ⓒ Getty Images Bank

يقول البعض أنه يتعين عليك إلقاء نظرة على الأوراق النقدية لبلد ما إذا كنت تريد فهم هذا البلد بشكل أفضل. فالأوراق النقدية تحتوي على عناصر مختلفة ترمز إلى تاريخ البلاد وروحها وثقافتها وفنونها. إذن، إلى ماذا ترمز الأوراق النقدية الكورية الشمالية؟ سنتعرف اليوم على تصميمات الأوراق النقدية الكورية الشمالية مع الدكتورة "لي جي سون" من المعهد الكوري للتوحيد الوطني.

الدكتورة من المعهد الكوري للتوحيد الوطني"لي جي سون": 

عادة ما تظهر في الأوراق النقدية في كوريا الجنوبية وفي العديد من الدول الغربية، شخصياتٌ تاريخية وسياسية وثقافية. من ناحية أخرى، تعكس الأوراق النقدية الكورية الشمالية أفكارا أو قضايا مهمة تتعلق بالفترة ذاتها التي طبعت فيها. ويظهر فيها عادة صور عمال ومزارعين ومثقفين لا وجود لهم في الواقع. مؤسس كوريا الشمالية "كيم إيل سونغ" هو الشخص الحقيقي الوحيد الذي ظهر على عملة الدولة.

أجرت كوريا الشمالية تعديلات على عملاتها خمس مرات حتى الآن. في وقت الإصلاح الأول في عام 1947، كانت الأوراق النقدية من فئة 1 و5 و10 و100 وون تحمل صورة شخصين: مزارع وعامل. 

الدكتورة من المعهد الكوري للتوحيد الوطني"لي جي سون": 

تظهر تلك الأوراق النقدية مزارعا يرتدي قبعة من القش عريضة الحواف ويمسك مذراة، وعاملا يمسك بمطرقة. يمتلك الرجلان مفتولي الجسم عظام خد بارزة، وعيناهما الثاقبتان تلمعان بشكل ساطع كما لو كانا يعبران عن إرادتهما القوية. تُظهر الأوراق النقدية أن ملاك الأراضي كان لديهم قوة اقتصادية حتى فترة الاستعمار الياباني، لكن المزارعين والعمال ظهروا على أنهم التيار الرئيسي في ظل النظام الاشتراكي الجديد. تظهر هذه الرسالة أيضا في عبارة "كوريا الديمقراطية" المطبوعة على الجزء الخلفي من تلك العملات الورقية.

بدأت النساء في الظهور في العملات الورقية في كوريا الشمالية منذ التعديل الثاني للعملات في عام 1959. في البداية، تم تصويرهن على أنهن مزارعات يحصدن المحاصيل. ومع مرور الوقت، تغيرت أيضا صورة المرأة في الأوراق النقدية، بما يتماشى مع الأهداف الاجتماعية المختلفة.

الدكتورة من المعهد الكوري للتوحيد الوطني"لي جي سون": 

في عام 1959، أظهرت الورقة النقدية فئة 10 وون امرأة تحصد التفاح، وكانت الورقة النقدية فئة 50 وون تصور امرأة تحصد أرزا. تبدو النساء مبتهجات، وترتسم على وجوههن ابتسامات مشرقة في موسم حصاد وفير. وترمز صورة الشابات المفعمات بالحياة إلى الصورة المثالية للمرأة التي كان المجتمع الكوري الشمالي يتبعها في ذلك الوقت. عندما تم سن التعديل الثالث للعملة في عام 1979، ظهرت على العملة النقدية فئة 5 وون امرأة تبدو جادة وتحمل حزمة من الأرز بين ذراعيها. تؤكد صورة المرأة وهي تخطو خطوة للأمام، وتنورتها ترفرف في مهب الريح، على الحاجة إلى أن تكون أكثر نشاطا وديناميكية. إنها تظهر صورة أكثر واقعية، مقارنة بالصورة المبهجة السابقة.

حدد الدستور الاشتراكي لكوريا الشمالية، الذي تم تبنيه في ديسمبر 1972، أيديولوجية "جو تشيه 주체" أو "الاعتماد على الذات" على أنها فلسفة الحكم الرسمية للبلاد. ووفقا للزعيم الشمالي آنذاك "كيم إيل سونغ"، فإن فكرة "جو تشيه" تعني أن جماهير الشعب هم سادة الثورة. وتنعكس روح العصر هذه بشكل جيد في التعديل الثالث للعملة في عام 1979، عندما أظهرت الأوراق النقدية أشخاصا من مجموعات مختلفة، مثل طفلة تحمل باقة من الزهور، وطالب ينفخ بوقا، وفتاة ترتدي بذلة رياضية، وطالبة جامعية، حيث تشير تلك الصور إلى سعادة الجيل الجديد وآفاقه المشرقة في المستقبل. وبدءا من طبعة عام 1979 من الأوراق النقدية، ظهرت صورة الزعيم السابق "كيم إيل سونغ " على مقدمة الورقة النقدية فئة 100 وون، وهي أكبر ورقة نقدية في ذلك الوقت.

