prev

70 عاما عمر الاستقلال

Open the window of AODأهم المعالم والمحطات والتطورات في التاريخ الكوري عبر الأعوام السبعين

أهم المعالم والمحطات والتطورات في التاريخ الكوري عبر الأعوام السبعين

2015-12-29

قائمة

الخامس عشر من أغسطس 1945. وأخيرا تحررت كوريا من براثن الاستعمار الياباني وحصلت على استقلالها.
دام استعمار اليابان لشبه جزيرة كوريا 36 عاما وانتهى بعد أن أعلن إمبراطور اليابان استسلامه لقوات الحلفاء. بعدها تمكنت كوريا من استرداد سيادتها على أراضيها كدولة حرة مستقلة.
سبعون عاما انقضت منذ ذلك اليوم التاريخي الهام.
وعبر تلك الأعوام السبعين تمكنت كوريا من تحقيق إنجازات مذهلة قهرت خلالها الفقر والفاقة والضنك والبؤس من خلال عزيمة قوية وإرادة صلبة وجهود جبارة.
وكان يوم الخامس عشر من أغسطس من عام 1948 هو الذكرى الثالثة لاستقلال كوريا.
كانت أكثرية الشعب الكوري تأمل وتحلم بمستقبل مشرق زاه ، لكن الحلم والأمل تحطما دون رحمة تحت أقدام الغزاة في الخامس والعشرين من يونيو من عام 1950.
كان ذلك بسبب هجوم كوري شمالي مباغت عَبْر الحدود الكورية، وكان بداية لمحنة ومأساة فظيعة كانت الأبشع خلال كل التاريخ الكوري الحديث. اندلعت حرب شعواء مدمرة بين الأشقاء على مدى سنوات ثلاث سالت فيها الكثير من الدماء وفقد خلالها ملايين من الشباب ارواحهم، قبل أن يتم التوصل لاتفاق هدنة في صيف عام 1953.
تركت الحرب الكورية بلدا مدمرا مضرجا بالماء من نهر نادونغ في جنوب شبه الجزيرة الكورية وحتى نهر أبنوك في الحدود مع الصين. لكن الأكثر إيلاما من كل دمار ودماء هو أن الحرب تركت وطنا ممزقا بين دولتين متنافرتين متباغضتين دون أمل قريب مرجو في توحيدهما.
وبعد انتهاء الحرب برزت كوريا الجنوبية كجمهورية فقيرة مدقعة الفقر تلعق جراحها لا يزيد دخل الفرد فيها عن 67 دولارا في العام. كانت الصورة قاتمة وكالحة ومدعاة لليأس. لكن جمهورية كوريا قررت ألا تستسلم لليأس وشرعت حكومتها في عام 1962 في وضع خطة خمسية هادفة للتنمية الاقتصادية.
بدا العمل في بناء المصانع وشق الطرق البرية ومد خطوط السكك الحديدية بهدف ربط أجزاء البلاد المختلفة ببعضها البعض ، كما بدأ الشباب الكوري ، ذكورا وإناثا، في الهجرة إلى دول مثل المانيا للعمل كعمال مناجم وممرضات في المستشفيات.

لم تهد الأعمال الشاقة داخل المناجم بدخانها الأسود الكثيف الذي يسبب الاختناق عزيمة الشباب ، ولم توهن إرادة الشابات وهن يغسلن جث الموتى داخل ثلاجات المستشفيات. كان همهم جميعا هو جمع وتوفير المال اللازم لمساعدة أسرهم في كوريا على الحياة والبقاء والتطور.

وتكونت على المستوى القومي العريض فروع ومراكز عديدة لحركة المجتمع الجديد والتي مثلت دافعا نفسيا وحافزا معنويا للجميع من أجل ضم الصفوف والعمل معا من أجل تطوير وتنمية البلاد وإخراجها مما تعيشه من فقر وتخلّف. ونتيجة لذلك بلغ حجم صادرات كوريا الذي لم يكن يتعدى مائة مليون دولار في عام 1962 بلغ مليار دولار في عام 1971 ثم عشرة مليارات في عام 1977.

وتطور الاقتصاد الكوري الذي كانت قاعدته ترتكز على الصناعات الخفيفة بحيث صار مرتكزا ومؤسسا على الصناعات الثقيلة.

ثم شرعت كوريا في تصنيع السيارات وتصديرها للخارج.

