ⓒ Getty Images Bank

اختتمت بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر يوم الأحد الماضي بفوز الأرجنتين. وقد تمكنت كوريا الجنوبية من التقدم إلى دور الستة عشر. وفي يوم 6 ديسمبر، عندما واجهت كوريا الجنوبية البرازيل في دور الـ16، تحدى مشجعو كرة القدم في كوريا الطقس المتجمد وفاضت بهم ساحة "كوانغ هوا مون" في وسط سيول لتشجيع منتخبهم بحماس. ورغم خسارة المنتخب الكوري في تلك المباراة الصعبة، إلا أن المشجعين الكوريين ما زالوا يشعرون بالرضا عن لاعبي المنتخب الوطني الذين حاولوا بقوة. أما كوريا الشمالية فقد من تصفيات كأس العالم هذا العام بسبب المخاوف من فيروس كورونا. 

هل تبث كوريا الشمالية مباريات كأس العالم، مثلها مثل العديد من الدول حول العالم؟ الجواب هو: نعم. 

فقد نقل التلفزيون المركزي الكوري الشمالي الذي تديره الدولة أخبار حفل افتتاح بطولة كأس العالم لهذا العام.

وخلال حفل افتتاح مونديال قطر، كان أحد المشاهد التي أبهرت المشاهدين في جميع أنحاء العالم أداء المغني "جونغوك" عضو فرقة "بي تي إس" الذي أدى أغنية كأس العالم الرسمية، والتي تصدرت مخططات الأغاني في أكثر من 100 دولة بعد ثلاثة أيام فقط من إطلاقها. ومع ذلك، لم تذكر كوريا الشمالية ذلك أبدا. وبالنسبة لبطولة هذا العام، قدم الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" دعما لكوريا الشمالية في بث نسخ مسجلة من بعض المباريات.

لم تُدرج كوريا الشمالية المباريات التي ضمت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان، ضمن قائمة البث الخاصة بكأس العالم. أيضا، طمست كوريا الشمالية أسماء الشركات الكورية الجنوبية وصورة العلم الوطني لكوريا الجنوبية، بل وقامت أيضا بمحو الإعلانات الأمريكية.

الدكتور "هو جونغ بيل 허정필" الأستاذ في معهد الدراسات الكورية الشمالية في جامعة دونغ كوك:

يبدو أن كوريا الشمالية حذفت عمدا المباريات التي تضم أعداءها السياسيين، أي كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان، من تغطية كأس العالم، حيث إن الدول الثلاث ترسم بشكل عام سياستها تجاه كوريا الشمالية على أساس تحالفها الثلاثي. كوريا الشمالية، مثل العديد من البلدان الأخرى، مهتمة للغاية بكرة القدم. وقد ظلت تبث مباريات كأس العالم المسجلة مسبقا في الماضي لتزويد مواطنيها بشيء يمكنهم مشاهدته والاستمتاع به. أعتقد أن كوريا الشمالية بثت بعض مباريات كأس العالم في قطر للسماح لشعبها بنسيان وضعهم الاقتصادي الصعب، حتى ولو لفترة من الوقت، وللترويج لنفسها كدولة طبيعية تبث مباريات كأس العالم. 

 لكن كوريا الشمالية بثت المباراة بين منتخبيْ كوريا الجنوبية والبرازيل. وقدم التلفزيون الحكومي اللاعب "سون هُنغ مين" كقائد للفريق الكوري الجنوبي، وقام بتحليل المباراة بنبرة محايدة نسبيا. 

انضمت كوريا الشمالية للاتحاد الدولي لكرة القدم، فيفا، في عام 1958. وقد أذهلت العالم بفوزها على إيطاليا التي تعد عملاقا في كرة القدم، وتقدمت إلى الدور ربع النهائي في كأس العالم 1966 في إنغلترا، لتصبح أول دولة آسيوية تحقق هذا الإنجاز. وقد تم إدراج النتيجة المفاجئة في قائمة مفاجآت كأس العالم التي اختارتها منصة المحتويات الرسمية في كأس العالم هذا العام في قطر. 

"هو جونغ بيل 허정필":   

استغرق الأمر 44 عاما لكوريا الشمالية للعودة إلى كأس العالم مرة أخرى، وكان ذلك في بطولة 2010 في جنوب إفريقيا. وقد تم تصنيفها مع البرازيل والبرتغال وساحل العاج في المجموعة السابعة، والتي كانت تعتبر على نطاق واسع "مجموعة الموت". لكن مدرب المنتخب الكوري الشمالي أعرب عن طموحه بالفوز على البرازيل.

