الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

كوريا الشمالية

الزراعة في كوريا الشمالية

#تطورات شبه الجزيرة الكورية l 2022-03-16

تطورات شبه الجزيرة الكورية

ⓒ Getty Images Bank

لم يقدم الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" خطابا بمناسبة السنة الجديدة مرة أخرى هذا العام، كما فعل في العام الماضي. وبدلا من ذلك أوضحت الصحيفة الرسمية "رودونغ شينمون" ما تمت مناقشته في الجلسة العامة لحزب العمال الحاكم. وقالت الصحيفة إن الزعيم وضع "التنمية الزراعية" كجدول أعمال منفصل لاجتماع الحزب، حيث شدد على أن تعزيز الإنتاج الزراعي وتحسين البيئة الزراعية من بين المهام الأكثر إلحاحا. ومنذ ذلك الحين، ظلت وسائل الإعلام المحلية تقدم تقارير إخبارية حول قضايا الزراعة. 

الباحث "كيم يونغ هون " في المعهد الاقتصادي الريفي الكوري:

بالطبع فإن الزراعة تعتبر مهمة في كوريا الشمالية، ما دام أن البلاد يتعين عليها إطعام شعبها. تلعب الزراعة دورا مهما في تمكين الدولة من الحصول على رأس المال اللازم لمرحلة مبكرة من التنمية الاقتصادية. تشكل الصناعة أيضا أساسا يكتمل عليه الاقتصاد الاشتراكي لكوريا الشمالية. زرت كوريا الشمالية لأول مرة في عام 1998، عندما كانت فترة المسيرة الشاقة على وشك الانتهاء. في ذلك الوقت، كانت المزارع المحلية فقيرة للغاية وكانت الإنتاجية منخفضة. وقد زرت القرى الزراعية في كوريا الشمالية مرة أخرى في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما نفذت الكوريتان مشروعات للتعاون الزراعي بنشاط. ومع ذلك، لا يبدو أن البيئة الزراعية تتحسن بشكل عام. فبسبب عدم كفاية مرافق الري والتربة غير الخصبة، كان من الصعب توقع أن تنتج الدولة ما يكفي من المنتجات الزراعية.


تشترك الكوريتان في أوجه تشابه من حيث حجم الأراضي الزراعية والبيئة الطبيعية وثقافة الحياة والبيئة الزراعية. ومع ذلك، فإن هناك فجوة واسعة في الإنتاجية الزراعية بينهما، بسبب الاختلافات في أساليب الزراعة والبنية التحتية الزراعية.

الباحث "كيم يونغ هون " في المعهد الاقتصادي الريفي الكوري:

تبلغ المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية في كوريا الجنوبية 1.9 مليون هكتار، على غرار كوريا الشمالية. تشترك الكوريتان في ظروف طبيعية متشابهة بما في ذلك المناخ. يزرع كلا البلدين عادة الأرز والذرة وفول الصويا، ويزرعان خضروات متشابهة. لكن كوريا الجنوبية لديها أراضٍ مسطحة أكثر من الشمال. 55% من الحقول مخصصة لزراعة الأرز، في حين أن نسبة الـ45% الأخرى مخصصة لمحاصيل أخرى. النسبة من 30 إلى 70 في الشمال، حيث يتكون جزء كبير من مساحة الأرض من جبال ومرتفعات. تهدف كوريا الشمالية إلى الاعتماد على الذات في إنتاج الغذاء. لهذا السبب تسعى الدولة إلى تحقيق أقصى استفادة من أراضيها الزراعية، بل وزراعة محصولين في نفس الحقل في عام واحد في بعض المناطق. من ناحية أخرى، تسمح كوريا الجنوبية ببقاء العديد من مناطق الأراضي بور، لأنها تعتبر غير فعالة لزراعة المحاصيل، وتستورد المنتجات الزراعية أو المواد الغذائية من الخارج بدلا من ذلك. الإنتاجية الزراعية في كوريا الشمالية منخفضة، بما يعادل حوالي ثلثي إنتاجية كوريا الجنوبية، ويرجع ذلك أساسا إلى الافتقار إلى المرافق والمواد ذات الصلة وكذلك الغابات المُدَمَرة.