وتحولت كوريا الدولة الفقيرة المعتمدة على المعونات والمساعدات الخارجية إلى دولة آخذة في التطور السريع والنمو المدهش الذي كان يتعدى ال10% سنويا حتى نجحت في تحقيق ما أطلق عليه العالم اسم المعجزة الاقتصادية على نهر الهان. لكن التطور الكوري الاقتصادي السريع لم يواكبه تطور سياسي مماثل أو شبيه. كانت حقبتا الستينات والسبعينات حقبا كالحة مظلمة من الناحية السياسية والديمقراطية خاصة بعد الانقلاب الذي نفذه الجنرال بارك شنغ هي في ال16 من مايو من عام 1962 وما تلاه من تعديل دستوري في أكتوبر من عام 1972 وما شاع في البلاد من قهر وقمع واشتعال لحركات منادية بالحرية والديمقراطية.

وفي السادس والعشرين من أكتوبر من عام 1979 دخلت البلاد في منعطف خطير.

تم اغتيال الرئيس بارك شنغ هي بواسطة أحد مساعديه المقربين منهيا فترة تسلط دكتاتوري استمر لمدة 16 عاما.
وكان ربيع 1980 موسما شهد تعطّشا وأشواقا كورية عظيمة للحرية والديمقراطية.

وامتلأت الساحات والشوارع بالتظاهرات الضخمة والجارفة التي قام بها طلاب جامعيون وأنصارهم من المواطنين والعمال وهم يهتفون من أجل الحرية والديمقراطية.

ووقعت المجزرة التي لم تكن في الحسبان في كوانجغو مما أشعل فتيل ثورة عارمة في كل أنحاء كوريا من أجل الحرية والديمقراطية. تمثّل ذلك التوجه في تشكيل وتسريع ظهور انتفاضة كبيرة في يونيو 1987. وأخيرا لم يكن أمام الحكومة بد سوى الإذعان للمطلب الجماهيري مما دفعها لإعلان التاسع والعشرين من يونيو والذي احتوى على وعد بقيام انتخابات رئاسية مباشرة وحرة وانتقال سلمي للحكم المدني في البلاد.

وأخيرا بدأت أنوار الديموقراطية في كوريا تضيء الطريق. وشهدت فترة الثمانينات كذلك تغييرا ملحوظا في مسار العلاقات الكورية المشتركة. كانت كوريا الشمالية عبر تاريخها قد قامت بالعديد من الأعمال الاستفزازية والتآمرية والإرهابية ضد كوريا الجنوبية ومنها محاولة اغتيال الرئيس الكوري الجنوبي نفسه والتي منيت بالفشل في القصر الرئاسي شونغ وادي في ال21 من يناير عام 1968 ، وجريمة القتل بالفؤوس في المنطقة المنزوعة السلاح عام 1976 والتي راح ضحيتها ضابطان أمريكيان، وحادثة القصف في بورما والتي أدت لمقتل عدد من كبار المسئولين الكوريين الجنوبيين، وكل ذلك مجرد أمثلة قليلة.

واختلف الأمر في عام 1984 عندما عرضت كوريا الشمالية تقديم مساعدات لضحايا الفيضانات التي اجتاحت كوريا الجنوبية وشردت عددا من مواطنيها.

كان ذلك التطور بداية لمرحلة جديدة في علاقات الكوريتين عبر أربعة عقود متتالية من الزمان إثر انقسام شبه الجزيرة الكورية. ففي العام التالي اتفقت الكوريتان على تنظيم جولة للم شمل بعض أفراد الأسر المجزأة والمشتتة بين الكوريتين وكانت تلك هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ انتهاء الحرب الكورية.

والتقى أفراد من تلك الأسر بعد سنوات طويلة من الفراق والبعاد وهم يعيشون على مرمى حجر من بعضهم البعض. كانت لقاءت مؤثرة ومحزنة سالت لها دموع الكثيرين.

وكان تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في سيول عام 1988 مناسبة وضعت كوريا تحت مركز الأضواء العالمية. وبفضل نجاح تلك الدورة من ناحية تنظيمية وإعلامية وفنية تمكنت كوريا من توصيل رسالة للعالم تشير إلى ما حققته من نجاحات وإنجازات وما صارت تتمتع به من قدرات وإمكانيات. ومع استمرار ابحار كوريا نحو مرافئ التقدم والتطور والنماء جاء العام 1997 بما لا تشتهي السفن الكورية عندما واجهت البلاد أسوأ أزمة لها منذ نهاية الحرب الكورية.

