يُعرفُ الملكُ سيجونغ، وهو الملكُ الرابعُ في مملكةِ جوسون، بابتكاره لحروف الهانغل الكورية، ولكنَّ الهانغل ليست إنجازَهُ الوحيد، فقد كان مبدعًا كثيرَ الإنتاجِ لدرجةِ أنه من الصعبِ أن نذكرَ كلَّ إنجازاته وابتكاراته الأخرى. ومن ضمن هذه الابتكارات، الأداةُ الفلكية التي عُرفت باسمِ "هون تشون أوي 혼천의"، والساعةُ المائيةُ "جا كيوك رو 자격루"، والعدادُ الشمسي "أنغ بو إيل غو 앙부일구". وقد ابتكرَ طريقةً للطباعةِ بصورةٍ فعالة عن طريق ابتِكارِ طريقةٍ جديدةٍ للخطِّ، وله كتبٌ في مواضيعَ عديدة بدءًا من التاريخِ والزراعةِ إلى الطبِّ والموسيقى. كما حسَّنَ نظامَ القياس، وابتكَرَ أسلحةً جديدة. ومن المثيرِ للدهشةِ أنه كان يحققُ نتائجَ مبهرةً في كلِّ مشروعٍ من مشاريعِهِ الكثيرةِ تلك. وكانت الموسيقى من المجالات التي حقق فيها إنجازات رائعة. كان هذا بعد 25 عام من توليه العرش، وكانت الفوضى من انحلال مملكةِ غوريو وإقامة مملكةِ جوسون بعدها لا تزالُ قائمةً في المجتمع. وقد لاحظَ الملكُ سيجونغ أن الكثيرَ من الآاتِ الموسيقية للموسيقى الملكية قد دمرت وفقدت وانقطع الاتصالُ بعازفيها أثناء الفوضى والاضطرابات المستمرة التي أصابت البلاد. ولذلك أمر الملكُ العالمَ "باك يون 박연" لاختصار النظريات الموسيقية واستعادة الآلات الموسيقية. ومن ضمن المقطوعات الموسيقيةِ التي أُعيدَ اكتشافُها "مون ميو جي رييه أك 문묘제례악"، وهي مجموعة من المقطوعات التي كانت تعزف أثناء المراسم الجنائزية التي كانت تقامُ للقديسين العلماءِ من الصين وكوريا. 

حتى المتشككين الذين يظنون أن جميع مقطوعات الكوغاك التراثية تتشابه في النهاية يرون أن المقطوعةَ التي استمعنا إليها منذ قليل تختلف. وهناك ثلاثة أنواع من الموسيقى الملكية: "آ-أك 아악"، والـ"دانغ-أك 당악"، والـ"هيانغ-أك 향악". أما الـ"آ-أك 아악"، والـ"دانغ-أك 당악" فقد نشآ في الصين، أما الـ"هيانغ-أك 향악" فنشأت في كوريا. وكانت الـ"آ-أك" تؤدى أثناء المراسم الجنائزية أو الاحتفالات الملكية، أما الـ"دانغاك" فكانت تُقام أثناء حفلات البلاط الملكي. ومقطوعات الـ"آ-آك" الوحيدةُ التي لا تزالُ موجودةً إلى اليوم هي "مون ميو جي رييه أك 문묘제례악" التي استمعنا إلى جزء منها منذ قليل، و"بوهوجا 보허자"، و"ناك يانغ تشون 낙양춘". والآلات الموسيقيةُ التي تُعزف في مقطوعات الـ"آ-أك" آلات مميزة يندر أن نراها في مقطوعات الموسيقى الملكية العادية. فكل نغمة تعزف بطريقة محددة جدًّا، كما تتميز المقطوعات بإيقاع ثابت. وغالبًا ما يميز المقطوعات الكورية التنوع والتغير المستمر في الإيقاع والنغمة والصوت، أما "مون ميو جي رييه أك 문묘제례악" فلا تحتوي على تلك العناصر المتغيرة. وفي عصر الملك سيجونغ، لم تكن الـ"آ-أك" تعزف فقط أثناء مراسم العلماء والقديسين، بل أيضًا أثناء المراسم الجنائزية الخاصة بالملوك والملكات الراحلات من مملكة جوسون. وتساءل الملكُ سيجونغ عن صحةِ استماع ملوكِ جوسون الراحلين لموسيقى الآ-أك -صينية الأصل- في موتهم، بعدما كانوا يستمعون إلى الـ"هيانغ-أك" الكوريةِ الخالصةِ في حياتهم. ولا شك أن ابنه الثالث، الأمير سويانغ الذي صار بعد ذلك الملك "سيجو"، تذكر هذه المسألة التي كانت تشغل والده، لأنه بمجرد أن اعتلى العرش، عدل مقطوعتي "بو تيه بيونغ 보태평" و"جونغ ديه أوب 정대업" التي كانت تعزف في المناسبات الملكية بحيث تناسب مراسم جونغميو الجنائزية.

تتكون كل من مقطوعتي "بو تيه بيونغ 보태평" و"جونغ ديه أوب 정대업" من 11 جزءًا. واسم "بو تيه بيونغ 보태평" يعني: أوقات الرخاء، وهي مقطوعة تعظم من الإنجازات العلمية للملوك السابقين، بينما تركز مقطوعة "جونغ ديه أوب 정대업" على الاحتفال بإنجازاتِهم العسكرية. وقد أسست فلسفة جوسون السياسية على المبادئ الكونفوشية، وموسيقى المناسبات هي جزء أساسي من الفلسفة الكونفوشية التي تركز على النظام والتناغم بين عناصر الكون. والسبب الذي دفع الملك سيجونغ وابنه الملك سيجو لتعديل موسيقى المناسبات في مملكة جوسون هو أنهم أرادوا أن يحققوا تواصلًا صحيحًا متناغمًا مع الأرض ومع الأسلاف، كي يعم الرخاء والتناغم في حياة العامة من خلال هذه المقطوعات المنضبطة المتماشية مع فلسفتهم. وآخرُ مقطوعاتنا اليوم هي "ديه تشويتا  대취타"، وهي مقطوعة كانت تعزف عندما يغادر الملك القصر لإقامة المراسم الجنائزية. وقد اشتهرت "ديه تشويتا  대취타" عندما قام "أوغست دي" -وهو سوغا عُضو فرقة بي تي إس- أطلق أغنية بنفس العنوان.

المقطوعات المقدمة في حلقة هذا الأسبوع:

-     "هوانغ جونغ كونغ 황종궁"، أداء أوركسترا الموسيقى الملكية التابعة للمركز الوطني لموسيقى الكوغاك التراثية.

-    مقطع "هيمون كيميونغ غوين يوكسونغ 희문 기명 귀인 역성" ضمن مقطوعة "بو تيه بيونغ 보태평" أداء أوركسترا الموسيقى الملكية التابعة للمركز الوطني لموسيقى الكوغاك التراثية.

-    "ديه تشويتا  대취타" أداء أوركسترا الموسيقى الملكية التابعة للمركز الوطني لموسيقى الكوغاك التراثية.