في كوريا الجنوبية، تتمحور الزراعة في الغالب حول الزراعة الأسرية والزراعة التجارية، بينما تركز الزراعة في كوريا الشمالية على الزراعة الجماعية. هذا هو الاختلاف الأكبر بين الكوريتين في الزراعة. نفذت كوريا الشمالية الإصلاح الزراعي في عام 1946، بعد عام واحد من تحرير شبه الجزيرة الكورية من الحكم الاستعماري الياباني. وقررت تطبيق نظام الزراعة الجماعية في أغسطس 1953. تمثل المزارع الجماعية في الشمال نسبة 90% من القطاع الزراعي، بينما تمثل مزارع الدولة 10%. يتم إنشاء المزرعة الجماعية من العديد من الحيازات الصغيرة التي يتم جمعها في وحدة واحدة، بحيث ينتج العديد من المزارعين المحاصيل على أساس العمل المشترك. وتشكل الزراعة الجماعية أساس الزراعة في كوريا الشمالية.

الباحث "كيم يونغ هون " في المعهد الاقتصادي الريفي الكوري:

تضمنت عملية الإصلاح الزراعي في كوريا الشمالية مصادرة الأراضي من كبار المُلّاك وإعادة توزيعها على المزارعين الفقراء وعمال المزارع. وبعد انتهاء عملية الإصلاح، بدأت كوريا الشمالية في تطبيق نظام الزراعة الجماعية. من خلال جمع أراضي المزارعين الفقراء، أنشأت كوريا الشمالية مزارع جماعية في كل وحدة إدارية. وقد بدأ المشروع في عام 1953. في غضون خمس سنوات فقط، أي بحلول عام 1958، تم إنشاء مزارع جماعية في كل أنحاء البلاد. في هذه العملية، اختفت الزراعة الأسرية، حيث انضم كل المزارعين المحليين إلى المزارع الجماعية في مناطقهم. وقد تم تأميم الأراضي الزراعية المتبقية وتحويلها إلى مزارع حكومية. تتكون المزرعة الجماعية بشكل عام من 300 إلى 500 شخص، وتغطي حوالي 500 هكتار من الأرض.


الزراعة الجماعية لا تعني فقط أن المزارعين يعملون بشكل مشترك، حيث يتم إعادة تجميع المزارع الجماعية حسب القرية ويتم امتلاكها وإدارتها بشكل مشترك على مستوى القرية. وبذلك تعمل المزرعة الجماعية كوحدة إدارية، ومجتمع حي، ومنظمة تنتج منتجات زراعية. 

الباحث "كيم يونغ هون " في المعهد الاقتصادي الريفي الكوري:

المزرعة الجماعية لديها منظمات الإنتاج والإدارة. منظمة الإنتاج لديها ثلاث إلى عشر مجموعات عمل، حيث تقوم كل مجموعة عمل بمهام محددة مثل إنتاج المحاصيل أو الخضروات. مجموعات العمل لديها مجموعات فرعية، وهي أصغر وحدة إدارية. كان لكل مجموعة فرعية حوالي 20 عضوا في أوائل التسعينيات، لكن العدد انخفض بشكل كبير حاليا. تتعامل منظمة الإدارة مع الشؤون الإدارية للمزرعة الجماعية وكذلك التخطيط والتدريب. وكمجتمع حي، يوجد في كل مزرعة جماعية مدرسة ومركز لرعاية الأطفال ومركز صحي عام ومرافق ثقافية ومتاجر.


يوجد في كوريا الشمالية لجنة زراعية تابعة لمجلس الوزراء. وتحت هذه اللجنة، توجد لجان لمحاسبة المزارع الإقليمية، ولجان لإدارة المزارع الجماعية في كل مقاطعة. تقوم لجان إدارة المزارع الجماعية على مستوى المقاطعات دورا رئيسيا في إدارة المزارع الجماعية. وتدفع المزارع الجماعية للدولة رسوما مقابل استخدام الأراضي، بينما تحدد الدولة للمزارع الحصص المستهدفة للوفاء بها.