الدكتورة من المعهد الكوري للتوحيد الوطني"لي جي سون": 

نادرا ما يَرى العمال والمزارعون عملة نقدية كبيرة، وحتى لو حصلوا على واحدة بطريقة ما، فإنهم لا يضعونها في جيوبهم أو يطبقونها، لكنهم فقط يحتفظون بعناية بتلك الورقة النقدية الثمينة. أعتقد أن هذا هو سبب طباعة صورة "كيم إيل سونغ" على تلك الورقة النقدية. أظهرت طبعة عام 1979 من العملة الورقية من فئة 100 وون الزعيم السابق الذي كان يرتدي زي "ماو" التقليدي. لكن في طبعة عام 1992 من الورقة النقدية التي تبلغ قيمتها 5000 وون، فإنه يظهر وهو يرتدي بذلة غربية ورابطة عنق، على خلفية من زهرة الماغنوليا الوطنية في كوريا الشمالية، كما يظهر رسم يحاكي أشعة الشمس في تلك الورقة النقدية، ربما لأن صورته غالبا ما ترتبط بالشمس. وبعد التعديل الخامس للعملة في عام 2009، ظهرت الصورة المبتسمة للزعيم الأسبق "كيم إيل سونغ" في الورقة النقدية بقيمة 5000 وون. وقد أصدر الزعيم آنذاك "كيم جونغ إيل" تعليماته بتوزيع الأوراق النقدية التي تظهر تلك الصورة الودية للتأكيد على أن الزعيم الراحل موجود دائما مع الناس حتى بعد وفاته.

وفي عام 2014، بعد تولي الزعيم الحالي "كيم جونغ أون" السلطة، لم تعد الورقة النقدية الجديدة تُظهر صورة "كيم إيل سونغ". وبدلا من ذلك، كانت تحتوي في المقدمة على صورة "مانغ يونغ ديه"، وهو مسقط رأس الزعيم الأسبق، وصورة متحف في الخلف.

الدكتورة من المعهد الكوري للتوحيد الوطني"لي جي سون": 

يُظهر الجزء الخلفي من الورقة النقدية متحف الصداقة الدولي، الذي يعرض الهدايا المتنوعة التي تلقاها الزعيمان السابقان "كيم إيل سونغ" و"كيم جونغ إيل" من مبعوثين أجانب. الزعيم الحالي "كيم جونغ أون" يقدر كثيرا ثلاث كلمات رئيسية مهمة، وهي: العولمة والتحديث والتعلم. بالحديث عن العولمة، تأمل كوريا الشمالية في الوقوف على المسرح العالمي في أثناء أو بعد نظام "كيم جونغ أون". أيضا، ربما أرادت كوريا الشمالية أن تُظهر لشعبها أن المجتمع الدولي قد اعترف بشرعية نظام "كيم جونغ أون". يحتوي تصميم الأوراق النقدية الجديد على هذا المعنى.

بعد التعديلات التي أجريت على العملة في عام 1992، بدأت ورقة نقدية في إظهار صورة نموذج "رذرفورد" الذري، حيث تدور الإلكترونات حول النواة، مثل الكواكب التي تدور حول الشمس. وفي إصدار عام 2009 من الورقة النقدية فئة خمسة وون، يظهر عالِمٌ تتدلى ميدالية حول رقبته، وطالب يرتدي قبعة المدرسة في جامعة "كيم إيل سونغ"، وهما ينظران إلى نفس النموذج الذري.

الدكتورة من المعهد الكوري للتوحيد الوطني"لي جي سون": 

يوضح هذا النموذج الذري تركيز كوريا الشمالية على تطوير الأسلحة النووية والعلوم والتكنولوجيا بالإضافة إلى رغبتها القوية في بناء دولة قوية. كان نظام "كيم جونغ إيل" يحلم بأن يصبح قوة عسكرية من خلال التطوير النووي، كما رأينا في طبعة عام 2009 من الأوراق النقدية، وقد ورث النظام الحالي حلم سلفه. الأوراق النقدية الكورية الشمالية، في مرحلة مبكرة، تميزت بالمزارعين والعمال، وفي غضون عام 1979، أظهرت صورة الطلاب. ويظهر عالِم وطالب في عملة ورقية في عام 2009، وهو ما يعكس هدف الدولة الحاسم المتمثل في تطوير اقتصادها وبرامجها النووية من خلال العلوم والتكنولوجيا.

تستخدم الأوراق النقدية الكورية الشمالية الصور فقط، وليس الأشخاص الحقيقيين، إلا في حالة "كيم إيل سونغ"، حيث تستخدم تصميمات الأوراق النقدية كأداة دعائية.