ⓒ YONHAP News

في شهر ديسمبر الماضي، نشرت شركة البريد الكورية الشمالية مجموعة من الطوابع على موقعها على الإنترنت للاحتفال بالذكرى العاشرة على صعود الزعيم الشمالي "كيم جونغ أون" إلى السلطة. وتحت عنوان "الدخول في عصر ازدهار الهندسة المعمارية"، تُحْيي مجموعة الطوابع ذكرى العديد من المباني التي تم تشييدها في كوريا الشمالية في الفترة بين عامي 2012 و2022. فقد واصلت كوريا الشمالية بناء منشآت جديدة في ظل حكم الزعيم الحالي، حتى إن البعض يقول إن أراضيها كلها تحولت إلى مواقع للبناء.

تقول كوريا الشمالية إنها ظلت تتمتع بعصر ذهبي من الهندسة المعمارية التي تعتمد على الذات منذ وصول الزعيم الحالي "كيم جونغ أون" إلى السلطة. وفي الواقع، أظهر قادة كوريا الشمالية دائما اهتماما خاصا بالهندسة المعمارية. 

البروفسور "إيم دونغ او 임동우" من قسم الهندسة الحضرية في جامعة "هونغ إيك": 

من الناحية التاريخية، يظهر جميعُ الناس، الذين يتولون الحُكم، قوتَهم في شكل منشآت ومبانٍ، مما يدل على رغبتهم المتأصلة في السلطة. لا تختلف الأمور كثيرا في كوريا الشمالية. فخلال سنوات مؤسس النظام "كيم إيل سونغ"، نظرت كوريا الشمالية مليا في كيفية التعبير عن الواقعية الاشتراكية من خلال أعمال الهندسة المعمارية. كما سعى ابنه وخليفته "كيم جونغ إيل" إلى إبراز قوته، من خلال إنشاء عدد من المباني الرائعة. وفي عهد الزعيم الحالي "كيم جونغ أون"، ظلت مباني الشقق السكنية رموزا لفترة حُكمه. ويعتبر هذا التغير جديرا بالملاحظة.

أحد المباني الشهيرة التي شُيدت بعد تولي "كيم جونغ أون" السلطة، هو مجمع العلوم والتكنولوجيا الواقع على نهر "ديه دونغ" في العاصمة بيونغ يانغ. وقد أبدى القائد الشاب اهتماما كبيرا بهذا المركز الخاص بالعلوم والتكنولوجيا، مؤكدا على أنه مبنى مهم للغاية، حيث ينفذ سياسة الحزب الحاكم المتمثلة في تحويل جميع المواطنين إلى متخصصين في العلوم والتكنولوجيا، كما يظهر فن العمارة الانسيابي في القرن الحادي والعشرين.

على مساحة تبلغ 100 ألف متر مربع، يحتوي المجمع على قاعات مختلفة، بما في ذلك قاعة العلوم الأساسية، وقاعة البحث العلمي، وقاعة أحدث التطورات التكنولوجية، وقاعة العلوم التطبيقية والتكنولوجيا.

وفقا لوسائل الإعلام الكورية الشمالية، فإن مجمع العلوم عالية التقنية عبارة عن مبنى موفر للطاقة حيث يستفيد بشكل جيد من حرارة الشمس والطاقة الحرارية الأرضية، وهو ما يظهر في سقفه المصنوع من الزجاج على شكل قبة.

"إيم دونغ او 임동우":   

 اعتمدت المباني الكورية الشمالية الحديثة، بما في ذلك مجمع العلوم والتكنولوجيا، على العديد من العناصر الصديقة للبيئة. تظهر مجلات الهندسة المعمارية الكورية الشمالية أن البلاد تستخدم حرارة الشمس والحرارية الجوفية وحتى نفايات الحيوانات التي يمكن أن تنتج الغاز الحيوي، كوقود متجدد. أعتقد أن كوريا الشمالية تسعى جاهدة، بطريقتها الخاصة، إلى استخدام أكبر قدر ممكن من الطاقة المتجددة والجديدة في المباني، بسبب النقص المزمن في الطاقة لديها. التحول إلى الطاقة الصديقة للبيئة هو في الواقع اتجاه عالمي، وتستخدم كوريا الشمالية هذا التوجه للدعاية.

