الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

مقبرة للخادم

2019-05-03

ⓒ Getty Images Bank

في كوريا التقليدية، كان فن الجيومانسي، الذي تضمن الاعتقاد في قدسية الأماكن، وأن التواصل مع الطبيعة ومراعاة الاتجاهات والأماكن عند إنشاء المنازل أو المقابر له أثر الكبير على حظ الإنسان وحياته. فكانت قوانين السماء والأرض، والتناغم مع الطبيعة ككل أمور ذات أهمبية كبرى. فكان المنزل المثالي في اعتقادهم هو الذي يُنشأ بحيث تكون الجبال في ظهره والمياه من أمامه. وكانت قوانين الجيومانسي تنطبق على الأموات والأحياء على حد سواء، فكانت القبور المثالية هي التي تكون في مناطق جبلية، معرضة لأشعة الشمس المباشرة، وتحيطها التربة الخصبة. وكان الكوريون يؤمنون أن دفن آبائهم في بقعة مناسبة يجلب لهم الحظ الحسن والتوفيق والبركة في حياتهم. وهي معتقدات تتضح قوتها في قصتنا اليوم.

كان يا ما كان، في قديم الزمان، عاش رجل ثري للغاية في جزيرة جيجو، وقد كان رجلًا مغرورًا فخورًا بنفسه، ولم يكن يستمع لما يقوله الآخرون، فكان لا يثق إلا بنفسه، ولا يعتمد إلا على رأيه فقط. وفي يوم حزين، توفي والد بطلنا، فأراد أن يدفن والده في بقعة مثالية، فاستدعى خبيرًا في الجيومانسي ليختار البقعة المناسبة للقبر. تفحص الخبير المنطقة المحيطة جيدًا، وراجع كل المعالم الطبيعية فيها بكل حرص، ثم تخير بقعة مناسبة للقبر، ورأى أنها منطقة مثالية تضمن الحظ الحسن.

لكن البقعة التي اختارها الخبير لم ترق للرجل الثري، فرفض رأي الخبير رغم تكرار تأكيده أنها البقعة المثالية للدفن، وبدلًا من ذلك، اختار الرجل الثري مكانًا آخر راق له، لم يكن له علم بتفاصيل الجيومانسية، لكنه لم يكن يهتم بآراء الآخرين ولا يعجب إلا برأيه فقط، فاقتنع أن قراره هو القرار الصحيح، وآمن أن دفن والده في تلك البقعة ستجلب الحظ والثراء الوفير لأسرته لأجيال قادمة. عارض الخبير رأي الرجل الثري، وحاول أن يُفهمه أن قراره خاطئ، لكنه لم يلق له بالا، فاستسلم الخبير وانصرف لحاله، وترك الثري يفعل ما يحلو له، فهو صاحب الأمر على أي حال.

وكان أحد الخدم قد سمع الحديث الذي دار حول موقع المقبرة، وظل مترددًا لفترة طويلة قبل أن يتجرأ ويسأل سيده: "سيدي، كنت أتساءل، هل تظن أنك قد تسمح لي باستخدام موقع المقبرة الذي اختاره الخبير ولم يرق لك أنت سيدي؟ فلقد توفي والدي، وأنا أبحث عن موقع مناسب لمقبرته". فردّ سيده:"ولم لا؟ أنت خادم نشيط ومجتهد ومتفانٍ. يمكنك ذلك بالطبع، لا مانع لدي". وهكذا، دفن كلٌ من السيد والخادم والديهما في المكانين المذكورين.

ومنذ ذلك اليوم، بدأت أحوال أسرة السيد في التدهور، وبدأت ثروته تنهار. أما الخادم، فاستطاع أن يستقل بحياته وأن يكسب رزقه بدون العمل لدى السيد الثري، بل استطاع أن يجمع مبلغًا من المال مكونًا ثروة صغيرة عمل على رعايتها وزيادتها بالتدريج. وبعد عدة أعوام على ذلك الحال، صار الخادم رجلًا ثريًا، وساءت أحوال السيد الثري فأصبح فقيرًا فقرًا مدقعا.

وبعد تردد طويل، قرر السيد السابق أن يزور خادمه السابق الذي أصبح ثريًا كي يستعير منه بعض الأرز. كان الأمر يشعره بالمهانة والذل، لكنه رأى أنه من واجبه أن يتحمل كل ذلك في سبيل إطعام أسرته التي تتضور جوعا.

لكن على عكس توقعاته، استقبله الخادم بكل ترحاب ودفء. سارع الخادم السابق بإهداء سيده السابق الكثير من الأرز والأموال أيضًا كي يعيد بناء حياته. قال له: "لقد استطعت أن أكون كل هذه الثروة بفضلك يا سيدي، بعد أن سمحت لي باستخدام موقع المقبرة لدفن والدي. ولقد حان وقت أن أرد لك هذا الجميل". تأثر السيد السابق بإخلاص الخادم وتواضعه ووفائه، وندم على ما كان عليه من الغرور والتكبر في الماضي حين كان ثريًا. ومنذ ذلك اليوم، عمل بكل جد، وحرص على أن يكون متواضعًا دمث الخلق.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;