية والديمقراطية والحكم العادل. لكن كوريا رغم كل ذلك السجل القهري وتلك الصورة البربرية التي جعلت من كوريا الجنوبية نموذجا للدولة الدكتاتورية المتوحشة، إلا أنها كذلك نجحت وبسرعة قياسية في التحول من النقيض إلى النقيض، ومن الدولة العسكرية الباطشة إلى الدولة المدنية السائرة في طريق الحرية والديمقراطية التي تتوطد وتتعمق جذورها في المجتمع الكوري ، حسب المظاهر والمؤشرات والتحولات المتسارعة في كل يوم.
ومن التحولات التي لفتت أنظار الكثيرين تحوّل أجهزة وتنظيمات وممارسات ودور ومنشآت ظلت دوما مرتبطة ومعبّرة عن جحيم القمع والتنكيل والبطش، إلى كل ما هو نقيض ذلك وما يندرج تحت كل ما يعبّر عن نعيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. قامت وكالة الشرطة القومية الكورية قبيل عدة أيام بتسليم وتحويل مبنى أمني سابق ومشهور واستخباري سيئ السمعة إلى صالة خاصة وقاعة تذكارية مخصصة ومتخصصة بكل ما يتعلق بحقوق الإنسان وصيانة الديمقراطية وترقية الحرية في البلاد. المبنى هو ذلك المبنى الذي كان يعرف باسم " غرفة ناميونغ المناهضة للشيوعية" وقد ارتبط اسمه في أذهان الكثيرين بعمليات التحري والتعذيب البدني والنفسي لانتزاع اعترافات إجبارية مع الكثير من المعتقلين السياسيين والناشطين ودعاة الحرية والديمقراطية الذين توجه لهم اتهامات تتراوح بين التخابر والتجسس لصالح كوريا الشمالية، أو القيام بأنشطة تهدف لتقويض النظام وإشاعة الفوضى في البلاد، أو اعتناق أفكار شيوعية تهدد أمن واستقرار البلاد.
نقطة تحول ذلك المبنى سيء السمعة بدأت في عام 1987 مع بدء هبوب نسمات وروائح الديمقراطية في كوريا، وخروجها من قفص الدكتاتورية والشمولية إلى فضاء الحرية والتحول الديمقراطي في مطلع تسعينات القرن الماضي. بدأ ذلك التحول مع اندلاع الحركات المنادية بالديمقراطية في كوريا وسريان اشتعالها خاصة بعد حادثة موت الطالب الجامعي الناشط في مجال الدعوة للدمقراطية بارك جونغ شول في يناير 1987 تحت التحقيق والتعذيب بعد أن تم اقتناصه بواسطة عناصر أمنية وإيداعه القبو سيء السمعة، وقد أحدث مقتله موجة تظاهرات واحتجاجات طلابية عارمة في مختلف أنحاء البلاد مما أسهم في القضاء على آخر حكومة دكتاتورية عسكرية نشطة تحت زعامة الرئيس شن.
سيصبح المبنى الذي ارتبط اسمه بكل ما هو قمعي ومتسلط صالة تذكارية تمثل رمزا من رموز تجذّر الديمقراطية في كوريا، وقصة حية تسجل تطور المسيرة الصعبة والدموية التي سارتها كوريا من أجل بناء الدولة الديمقراطية، والتي كان ثمنها دماء وأرواح عدد كبير من الطلاب والشباب. وقد عبرت المناسبة الاحتفالية الخاصة عن ذلك بشكل رائع عندما قال رئيس الوزراء الذي شارك فيها إنه يشعر وكأنه ما يزال يستمع إلى الأنين والتأوه والصراخ والاستغاثة التي كانت تصدر عن آلاف الشباب الغض الذي كان يخضع للتعذيب الممنهج والتحقيق القاسي بواسطة أزلام الأمن وجلادي المخابرات التي كانت تتبع للأنظمة الدكتاتورية الغاشمة ، وأكد أن الحكومة الكورية، بتوجيه من رئيس الجمهورية، ستعمل من أجل أن يتحول ذلك المبنى الذي كان يعيش في أذهان الكثيرين كأتون خوف وجحيم، إلى واحة حرية وأمان ونعيم.
2024-03-22
2024-03-22
2024-03-22
يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;