ووقفت البلاد على أعتاب الإفلاس الكامل مما اضطرها لطلب الخلاص من صندوق النقد الدولي. كان الاقتصاد الكوري على مشارف الانهيار بسبب الأزمة الاقتصادية المالية التي اجتاحت كوريا والقارة الآسيوية جمعاء ، إلا أن كوريا نجحت في استجماع أنفاسها وتصدت لمجابهة الأزمة بكل ما أوتيت من قوة وصلابة ونجحت في جعل الأزمة الخانقة فرصة لانطلاقة جديدة.
وفي يونيو من عام 2000 سلّط الكثيرون في العالم أنظارهم على شبه الجزيرة الكورية التي شهدت أول قمة كورية مشتركة في التاريخ بعد 55 عاما من العداء والمواجهة والانقسام.

وتمخضت القمة الكورية التاريخية الأولى عن بيان الخامس عشر من يونيو بين الكوريتين والذي فتح الباب أمام حوار وتعاون ولقاءات كورية مشتركة عديدة.

وكان العالم في 2002 على موعد مع مناسبة عالمية من النوع الثقيل عندما استضافت كل من كوريا الجنوبية واليابان بصورة مشتركة منافسات كأس العالم لكرة القدم والتي أبلت فيها كوريا بلاءً حسنا وقدمت عروضا كروية أدهشت العالم وأظهرت مدى ما وصلت له كوريا من تطور في مختلف الميادين.

وانتشرت الموجة الكورية "هاليو" وهو الاسم الذي أطلق على ظاهرة التطور الفني والدرامي والموسيقي الكورية بشكل لا تخطئه عين. كان ذروة ذلك التطور هو الشريط الغنائي للفنان "ساي" باسم "كانغنام ستايل" والذي انتشر في العالم كما تنتشر النار في الهشيم.

كذلك وضع الإطلاق الناجح للصاروخ الكوري الجنوبي "نارو" في العام 2013 كوريا ضمن قائمة الدول المستكشفة للفضاء مما فتح فصلا جديدا في مسيرة التطور الكوري الفضائي.

بدأ العام 2015 بداية متعثرة في كل العالم بسبب مظاهر الأزمات والركود الاقتصادي. ومما زاد الطين بلة في كوريا اندلاع وباء "ميرس" وما أثاره من خوف ووجل في كوريا.

وتصاعدت المواجهات بين الكوريتين حتى وصلت حافة اشتعال الحرب في الصيف الماضي بعد مقتل وتمزيق جندين كوريين جنوبيين بواسطة ألغام زرعها إرهابيون كوريون شماليون في المنطقة المنزوعة السلاح.

لكن من ناحية أخرى فقد تم رفع درجة التقييم السيادي العالمي لكوريا لأعلى درجة في تاريخ البلاد اعترافا بالقاعدة الصلبة التي صار يرتكز عليها الاقتصاد الكوري. وانتهى العام 2015 مع بدء سريان ثلاث اتفاقيات تجارة حرة جديدة مع كل من الصين وفيتنام ونيوزلندا مما يوسع من الخريطة الاقتصادية لكوريا في العالم والتي صارت تشمل ما يقارب 74% من الأسوق العالمية.
وتعززت وضعية كوريا فوق المسرح العالمي بشكل ملحوظ نتيجة سلسلة من القمم الدبلوماسية التي عقدتها الرئيسة الكورية مع عدد من زعماء العالم ومنهم الرئيس الأمريكي والرئيس الصيني ورئيس الوزراء الياباني التي طرحت مشروعات حلول للقضية الشائكة بين البلدين الخاصة بنساء المتعة.

كانت مسيرة جمهورية كوريا مسيرة طويلة استغرقت سبعين عاما منذ عام 1945 وزاخرة بالمآسي والنكبات والحروب والمواجهات والاضطرابات والأزمات المالية، لكن كوريا نجحت في التصدي لها جميعا بروح من العزم الصادق والمثابرة وقوة الإرادة والتصميم على خلق مستقبل أجمل وأمثل وأفضل.
كانت تلك هي الحلقة الأخيرة من برنامجكم سبعون عاما عمر الاستقلال استعرضنا فيه عبر عشرات الحلقات مراحل تطور كوريا منذ الاستقلال ومرورا بكل المحطات والتطورات والمناسبات والمعالم الهامة عبر تلك السنوات.