الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

كوريا الشمالية

الشقق في كوريا الشمالية

#تطورات شبه الجزيرة الكورية l 2022-10-26

تطورات شبه الجزيرة الكورية

ⓒ YONHAP News

في فبراير من هذا العام، شرعت كوريا الشمالية في بناء عشرة آلاف منزل في منطقة "هوا سونغ" في العاصمة بيونغ يانغ. وكانت كوريا الشمالية قد أعلنت، خلال المؤتمر الثامن لحزب العمال الحاكم في يناير الماضي، عن خطة لبناء إجمالي 50 ألف منزل في العاصمة بحلول عام 2025، أي بمتوسط عشرة آلاف وحدة كل عام. وتماما كما هو الحال في كوريا الجنوبية، يُقال إن الشقق هي أكثر أنواع المساكن شيوعا في كوريا الشمالية. 

البروفسور "جون يونغ صُن 전영선" الأستاذ في معهد العلوم الإنسانية والتوحيد في جامعة "كون غوك":

في كوريا الشمالية، الشقة تعني الحياة الحضرية. في السياق الضيق، فإنها ترمز إلى الحياة في بيونغ يانغ. أما في كوريا الجنوبية، تتم تسمية الشقق باسم ماركات الشقق السكنية الخاصة بشركات البناء. في المقابل، تُظهر العديد من أسماء الشقق في الشمال أماكن وجودها، مثل شارع "تشانغ جون" أو أحياء "سونغ هوا" و"سونغ سين". كما تُظهر بعض أسماء الشقق هوية مَن يعيشون هناك، مثل "شقق أعضاء هيئة التدريس في جامعة كيم إيل سونغ" في بيونغ يانغ. في الوقت نفسه، تشير الشقق المتدرجة على طول النهر إلى نوع معين من المساكن. 

في كوريا الشمالية، يرمز المنزل إلى الطبقة التي ينتمي إليها سكانه. تصنف المنازل الكورية الشمالية بخمس درجات مختلفة، هي: الدرجة الخاصة، والرابعة، والثالثة، والثانية، والأولى. يتم حجز المنازل ذات الدرجة الخاصة للمسؤولين رفيعي المستوى، بينما يتم تزويد العمال العموميين بمنازل من الدرجة الأولى. أي أنه كلما انخفض الرقم أو الدرجة، انخفضت الطبقة الاجتماعية. وفي الشمال، للشقق تداعيات سياسية، حيث يتم بناؤها وتوفيرها من قبل الدولة، وقد أصبحت تلك الأهمية السياسية أكثر وضوحا في ظل حكم الزعيم الحالي "كيم جونغ أون". 

"جون يونغ صُن 전영선":  

تركز كوريا الشمالية بشكل كبير على العلم، حيث تعتقد أن العلم يمكن أن يوفر اختراقا في إنعاش اقتصادها الراكد. لذلك تم تعزيز السياسات المتعلقة بالعلوم والتعليم منذ تولي "كيم جونغ أون" السلطة، كما رأينا في الشقق المخصصة لأعضاء هيئة التدريس في جامعة كيم إيل سونغ، وشقق المعلمين في جامعة "كيم تشيك" للتكنولوجيا، وشارع العلماء. هذه الوحدات السكنية والشوارع تظهر سياسة نظام "كيم جونغ أون" ورؤيته بطريقة سهلة وواضحة. وقد سُمح لمقدِمة الأخبار الشهيرة "ري تشون هي" وكبار الصحفيين بمن في ذلك رئيس تحرير صحيفة رودونغ شينمون رسميا بالعيش في الشقق ذات المدرجات على ضفة نهر "بوتونغ". الشقق الخاصة والفاخرة موضع حسد من جميع الكوريين الشماليين. تتميز المنطقة السكنية الواقعة على ضفاف النهر بمسحة سياسية قوية لأنها تُظهر للناس أنه يمكنهم العيش هناك إذا أظهروا الولاء للدولة. 

بدأت كوريا الشمالية في بناء المباني السكنية بشكل جدي بعد انتهاء الحرب الكورية. فخلال الحرب، تم تدمير المدن الرئيسية بما في ذلك بيونغ يانغ، وفقد الكثير من الناس منازلهم. ركز مؤسس كوريا الشمالية "كيم إيل سونغ" على إعادة بناء المدن واهتم بالعرض الهائل من المساكن. وبدءا من شقق العمال التي شيدت في عام 1954، بدأت كوريا الشمالية في بناء العديد من الشقق. في المرحلة المبكرة، تساءلت الدولة عن كيفية مواءمة المباني ذات الطراز الغربي مع ثقافة الإسكان التقليدية الكورية.