 في عهد "كيم جونغ أون"، تم بناء مجمعات كبيرة متعددة ومجهزة بمساحات سكنية وجميع أنواع وسائل الراحة. فعلى سبيل المثال تم الانتهاء من شارع "تشانغ جون" الذي يتكون من مجموعة ضخمة من الشقق السكنية في السنة الأولى من حكم "كيم".

 وفي عام 2013، افتتح شارع العلماء في منطقة "ريونغ سونغ" في بيونغ يانغ، للباحثين الذين شاركوا في تطوير القمر الاصطناعي "كوانغ ميونغ سونغ". وفي عام 2014، قامت كوريا الشمالية ببناء شارع للعلماء في "بيونغ سونغ"، التي يشار إليها باسم مدينة القمر اللصطناعي، وذلك من أجل استيعاب الباحثين والعلماء المتقاعدين. وفي العام التالي، ظهر شارع علماء المستقبل المكون من ست حارات، والذي تصطف على جانبيه عمارات سكنية شاهقة تضم العلماء وعائلاتهم، كمعلم جديد في البلاد.

"إيم دونغ او 임동우":   

خلال سنوات الزعيم السابق "كيم جونغ إيل"، استخدمت كوريا الشمالية كلمات مثل "التوحيد" و"التحرير" و"تشولليما"، كأسماء للشوارع. أما في عهد "كيم جونغ أون"، فغالبا ما يتم استخدام كلمة "العلماء" لتسمية الشوارع الجديدة. هذا لا يعني بالضرورة أن الشوارع مخصصة للعلماء فقط. بدلا من ذلك، تشير الأسماء إلى سياسة الدولة المتمثلة في إعطاء معاملة تفضيلية للعلماء. شارع علماء المستقبل هو رمز مهم لعصر "كيم جونغ أون". في السابق، كانت كوريا الشمالية تطبق نفس التصميم المعماري على مبانٍ مختلفة. ففي مجمع سكني يتكون من عشرة مبانٍ، على سبيل المثال، تم استخدام تصميمين أو ثلاثة بشكل متكرر. من ناحية أخرى، فإن المباني في شارع علماء المستقبل لها تصميمات مختلفة خاصة بها. يقع الشارع على ضفة النهر، مع المباني الواقعة في منطقة وسط المدينة ووسائل النقل الجيدة. بدأ الطراز المعماري يتغير من هذا الشارع الذي يقع على النقيض من المباني السكنية القديمة في العاصمة.

في عام 2017، أكملت كوريا الشمالية شارع "ريو ميونغ "في منطقة تتركز فيها مبانٍ لتعزيز تقديس شخصيات كبار القادة. تشمل تلك المباني كلا من: برج الخلود، وقصر الشمس "كوم سو سان"، الذي توجد فيه جثتا الزعيمين الراحلين "كيم إيل سونغ" و"كيم جونغ إيل" المحنطتان.

تشيد كوريا الشمالية بشارع "ريو ميونغ" كرمز لعصر "كيم جونغ أون"، وكشارع مثالي تتكثف فيه الحضارة الاشتراكية. وعلى مساحة 900 ألف متر مربع، تم بناء 44 برجا سكنيا لإيواء 4800 أسرة، مع ارتفاع بعض المباني إلى 70 طابقا وأعلى. ويقول المحللون إنه في ظل حكم "كيم جونغ أون"، تم تشييد مبان شاهقة الارتفاع في بيونغ يانغ خلال فترة زمنية قصيرة، مما أدى إلى تغيير أفق العاصمة.

"إيم دونغ او 임동우":   

بعض المباني السكنية التي تم تشييدها خلال حقبة "كيم جونغ إيل" السابقة كانت فيها القليل من وسائل الراحة، وتضم بعض المطاعم على الأكثر. هذا يتناقض بشكل صارخ مع المباني في شارع "ريو ميونغ"، حيث تلبي المرافق التجارية احتياجات السكان المحليين الذين يرغبون في إنفاق الأموال. من الواضح أن أفق بيونغ يانغ قد تغير. المناطق المطورة حديثا في بيونغ يانغ لم تتوسع أفقيا. لم يكن لدى المدينة خيار آخر سوى بناء مبانٍ سكنية شاهقة ويبدو أن هذا الاتجاه سيستمر.

