© KBS

منذ انهيار قمة هانوي بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، شددت بيونغ يانغ على الحاجة إلى الاكتفاء الذاتي في الإنتاج، وعلى وجه الخصوص في إنتاج مستحضرات التجميل. وفي مارس، بث التلفزيون المركزي في الشمال مشهدًا تقوم فيه امرأة بإزالة مستحضرات تجميل من علامة تجارية مشهورة عالميًا من غرفتها وتستبدلها بعلامة تجارية لمنتج محلي. وهذا المشهد يحاول تسليط الضوء على تفوق منتجات التجميل المحلية، حتى إنه يكشف عن العلامة التجارية ذات الشهرة العالمية. اليوم سنتحدث عن سبب قيام كوريا الشمالية بالكثير من العمل لتطوير صناعة مستحضرات التجميل، مع البروفسور "جون يونغ صون" الأستاذ بمعهد العلوم الإنسانية في جامعة كونكوك. 

البروفسور "جون يونغ صون 전영선" الأستاذ بمعهد العلوم الإنسانية بجامعة كونكوك:

قامت وسائل الإعلام الكورية الشمالية، بما في ذلك صحيفة "رودونغ شين مون" الحكومية، وبعض البرامج الإذاعية، بالترويج لمستحضرات التجميل المحلية مؤخرًا، مشيرة إلى أنها على نفس مستوى المنتجات الأجنبية من حيث الجودة. وتتمثل إحدى الاستراتيجيات الاقتصادية لكوريا الشمالية في التطوير المكثف للصناعات التنافسية نسبيا، مثل الأطعمة الصحية والملابس والمشروبات الكحولية ومستحضرات التجميل، كما تبذل بيونغ يانغ الكثير من الجهود لتحسين جودة هذه المنتجات، حتى إن مصنع مستحضرات التجميل مجهز بنظام إنتاج بدون عمال. تعتقد كوريا الشمالية أن لديها ميزة تنافسية في منتجات التجميل التي يتم تصنيعها من حبوب "مونغ" والجينسنغ على وجه الخصوص. 

خلال خطاب رأس السنة الميلادية الجديدة، أصدر الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" تعليمات إلى مسؤوليه بتحديث المصانع التي تنتج السلع الخفيفة. وتركز كوريا الشمالية حاليا على ما يبدو على صناعة مستحضرات التجميل التنافسية في خطوة استراتيجية لبناء نظام اقتصادي مستدام وتخفيف حدة الاضطرابات العامة التي قد تنتج عن استمرار العقوبات الدولية عليها. وبخلاف الغرض الاقتصادي، فإن مستحضرات التجميل في كوريا الشمالية لديها المزيد من الآثار.

 

البروفسور "جون يونغ صون 전영선":

في الماضي، كان استخدام المكياج الخفيف أمرًا مألوفًا بالنسبة للنساء الكوريات الشماليات، وكان المكياج الثقيل أو الملون يعتبر غير لائق. ظل الحزب الحاكم يقدم مستحضرات تجميل للنساء كهدية خاصة في اليوم الدولي للمرأة، يوم 8 مارس، وللعرائس عند الزواج. بعبارة أخرى، تحمل منتجات التجميل أهمية سياسية كرمز للاستفادة من الحزب وحب الزعيم العزيز لشعبه. ومع ذلك، فإن مستحضرات التجميل هذه الأيام تشبه وسائل إظهار شعور الفرد بالجمال، مما يشير إلى أن المجتمع الكوري الشمالي أصبح أكثر انفتاحًا. ففي كوريا الجنوبية، يتصدر المشاهير والنجوم اتجاهات الموضة ومستحضرات التجميل. وفي الشمال، يُعتقد أن "ري سول جو" زوجة "كيم جونغ أون" قد لعبت دوراً كبيراً في تشجيع النساء الكوريات الشماليات على تطوير شعورهن بالموضة. ويبدو أيضا أن"كيم يو جونغ" شقيقة "كيم"، والمغنية الكورية الشمالية الشهيرة "هيون سونغ وول" تلعبان أيضا دورًا في تطوير الموضة التي تقلدها النساء الكوريات الشماليات. 

