تشهد كوريا الجنوبية ميلاد حكومتها رقم 18 مع تنصيب الرئيسة المنتخبة والجديدة بارك كون هيه اليوم. كانت الرئيسة بارك فد حققت فوزا مستحقا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحققت أغلبية كبيرة لم تتحقق لغيرها منذ بدء نظام الانتخابات الرئاسية المباشرة في عام 1987. وكانت بارك قد تعهدت بعد إعلان فوزها بتحقيق الوفاق والوئام والسعادة لكل أفراد الشعب الكوري الجنوبي خلال عهدها الذي سوف يستمر للسنوات الخمس القادمة.

جاءت ذلك التعهد في وقت أعادت فيه الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى الأذهان كل الخلافات القديمة القائمة سواء تلك التي بين الأجيال أو المواجهة العقائدية والفكرية أو التعصب الإقليمي أو التفاوت الطبقي والتمييز الاجتماعي. لكن هل يا ترى ستكون الرئيسة بارك على تحقيق بعض من وعودها وتعهداتها مع كل هذه الخلافات التي أشرنا إليها؟

ما يميز الرئيسة المنتخبة بارك أن انتخابها جاء بأغلبية ساحقة وبتأييد شعبي واضح. يعني هذا أن الرئيسة تتمتع بشرعية وتأييد واضح من الشارع بمختلف أطيافه لتنفيذ تعهداتها بالإصلاح. هناك حقيقة جديدة وهي أنها المرأة الأولى في تاريخ كوريا التي تتولى رئاسة البلاد وهذا تطور نوعي جديد يحدث لأول مرة في التاريخ الكوري القديم والحديث.من هذا المنطلق وبهذا المنطق فرئاستها قد تعني بدء عهد جديد للمرأة الكورية التي كانت دوما في كوريا تعاني من نوع من التمييز النوعي من المجتمع الكوري الذكوري. لهذا فإن توقعات الكثيرين من الرئيسة وإدارتها الجديدة كبيرة ومرتفعة السقف. يعني هذا أيضا إن المسئولية ستكون ضخمة إذا قٌدّر لها أن تكون بحجم التحديات والتوقعات.



التباين الإقليمي ليس هو المشكلة الوحيدة التي تعوق تحقق الانسجام الوطني في البلاد. الفجوة بين الأجيال والتمايز الطبقي هما مشكلتان مؤثرتان تهددان النسيج الاجتماعي. الرئيسة بارك ظلت تركز خلال المراحل المختلفة لحملتها الانتخابية الرئاسية على ضرورة تحقيق الوحدة والوفاق الوطني.
الوفاء بتعهداتها سيكون هو التحدي الأول والأكبر الذي يواجه الرئيسة بارك بجانب التحرير الاقتصادي وإشاعة الديمقراطية والعدالة الاقتصادية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتوسيع نظام الرعاية الاجتماعية. برنامجها المنادي بتحقيق الرعاية الاجتماعية كان ملفتا للنظر ومثيرا لحماس الكثيرين حيث كان برنامجا جريئا مرتبا وواعدا بشكل عملي وقادر على تغيير نمط حياة الكثيرين من كل فئات المجتمع إذا ما طبق بالشكل الصحيح.

وخبراء ومحللون كثر متحمسون ومؤيدون للوعود والتعهدات التي طرحتها الرئيسة بارك خاصة في مجال العمل والعمالة والعدالة الاجتماعية حتى لو كانوا يختلفون مع رؤية الرئيسة المنتخبة.

جيل الطفرة هم الأشخاص التي حققت كوريا على أكتافهم معجزتها الاقتصادية فوق نهر الهان. أغلبهم ممن ولد بعد الحرب الكورية ومن مواليد الفترة من منتصف خمسينات إلى منتصف ستينات القرن الماضي ممن أحيلوا للتقاعد من أعمالهم السابقة هذه الأيام. كثيرون منهم ما زالوا مسئولين عن إعاشة آبائهم وأمهاتهم وما زال للكثيرين منهم أبناء وبنات في الجامعات في الداخل والخارج أو من الشباب العاطل عن العمل ولهذا فهم بحاجة ماسة للمال والعمل.



وتبقى الحقيقة في أن تسيير أعمال صغيرة ومتوسطة هو أمل الكثيرين حيث أن هذه الأعمال تمثل الآن 99% من مجموع الشركات التجارية في كوريا وتمثل مصدر عمالة ل88% من الكوريين.

والرئيسة المنتخبة بارك كون هيه كانت قد وعدت خلال حملتها الانتخابية بمساندة ودعم الشركات المتوسطة والصغيرة التي هي مصدر العمالة الأكبر للشعب الكوري. هذه الشركات بحاجة للمساعدة لتحقيق الاستقرار المالي وبالتالي فرص العمل. الاقتصاد الكوري بحاجة ماسة لهذه الشركات لفك الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتمثلة في زيادة معدلات البطالة.

والرئيسة بارك وعدت بالتعامل الجاد مع مشاكل الشركات الصغيرة والمتوسطة من حيث الاحتياجات المالية والبشرية والبحوث وبرامج التطوير والتسويق والتصدير وكل ما هي بحاجة له.



وقبل أيام قليلة من موعد تنصيب الرئيسة بارك أعلن فريقها الانتقالي عن 140 مهمة ينبغي القيام بها خلال الأعوام الخمسة القادمة. تمثل هذه المهام جوهر فلسفة الرئيسة بارك في الحكم. كررت الرئيسة بارك أكثر من مرة عزمها على تنفيذ كل ما أطلقت من وعود وعهود من أجل مجتمع أفضل ودولة أعظم.

ومع الاحتفال بتنصيب إدارة جديدة ورئيسة تقود البلاد نحو بر الأمان دعونا نأمل أن تتكاتف جهود كل الكوريين من أجل تحقيق كل ما يساعدنا على أن نحيا حياة هادئة هانئة مزهرة مزدهرة تحت قيادة رئيستنا الجديدة بارك كون هيه.