ⓒ Getty Images Bank

'رتب الرجل أوراق النوتة الموسيقية في كومة مرتبة، ثم وضعها كلها في آخر البيانو، قبل أن يخرج من دائرة الأضواء. وقف هناك كرجل غير مرئي. وقف هناك وهو يحني رأسه إلى حد ما، وكأنه يشعر بالأسف أو بالذنب حيال شيء ما. كان يؤدي دوره في عدم جذب أي أنظار ببراعة. ولكنني كنت لا أزال أراه، لأنه لم يكن غير مرئيٍّ حقًّا. كان يرتدي قميصًا أبيض وربطة عنق رمادية، ونظارة سوداء. كان وجوده غريبًا لأنه كان هناك في تلك اللحظة. لم تكن هناك حاجة إليه في ذلك المكان إلا في لحظات تقليب الصفحات. كان دوره دورًا مساعدًا. ممثل لا يتقدم الصفوف أبدًا'.

'رغم المسافة التي تفصل بيننا، أدركت أن مهاراته في تقليب الصفحات في الوقت المناسب كانت ممتازة. كان يختار اللحظة المناسبة تمامًا لقلب الصفحة، وكان يقلبها بسرعة وبهدوء، كان ذراعه يتحرك بسلاسة، كانت مهاراته هذه منقطعة النظير. كانت باربارا بوني وهِلمت دوتش يؤديان في تناغم مدهش، يركبان النغمات وكأنهما يركبان أمواج التيار. وكان الجمهور يتذوق تلك المشاعر التي يثيرها العرض بتلذذ. كان ذلك الرجل هو الوحيد الذي يركز تركيزًا متوترًا في القاعة، وهو يحدق في النغمات. ولأن وظيفته كانت تقتضي القيام بعمل معين في لحظة حساسة، فقد كان يستهدف تلك اللحظة المثالية وهو على طرف مقعده. هل كان عازف بيانو أو كان يتمنى أن يصبح عازف بيانو قبل أن يصبح مقلب صفحات؟ ترى كم من الناس وجد نفسه في موقع أقل مما كان يطمح بعدما فشل في تحقيق أحلامه؟'.

# من شريط المقابلة مع الناقدة الأدبية "جون سو-يونغ"

تدور هذه القصة حول الفن، وحول حياة البشر بصورة عامة. فالمجتمع الحديث مجتمع مادي للغاية، يعيش فيه الناس دون قيم أو مثاليات، ولا يهتمون سوى بما قد يجلب لهم المال والمكاسب المادية. ولكن الماديَّات ليست هي ما يثري حياة الإنسان حقًّا، بل القيم التي تتجاوز المادية. وهذه القصة تدعونا لنعيد النظر في حياتنا، وأن نبحث فيها عن القيم المهمة التي يجب أن نحافظ عليها ونثريها.

'راح الرجل يتأملني. كانت عيناه صافيتين. كانت عيناه الصادقتان تصلان إلى قلبي مباشرة، بتلك النظرة البريئة الصافية. آلمني قلبي. قلت: "لنخرج من هنا. لنذهب إلى الحديقة كي نشاهد الحمامات". وقفت بسرعة، وبعد تردد قصير، تبعني إلى الخارج'.

---

الكاتبة "لي تشانغ-هيه 이청해"

- وُلدت في مدينة كوانغ جو، في 30 يونيو عام 1948.

- أول أعمالها: قصة بعنوان "هاو"، وقد نشرت عام 1991.