إلى جانب ظهور هؤلاء النساء رفيعات المستوى والأناقة، ساهمت القوة الشرائية المتنامية لدى الطبقة الصاعدة من الأثرياء، والمعروفة باسم "دون جو"، والمزاج الملائم للانفتاح في المجتمع، في إثارة الاهتمام العام بمستحضرات التجميل.

البروفسور "جون يونغ صون 전영선" : 

تماشيا مع التصور المتغير حول الماكياج في كوريا الشمالية، تنوعت العلامات التجارية لمستحضرات التجميل. في السابق، لم يكن مفهوم "المنافسة" موجودًا في الدولة الشيوعية، لكنها ظلت شهدت الكثير من التغييرات منذ إدخال نظام إدارة اقتصادية جديد في منتصف عام 2010. بموجب هذا "النظام الاشتراكي لإدارة مسؤولية المؤسسات"، قامت الحكومة بإحالة إدارة التخطيط والإنتاج والتوظيف إلى مديري المؤسسات الحكومية. في الماضي، كانت هناك ماركة مستحضرات تجميل واحدة فقط في الشمال تسمى "سبرنغ سِنت Spring Scent" أي "رائحة الربيع". والآن قام مصنع بيونغ يانغ لمستحضرات التجميل ببناء نظام آلي بالكامل لتصنيع العلامة التجارية "أون هاسو"، بالإضافة إلى العلامة "سبرينغ سنت". 

تثير العلامة التجارية "أون هاسو" الكثير من الاهتمام هذه الأيام، وهي تمثل مصنع بيونغ يانغ لمستحضرات التجميل المجهز بنظام إنتاج متقدم تفخر به كوريا الشمالية. وقد أدى هذا التحول الكبير من احتكار السوق من قبل علامة تجارية واحدة إلى نظام المنافسة إلى تنويع العلامات التجارية لمستحضرات التجميل.

 

البروفسور "جون يونغ صون 전영선" : 

مع مجموعة متنوعة من المنتجات الجديدة، أصبح لدى النساء الكوريات الشماليات الآن خيارات أكثر. فالمنافسة تشجع العلامات التجارية المختلفة على تحديد استراتيجيات المبيعات الخاصة بها. تعمل كوريا الشمالية أيضًا على تطوير منتجات وظيفية أو مضادة للحساسية ومستحضرات تجميل باستخدام تقنية النانو. 

ونتيجة لهذه الجهود، حصل 25 نوعا من مستحضرات التجميل من العلامة التجارية "أون هاسو" على شهادة الجودة من الاتحاد الاقتصادي في أوراسيا. 

البروفسور "جون يونغ صون 전영선" : 

تظهر مستحضرات التجميل التغيير في ظل نظام "كيم جونغ أون" سياسيا واقتصاديا وثقافيا، حيث بدأ التأكيد على بناء دولة اشتراكية حضارية. فخلال سنوات الزعيم السابق "كيم جونغ إيل" كان الشعار هو "هيا نعمل بجد لبناء مجتمع عظيم"، بينما في العهد الحالي صار الشعار هو "استمتع". وهذا هو الفرق الأكثر بروزاً عن العهد السابق. وهكذا فإن دعم كوريا الشمالية لصناعة مستحضرات التجميل كعنصر تصدير يستهدف تقوية قدراتها التنافسية، ويعكس تغييرا في سياساتها الاقتصادية.

من خلال النساء اللاتي يستخدمن الماكياج، تُظهر الدولة الشيوعية المنعزلة أن شعبها يتمتع أيضًا مثل الدول الأخرى، حيث تدعم كوريا الشمالية إنتاج مستحضرات التجميل، التي كانت تعتبر من قبل، إلى حد ما، من زخارف النظم الرأسمالية. ولذلك يجب أن ننتظر لنرى ما إذا كان هذا التحول سوف يؤدي إلى تغيير فعلي في المجتمع الكوري الشمالي بشكل عام.