"جون يونغ صُن 전영선":  

ساعدت الدول الاشتراكية في أوربا الشرقية مشروع إعادة التأهيل في بيونغ يانغ. متأثرة بنظام التدفئة الأوربي، تم تجهيز الشقق الجديدة في بيونغ يانغ بمشعات حرارية، وليس نظام التدفئة الأرضي التقليدي "أون دُول". كان الناس يرتدون أحذية في الداخل لأن الأرضية كانت باردة. لم يكن الكوريون الشماليون على دراية بهذه الممارسة. نتيجة لذلك، أثار "كيم" الحاجة إلى تركيب نظام "أون دول" في الشقق. في المرحلة الأولية، استخدم النظام قنوات تحت الأرض متصلة مباشرة بمواقد الطهي في المطابخ. وفي وقت لاحق، تم تدفئة المنازل بواسطة أنابيب الماء الساخن التي كانت تمر تحت الأرض. فنظرا لثقافة الطعام التقليدية في كوريا، احتاج السكان المحليون إلى مساحة تخزين كبيرة للأطباق والأوعية بأحجام مختلفة. أخذت كوريا الشمالية هذه المشاكل في الاعتبار عند صياغة سياساتها لبناء المساكن. 

في إعادة الإعمار بعد الحرب، وجدت كوريا الشمالية أنه من المهم بناء العديد من المنازل في فترة زمنية قصيرة. ولبناء المنازل بسرعة، استخدمت طريقة التصنيع المسبق.

سلطت وسائل الإعلام الكورية الشمالية الضوء على ما يسمى بـ"سرعة بيونغ يانغ"، مدعية أن بإمكان البلاد بناء منزل في 14 دقيقة فقط.

"جون يونغ صُن 전영선":  

احتاجت كوريا الشمالية إلى بناء منازل بوتيرة سريعة لاستيعاب العديد من الناس، لذلك كانت "السرعة" مهمة. في بناء المساكن، تستغرق معالجة الخرسانة وقتا. ولكن إذا تم إنتاج مكونات البناء مثل الجدران والأرضيات في المصانع ثم تم تجميعها في مواقع البناء، فيمكن تقصير فترة البناء بشكل كبير ويمكن توفير منازل جديدة للناس على الفور. لهذا السبب استخدمت كوريا الشمالية هذه الطريقة، حيث ترفع الرافعات وتضع الأجزاء الجاهزة. تدعي كوريا الشمالية أنه يمكنها بناء منزل في 14 دقيقة بهذه الطريقة، لكن في الواقع تستغرق وقتا أطول من ذلك بكثير. ومع ذلك، تستخدم كوريا الشمالية تعبير "سرعة بيونغ يانغ" باعتباره إنجازا مثاليا في البناء. 

بدأت كوريا الشمالية في تجهيز "كيم جونغ إيل" ليخلف لوالده "كيم إيل سونغ" في السبعينيات، عندما شوهدت بعض التغييرات الرئيسية في الشقق المحلية. وأشادت وسائل الإعلام الكورية الشمالية بفترة السبعينيات باعتبارها "حقبة عظيمة من الازدهار".

عندما يتعلق الأمر ببناء الشقق، ركزت كوريا الشمالية على "السرعة" حتى السبعينيات. وعلاوة على السرعة، بدأت في التأكيد على الارتفاع والحجم في الثمانينيات، مما أدى إلى تشييد مبان سكنية شاهقة بشكل مذهل. شارع "تشانغ كوانغ" هو مثال جيد على ذلك. فقد تم الانتهاء من القسم الأول من الشارع في عام 1980 والقسم الثاني في عام 1985. ويحتوي الشارع على مجمع سكني تجاري مكون من 30 إلى 40 طابقا، ويضم محلات تجارية في الطابقين الأول والثاني.

"جون يونغ صُن 전영선":  

تم تشييد الشارع في منطقة كانت تسمى سابقا شارع "ريون هوان سون"، حيث توجد مبانٍ سكنية منخفضة الارتفاع من طابقين إلى ثلاثة طوابق. لكن المنطقة أعيد تطويرها لتستوعب 17 ألف أسرة. في الثمانينيات، أصبحت المباني السكنية في كوريا الشمالية أعلى ارتفاعا لتشييد المزيد من المنازل. وكان بناء المساكن في شارع "تشانغ كوانغ" هو نقطة البداية. 

يبدو أن الشقق في شارع "تشانغ كوانغ" قد تغيرت كثيرا عن الشقق القديمة، لكن الهياكل الجديدة لم تكن مختلفة كثيرا عن المباني القديمة، من حيث ترتيب المباني على خطوط مستقيمة. وقد تم تطبيق النظرية المعمارية لـ"كيم جونغ إيل" بالكامل في شارع "كوانغ بوك" في جنوب غرب بيونغ يانغ. وتم بناء الشقق هناك بغرض استيعاب الرياضيين المشاركين في المهرجان العالمي للشباب في عام 1989. وكانت التصميمات الخارجية للمباني مختلفة تماما عن تلك الموجودة في الشقق القديمة.