في ذلك الوقت، كان لدى المنتخب الوطني الكوري الشمالي لاعبان كوريان شماليان مولودان في اليابان، وهما "جونغ تيه سي" و"آن يونغ هاك"، اللذان لعبا في الدوري الياباني، مما رفع التوقعات بأن الفريق قد يتقدم إلى دور الـ16. لكن المنتخب الكوري الشمالي فشل في تحقيق ذلك الهدف. وفي هذه الأيام، تشتهر كوريا الشمالية ببث مباريات مسجلة مسبقا لبطولات كرة القدم الاحترافية في بلدان أخرى، بما في ذلك الدوري الإنغليزي الممتاز والدوري الألماني. ووفقا للهاربين الكوريين الشماليين، يمكن للسكان في الشمال شراء مقاطع فيديو للاعبي كرة القدم المشهورين عالميا من السوق.

قالت وسائل الإعلام الكورية الشمالية إن الدوري الممتاز لكرة القدم لهذا العام انطلق يوم 2 ديسمبر. وتحت إشراف اتحاد كرة القدم في كوريا الشمالية، يتكون دوري كرة القدم من الدوري الممتاز، والدوري رقم 2، والدوري رقم 3، للرجال والنساء.

"هو جونغ بيل 허정필":   

لا يوجد دوري كرة قدم للمحترفين في كوريا الشمالية. يضم الدوري حوالي 15 فريقا، بما في ذلك نادي "25 أبريل الرياضي"، بينما يتكون الدوري رقم2 ورقم 3 من 40 فريقا و80 فريقا على التوالي. الدوري الممتاز هو الدرجة الأولى في نظام كرة القدم في كوريا الشمالية، بينما الدوري الثالث هو الأقل. أولئك الذين ينتمون إلى الدوري الممتاز هم لاعبون ممتازون ويتلقون معاملة جيدة. نادرا ما ينتقل اللاعبون في الدوري إلى دوري آخر. في عهد كيم جونغ أون، أنشأت كوريا الشمالية فرقا جديدة لكرة القدم تحت إشراف الحزب الحاكم والجيش والشركات، وكذلك في المدن والمحافظات.

ومنذ وصول كيم جونغ أون إلى السلطة، ظلت كوريا الشمالية تشدد على الحاجة إلى بناء "قوة رياضية".

وتورد وسائل الإعلام الكورية الشمالية في الكثير من الأحيان أنباءً عن مشاهدة "كيم جونغ أون" لمباريات كرة القدم، من أجل تسليط الضوء على اهتمام الزعيم الشديد بهذه الرياضة.

"هو جونغ بيل 허정필":   

تحت حكم "كيم جونغ أون"، أنتجت كوريا الشمالية العديد من الكتب والأفلام والمسلسلات التلفزيونية حول كرة القدم، مقارنة بالماضي. قامت الدولة بتحسين الأنظمة ذات الصلة، كما يتضح من إنشاء أكاديمية كرة القدم في بيونغ يانغ، مما يعكس اهتمامها المتزايد بهذه الرياضة. هناك العديد من الحلقات التي تدور حول حب كبار القادة لكرة القدم في كوريا الشمالية. تحدث "كيم جونغ أون" مؤخرا في حلقة عن جده مؤسس النظام "كيم إيل سونغ". في منتصف الحرب الكورية عام 1951، انضم "كيم إيل سونغ" إلى مباراة لكرة القدم مع القادة العسكريين بعد أن عقد اجتماعا معهم. كان يرتدي الزي العسكري رقم 16. كوريا الشمالية تنشط في نشر هذه القصة للجمهور. أيضا خلال خطاب ألقاه في رأس السنة الجديدة في 1 يناير 2011، قال الزعيم السابق "كيم جونغ إيل" إن كرة القدم تناسب مزاج الكوريين وأنها رياضة محبوبة من قبل كل الناس. هذا يُظهر أن الزعيم السابق كان يعشق كرة القدم أيضا. 