الباحث "كيم يونغ هون " في المعهد الاقتصادي الريفي الكوري:

تزود الدولة المزارع الجماعية بما تحتاجه للزراعة، بما في ذلك الأسمدة والمبيدات والتقنيات الزراعية والبنية التحتية الأساسية. وفي المقابل، تبيع المزارع إنتاجها للدولة بأسعار حكومية مخفضة. تقوم الدولة بعد ذلك بتوزيع منتجات المزارع على الجمهور. في الماضي، كانت الحكومة المركزية تضع خطة أساسية وترسلها إلى المزارع الجماعية. وبناء على تلك الخطة، تقوم المزارع بوضع خططها الخاصة وتقديمها إلى الحكومة المركزية، والتي تنتهي بعد ذلك من مخططات الإنتاج والتوزيع. أي أن المزارع الجماعية تعمل في إطار الدولة.


حاولت كوريا الشمالية تطبيق تقنيات زراعية مختلفة على المزارع الجماعية. على سبيل المثال، تم اقتراح نهج "تشونغ سان ري" من قبل مؤسس كوريا الشمالية "كيم إيل سونغ" عندما قام بتفقد مزرعة جماعية تحمل الاسم نفسه. يدعو ذلك النهج إلى تلقي الدعم من الرؤساء من المستوى الأعلى ومساعدة المرؤوسين، وإجراء عمليات تفتيش في الموقع لمعرفة الموقف بشكل صحيح وحل المشكلات بشكل صحيح. وقد ظهرت تقنية أخرى تسمى طريقة الزراعة "جو تشيه" في أوائل السبعينيات خلال عملية التغلب على الظروف المناخية والبحث عن طريقة جديدة لزيادة الإنتاج الزراعي.

الباحث "كيم يونغ هون " في المعهد الاقتصادي الريفي الكوري:

تم إنشاء طريقة "جو تشيه 주체" الزراعية بموجب تعليمات "كيم إيل سونغ" في عام 1973. ففي أثناء زيارته للمزارع الجماعية، أثار الحاجة إلى إدخال العلم والتكنولوجيا في جميع إجراءات الزراعة، بما في ذلك إدارة التربة وأحواض البذور. ودعت تلك الطريقة إلى تنفيذ الزراعة المكثفة. لكن الطريقة القائمة على الأيديولوجية كانت لها حدود، حيث فشلت في التعامل مع تغير المناخ بشكل صحيح. وعندما ظل التعاون الزراعي بين الكوريتين نشطا في أوائل ومنتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قام العديد من العلماء والمتخصصين الزراعيين الكوريين الجنوبيين بزيارات لكوريا الشمالية من أجل فحص الوضع الزراعي هناك، حيث فوجؤوا برؤية بذور الحبوب مزروعة بالقرب من بعضها البعض. وقد اتضح لهم أن هذه الطريقة القديمة ستؤدي إلى استنفاد التربة وانخفاض الإنتاج في نهاية المطاف. تعتمد كوريا الشمالية بشكل أقل على هذه التقنية الزراعية حاليا، ولكن هذا مثال واضح على الحدود التي كشفت عنها طريقة "جو تشيه".


بعد انهيار النظام الاشتراكي عالميا في تسعينيات القرن الماضي، واجهت كوريا الشمالية أزمة خطيرة، فقد كان من الصعب عليها استيراد الأسمدة والطاقة والمعدات اللازمة للزراعة. ومما زاد الوضع سوءا، تضرر كوريا الشمالية بشدة من الكوارث الطبيعية، وبالتالي واجه القطاع الزراعي لديها أزمة، وانخفض الإنتاج الزراعي وتضررت مرافق الإنتاج. ونتيجة لذلك، تم تعليق نظام الحصص الغذائية، ومن ثم، عانى عدد كبير من مواطني كوريا الشمالية من الجوع، وبدأت الفترة المسماة بـ"المسيرة الشاقة". ومن أجل معالجة تلك الأزمة، كان على كوريا الشمالية تغيير نظام الإنتاج الزراعي.