"جون يونغ صُن 전영선":  

تم إنشاء العديد من المرافق الرياضية والسكنية في المنطقة من أجل المهرجان العالمي الثالث عشر للشباب والطلاب. أظهرت كوريا الجنوبية تطورها الاقتصادي الملحوظ من خلال أولمبياد سيول في عام 1988. ومع أخذ ذلك في الحسبان على ما يبدو، نفذت كوريا الشمالية مشروع بناء شقق على نطاق واسع في شارع "كوانغ بوك"، الذي كان في السابق سهلا بريا، وذلك لإثبات مدى تقدم بيونغ يانغ. تتميز المباني الجديدة هناك بتصميم متطور، مثل الأبراج الأسطوانية والكتل المنحنية، كما تختلف طوابق البناء، من مبنى مكون من ثمانية طوابق إلى 42 طابقا. كان مشروع البناء مختلفا تماما عن المشروعات السابقة، حيث كان الغرض الواضح من الشقق الجديدة إظهار القوة العظمى لكوريا الشمالية الاشتراكية للعالم بأسره. 

واجهت الشقق في كوريا الشمالية نقطة تحول رئيسية أخرى في عام 2012، عندما وصل الزعيم الحالي "كيم جونغ أون" إلى السلطة. تم الانتهاء من بناء شارع "تشانغ جون" في يونيو 2012. يحتوي ذلك الشارع على عدد من مباني الشقق الشاهقة. وتم بناء شارع العلماء والشقق المخصصة لأعضاء هيئة التدريس بجامعة كيم إيل سونغ في عام 2013. وتم بناء المزيد من الشوارع والوحدات السكنية الجديدة بعد ذلك، حيث قامت كوريا الشمالية ببناء شقق جديدة في أحياء جديدة كل عام تقريبا منذ وصول "كيم جونغ أون" إلى السلطة. ومن ثم، صارت الشقق رمزا سياسيا لعصر "كيم جونغ أون ".

"جون يونغ صُن 전영선":  

أكد كبار قادة كوريا الشمالية، جيلا بعد جيل، على "الحرب ضد الإمبريالية" كسياسة خارجية لهم. أنشأ مؤسس النظام "كيم إيل سونغ" الاشتراكية وسط معركته ضد الإمبراطورية اليابانية، بينما دافع ابنه "كيم جونغ إيل" عن الاشتراكية من خلال سياسة الجيش أولا. ويواصل الزعيم الحالي "كيم جونغ أون" بناء الشقق ليُظهر للإمبريالية الأمريكية أن بلاده تبني مدينة اشتراكية مثالية. بعبارة أخرى، تريد كوريا الشمالية إخبار العالم الخارجي بأنها تبني دولة اشتراكية عظيمة حيث يمكن للناس أن يعيشوا بشكل مريح، بغض النظر عن العقوبات الدولية. وعلى الصعيد المحلي، تسعى لإنعاش الاقتصاد من خلال مشروعات البناء.

تحت حكم "كيم جونغ أون"، ظهر العديد من ناطحات السحاب في بيونغ يانغ، التي صارت تسمى "بيونغ هاتن"، في إشارة إلى التشابه مع حي "مانهاتن" في نيويورك. وقد تم بناء برج سكني من 80 طابقا في منطقة "سونغ هوا" في أبريل من هذا العام. وداخل مصعد المبنى، قال أحد المراسلين إن كرامة مواطني كوريا الشمالية ارتفعت بارتفاع ذلك المبنى.

لكنّ مواطني كوريا الشمالية لا يفضلون حقا الإقامة في مبانٍ شاهقة بسبب النقص المزمن في الطاقة هناك. ووفقا لمنشق كوري شمالي كان يعيش في بيونغ يانغ، من غير الملائم العيش في شقق شاهقة حيث لا تتوفر الكهرباء إلا في أوقات محددة، حتى في بيونغ يانغ.

"جون يونغ صُن 전영선":  

تعاني كوريا الشمالية من نقص في الكهرباء طوال الوقت. تتطلب الشقق الجديدة المزيد من مصادر الطاقة. تولد الدولة الطاقة الحرارية على مدار السنة وتستخدم أيضا الطاقة الشمسية لتكملة توليد الطاقة الكهرومائية التي تتناقص في الشتاء. ومع ذلك، لا تكفي الكهرباء لتشغيل جميع الشقق. إن توفير الكهرباء للمنازل أهم من بناء الشقق. يتعين على سكان الشقق الشاهقة صعود السلالم إذا فاتهم الوقت وكانت المصاعد لا تعمل. ولذلك يفضل الناس الطوابق السفلية من المباني السكنية. 

في كوريا الشمالية، الشقة هي مكان للمعيشة، ورمز للوضع الاجتماعي، ومكافأة على الولاء. وينبغي علينا أن ننتظر لنرى كيف ستؤثر سياسات الدولة الشيوعية في بناء الشقق على حياة مواطنيها في المستقبل. 

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;