 Music 2 

أيضا بعد وصول "كيم جونغ أون" إلى السلطة، جددت كوريا الشمالية مطار بيونغ يانغ الدولي ومحطة قطارات بيونغ يانغ، في محاولة واضحة لتحسين صورتها الوطنية من خلال تحديث المداخل الرئيسية للبلاد.

شهد مطار بيونغ يانغ الدولي الواقع في منطقة "سون آن"، افتتاح مبنى جديد للركاب ومهبط للطائرات في يوليو من عام 2015. في ذلك الوقت، أزالت كوريا الشمالية صورة "كيم إيل سونغ" من سطح مبنى المطار القديم، وأقامت منحوتات أحرف عملاقة تشير إلى "بيونغ يانغ" بدلا من ذلك. كما عززت كوريا الشمالية المبنى بإضافة طابق واحد على الطابق الحالي المكون من ثلاثة طوابق. وعندما زار الرئيس الكوري الجنوبي السابق "مون جيه إين" كوريا الشمالية في عام 2018، خرج "كيم جونغ أون" من مبنى المطار، ومن خلفه ظهرت العبارة الإنغليزية "مبنى رقم 1". 

"إيم دونغ او 임동우":   

 كان الجزء الأكثر إثارة للاهتمام هو غياب صورة "كيم إيل سونغ". يعكس اختفاء الصورة من المطار، الذي يزوره الأجانب في معظم الحالات، نية كوريا الشمالية لتحديث مطارها وعولمته. قد يكون هذا تغييرا بسيطا، لكنني أعتقد أن له آثارا كبيرة. يخدم مطار بيونغ يانغ الدولي عددا قليلا فقط من شركات الطيران، وهو ليس مطارا كبيرا. ولن يكون من السهل على ذلك المطار، لبعض الوقت، أن ينمو ليصبح أحد معالم المدينة.

منذ أن تولى "كيم جونغ أون" السلطة، طورت كوريا الشمالية منتجع "ماسيك" للتزلج في مقاطعة "كانغ وان"، وبنت عددا من المرافق في العاصمة التي يمكن للمواطنين استخدامها، مثل حديقة مائية، ومضمار لركوب الخيل، ومراكز لرعاية الأطفال. ومن أجل تعزيز صناعة السياحة، دفعت الدولة لإنشاء منطقة السياحة الساحلية "وان سان كالما"، ومجمع منتجع "سام جي يون"، ومنتجع "يانغ دوك" الصحي. ومن بينها، تم افتتاح المنتجع الصحي "يانغ دوك" في يناير 2020، وتلاه الانتهاء من مجمع "سام جي يون"، لكن بناء منطقة "وان سان كالما" السياحية، التي تعتبر أحد أكبر المشروعات السياحية في البلاد، لم يكتمل بعد. واستنادا إلى صور الأقمار الاصطناعية الأخيرة، يقول موقع مراقبة كوريا الشمالية "38 نورث"، الذي يقع مقره في الولايات المتحدة، إنه لم يكتمل حتى الآن بناء حديقة مائية وملعب وفندقين وبعض المرافق داخل تلك المنطقة السياحة على الساحل الشرقي.

وبالإضافة إلى ذلك، ركز "كيم جونغ أون" على الاتجاهات العالمية في الهندسة المعمارية. ويقول المحللون إن المباني الكورية الشمالية التي كانت تبدو في السابق ثقيلة وجادة وسلطوية، صارت تتغير بطريقة تبدو أخف وزنا وأكثر بهجة.

وصفت صحيفة "رودونغ شينمون" الرسمية في كوريا الشمالية عام 2022 بأنه كان "ذروة البناء"، وأظهرت إنجازات "كيم جونغ أون" في هذا المجال. ويبدو أن الصحيفة تسعى لتسليط الضوء على "كيم" كقائد يحب شعبه ويهتم بمتطلبات حياتهم، بما في ذلك الطعام والملبس والمأوى. فتحت حكم "كيم"، شيدت كوريا الشمالية العديد من المباني السكنية الشاهقة، والتي ترسخت باعتبارها معالم جديدة في البلاد. لكن بعض المحللين يرون أن الدولة الشيوعية تتباهى بهذا الجزء بالذات من أجل تهدئة التوتر العام بشأن الصعوبات التي تواجهها داخليا وخارجيا.