الباحث "كيم يونغ هون " في المعهد الاقتصادي الريفي الكوري:

في عام 1966، قدمت كوريا الشمالية نظام تعاقد للمجموعة الفرعية، والذي يعطي حوافز للمزارعين الأفراد في مجموعات فرعية أصغر إذا تجاوزوا حصص الإنتاج الخاصة بهم وأنتجوا فائضا. لكن الدولة لم تقدم منفعة عينية للمزارعين، وسمحت لهم فقط ببيع فائضهم للدولة بأسعار الدولة المنخفضة. لذلك، حتى لو أنتج المزارعون فائضا، فإنهم يكسبون فقط مبلغا صغيرا من المال، وهو ما لم يكن يعتبر حافزا. وفي عام 1996، سنت كوريا الشمالية إصلاحا زراعيا عندما تعرضت للأزمة الاقتصادية والغذائية. وبموجب إجراءات ذلك الإصلاح، تمت إعادة الفائض إلى المزارعين من نفس المحاصيل التي قاموا بزراعتها. وإذا حصلوا على الأرز كحوافز، يمكنهم بيعه في السوق بأسعار عالية لتحقيق ربح. وكان الغرض من ذلك الإجراء الجديد هو تحفيز المزارعين على العمل بجدية أكبر وزيادة الإنتاجية. ومع ذلك، لا يوجد دليل على أن إنتاج الغذاء في كوريا الشمالية قد ازداد بوتيرة سريعة بعد الإصلاح. ربما لم يتم تطبيق النظام الجديد بالفعل أو أنه قد انتهى بالفشل. طبقت كوريا الشمالية إجراءات إصلاح زراعي عدة مرات، لكن لا يبدو أنها نجحت بشكل جيد.


هكذا لم يؤد إجراء الإصلاح الزراعي المبتكر في عام 1996، والمعروف بنظام إدارة المجموعة الفرعية، إلى إنتاجية أعلى. وبعد وصول "كيم جونغ أون" إلى السلطة، طبقت كوريا الشمالية سياسات مختلفة، بما في ذلك السماح للمزارع الجماعية بالتخلص بحرية من المحاصيل الزائدة بعد تحقيق هدف الإنتاج.

الباحث "كيم يونغ هون " في المعهد الاقتصادي الريفي الكوري:

ظهرت عبارة "نظام بو جون 포전" لأول مرة في كوريا الشمالية في عام 2002. تشير كلمة "بو جون" إلى حقل صغير أو قطعة أرض تزرعها الأسرة. منذ عام 2012، تم ذكر نظام "بو جون" أو نظام الإدارة الميدانية كثيرا. لقد قمنا بفحص العديد من الوثائق الكورية الشمالية ولكن لا يزال يتعين علينا توضيح كيفية عمل ذلك النظام. يقول البعض إن النظام ينص على أن كل عائلة لديها مجال خاص بها، ولها الحق في إدارته. لكننا نفترض أن المزارعين يتحملون مسؤولية أكبر عن الإنتاج في ظل النظام، بدلا من التمتع باستقلالية الإدارة. إذا سُمح للمزارعين الأفراد بإدارة حقولهم وبيع منتجاتهم بمحض إرادتهم، لكانوا قد استمتعوا تماما بالحوافز ولزادت الإنتاجية الزراعية بشكل كبير. ولكن منذ عام 2012، لم يظهر إنتاج الغذاء والإنتاج الزراعي في كوريا الشمالية أي تغيير ملحوظ. ربما لم يعمل نظام "بو جون" في القرى الزراعية في الواقع، أو ربما لم نفسر النظام منذ البداية بشكل صحيح. 

 

يبدو أن كوريا الشمالية حاولت العديد من إجراءات الإصلاح لتعزيز الإنتاجية الزراعية ولكن لم يتم إحراز تقدم ملموس. وخلال الجلسة العامة للحزب الحاكم في ديسمبر من العام الماضي، قدمت كوريا الشمالية أهدافا جديدة في الزراعة وتعهدت بحل مشكلة الغذاء بالكامل في غضون عشر سنوات، وهو ما يشير إلى مدى خطورة نقص الغذاء لديها. وفي الحلقة القادمة، سنتعرف أكثر على مشكلة الغذاء في كوريا الشمالية. 

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;