منذ السنوات الأولى في منصبه، قدم الزعيم الحالي "كيم جونغ أون" الدعم الكامل لكرة القدم. فقد أنشأت كوريا الشمالية مدرسة بيونغ يانغ الدولية لكرة القدم في عام 2013 لتدريب عباقرة كرة القدم بشكل منهجي ورعايتهم كلاعبين عالميين.

يتم إرسال بعض الطلاب المتفوقين في المدرسة إلى بعض الأكاديميات في إسبانيا بمنحة حكومية، كما تتم دعوة مدربين أجانب إلى المدرسة. في الواقع، يبدو أن كوريا الشمالية حريصة على تدريب اللاعبين الموهوبين. 

"هو جونغ بيل 허정필":   

تحت رؤية الزعيم السابق "كيم جونغ إيل" وتعليمات الزعيم الحالي "كيم جونغ أون"، افتتحت مدرسة بيونغ يانغ الدولية لكرة القدم في عام 2013. شارك سبعة مدربين هناك في العديد من المباريات الدولية بصفتهم حائزين على أعلى مستوى من اعتماد التدريب الممنوح من قبل الاتحاد الآسيوي لكرة القدم. تدعي كوريا الشمالية أن المدرسة، بدعم من الدولة، تدرب الطلاب بطريقة علمية لتنمية أفضل اللاعبين. يجب على الطلاب الذين يتم قبولهم في المدرسة بعد فحص صارم، إكمال دورة مدتها أحد عشر عاما، تتكون من الفصل الابتدائي وفصل المبتدئين والفصل المتقدم. وبهدف تشجيع الطلاب على اللعب في الخارج، تولي المدرسة أهمية لتعليم اللغة الإنغليزية. هذا هو أحد الأجزاء المميزة للمدرسة. 

خلال الحكم الاستعماري الياباني لكوريا، أقامت فرق كرة القدم من المدينتين الرئيسيتين، سيول وبيونغ يانغ، مباريات ودية. كان الحدث معروفا باسم سلسلة "كيونغ بيونغ" لكرة القدم. ففي ذلك الوقت، كان يُطلق على سيول أيضا اسم "كيونغ صونغ"، وبالتالي اتخذ اسم الحدث الكلمة الأولى من اسم كل مدينة. وقد فازت بيونغ يانغ بالحدث الافتتاحي في أكتوبر 1929، بينما فازت "كيونغ صونغ" على بيونغ يانغ في العام التالي. وقد أقيمت المباراة الأخيرة في عام 1946، بعد عام من تحرير كوريا من الاحتلال الاستعماري الياباني. وبعد أن أقامت الكوريتان مباراة ودية لكرة القدم في عام 1990، ظهرت مباريات كرة القدم بين الكوريتين كمجال جديد للتبادلات عبر الحدود.

"هو جونغ بيل 허정필":   

أقامت الكوريتان مباريات كرة قدم للعمال في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بالتناوب في سيول وبيونغ يانغ. استمر هذا التقليد لإقامة مباريات كرة القدم للعمال بين الكوريتين في بيونغ يانغ في عام 2015 وسيول في عام 2018. وكما يشير الاسم، لم تكن مباريات كرة القدم للاعبين المحترفين. بدلا من ذلك، كانت نوعا من برامج التبادل يشارك فيها الهواة من الجانبين. في عهد كيم جونغ أون، استمرت كوريا الشمالية في إنشاء وعقد الأحداث الرياضية التي ينضم إليها عامة الناس. مثل هذه الأحداث الرياضية، إذا تم تنظيمها بشكل مشترك بين الكوريتين، فمن شأنها أن تسهم بشكل كبير في استعادة التجانس الوطني وتعزيز التواصل بين الجانبين.

تشير تقارير وسائل الإعلام في الشمال إلى أن كوريا الشمالية تبدي اهتماما متزايدا بكرة القدم، مع تقديم دعم أكبر لهذه الرياضة. ويقول خبراء إنه في رياضة مثل كرة القدم، تعد القدرات الفردية مهمة بالطبع، لكن من المهم بنفس القدر فهم الاتجاهات العالمية أيضا. وقد رفضت كوريا الشمالية المشاركة في الأحداث الرياضية الدولية منذ ظهور جائحة كورونا. ولكن لكي تنمو كرة القدم في كوريا الشمالية أكثر، فإنه من الضروري أن تقدم الدولة الدعم لهذه الرياضة وأن تتفاعل بنشاط مع المجتمع الدولي، في نفس الوقت.