الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

ثوبُ القاضي

2019-05-17

ⓒ Getty Images Bank

كان يا ما كان، في قديم الزمان، عاش قاضٍ في إحدى القرى. كان يتمتع بروح قيادية، وكان طيب القلب، حكيمًا، هادئ النفس، صائب الرؤية. وكان غالبًا ما يتجول في القرية مرتديًا ملابس العامة ليتفقد أحوال الناس ويستقصي أحوالهم.

وفي يومٍ من الأيام، ذهب القاضي إلى القرية متخفيًا في ثياب العامة كعادته، كان قد تنكر في زي حطاب، وزار بيت رجل ثري عُرف ببخله وخبث طباعه. كان ذلك الرجل الثري منافقًا، يتودد لأصحاب المنازل والثروة، ويتكبر على الفقراء والمساكين والعامة. كان القاضي قد سمع عنه الكثير، وأراد أن يستكشف الأمر بنفسه.

عندما وصل القاضي المتنكر إلى بيت الرجل الثري، طرق على الباب ففتح له أحد الخدم، طلب منه القاضي أن يعطيه كوبًا من الماء البارد. لكن الخادم رفض طلبه وكان على وشك أن يُقفل الباب ثانية. لكن القاضي لم يستسلم، فأمسك بالباب بقوة وصاح بصوت عالٍ: "أخبرتك أنني أريد كوبًا من الماء! أريد الماء!". سمع الرجل الثري الضوضاء الصادرة عند باب المنزل، وخرج لاستقصاء الأمر.

كان ما رآه الرجل الثري هو حطاب فقير يرتدي ملابس قديمة رثة، ويحمل حاملًا خشبيًا على ظهره. عبس الرجل وقال لخادمه: "هذا الرجل المثير للشفقة يريد بعض الماء. أعطيه الكثير من الماء ثم اطرده من هنا!". فكر القاضي أن الرجل قد يكون به ذرة كرم رغم كل شيء، فهو مستعد لإعطاء الماء لرجل غريب. لكنه كان مخطئًا في ظنه هذا، فلقد جلب الخادم قدرًا كبيرًا من الماء البارد، لكنه لم يعطه للقاضي، بل سكبه في وجهه قبل أن يطرده شر طردة. شعر القاضي بالغضب والإهانة، لكنه لم ينطق بحرف، وانصرف صامتًا.

بعد ذلك بفترة، ظهر القاضي أمام منزل الرجل الثري مجددًا. لكنه كان يرتدي زيه الرسمي هذه المرة، وكان يرافقه بعض أتباعه. فتحت أبواب البيت على مصاريعها، وخرج الرجل الثري مسرعًا، وراح ينحني للقاضي ويبالغ في تبجيله واحترامه، وقال بكل أدب: "سيدي. ترى ما المناسبة السعيدة التي دفعت شخص بمثل مقامك الرفيع لزيارة منزلي المتواضع؟ يالها من مفاجأة جميلة! أرجوك تفضل بالدخول".

ابتسم القاضي ودخل المنزل وكأن شيئًا لم يحدث. ولم يدر بخلد الرجل الثري، طبعًا، أن هذا القاضي رفيع المقام هو نفسه الرجل المسكين الذي طرده شر طردة من منزله منذ بضعة أيام. قدم الرجل الثري للقاضي أطيب الأطعمة الفاخرة، لكن القاضي لم يتناول ذلك الطعام، بل راح يضعه على ملابسه. وضع الفطائر الحلوة في أكمامه، واللحم المشوي في سرواله، وعلق بعض الأطعمة في حزامه.

تعجب الرجل الثري كثيرًا من هذا الأمر. وسأل القاضي، بكل حرص وأدب: "سيدي، إنني لأتساءل، وإنني لآسف!، لكن، ألم يرق لك الطعام؟" أجاب القاضي ببساطة: "لا، لا. الطعام رائع. ولهذا يجب أن أقدمه إلى ملابسي، ألا توافقني الرأي؟" ازدادت حيرة الرجل الثري. فتقديم الطعام إلى الملابس هو أمر لا يُعقل أبدًا! طال صمته، فعاد القاضي يسأل: "لماذا أنت صامت؟ هل أنا مخطئ؟" قال الرجل الثري: "سيدي، أنا آسف فعلا. لكن هذا الطعام قد أعد لك أنت، وليس لملابسك!" تصنع القاضي الدهشة وقال في استنكار: "ما هذا الكلام الفارغ الذي تقوله؟ لقد طردتني من منزلك قبل يومين بعد أن رأيت ملابسي الرثة، والآن استقبلتني استقبالا مهيبًا وأعددت لي ما لذ وطاب من الطعام بعد أن رأيت ملابسي، فلا بد إذن أن هذه المعاملة، وهذا الطعام قد أعد لملابسي". عند سماع الرجل الثري لهذا، شحب وجهه، وشعر بالخجل والخزي، فقد أدرك أن الحطاب الفقير الذي أهانه قبل أيام لم يكن سوى القاضي نفسه! ارتمى الرجل على ركبتيه، واعتذر للقاضي وطلب أن يسامحه. ومنذ ذلك اليوم، لم يعد يحتقر أي شخص أو يعامله معاملة سيئة بسبب مظهره.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;