الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

رجلان في حالة حداد

2018-08-24

ⓒ Getty Images Bank

كان الملوك في كوريا قديمًا كثيرًا ما يرسلون رجالهم المقربين إلى القرى والمدن ليندسوا بين الرعية متخفين، فيستطلعون أحوالهم، ويتعقبون أي بادرة لانقلاب أو تمرد هنا أو هناك، ويراقبون الحكام المحليين والمسؤولين الحكوميين وأحوالهم، وما إذا كانوا يقيمون أعمالهم بالعدل والرفق بالناس أم أن الكبر والفساد قد طغى عليهم. وفي أحد الأيام، كان أحد رجال الملك المخلصين المتخفين هؤلاء يسير بين القرى، فتعبت رجلاه من كثرة السير فجلس يستريح بجوار بركة ماء. وبينما هو جالس، رأى شخصًا يقترب من بعيد. كان يرتدي ملابس من الخيش وقبعة عريضة الحواف من الخيزران، وهي الملابس التي كان الناس يلبسونها في فترة الحداد. خمن الرجل أن الآتي فقد أحد أفراد أسرته قريبًا على الأرجح.

وصل الرجل إلى البركة، فجلس، وخلع قبعته وقلبها رأسًا على عقب، ثم راح يغمرها بالماء ليصطاد السمك. اتسعت عينا المحقق المتخفي في دهشة عارمة. فقد كان ارتداء القبعة المصنوعة من الخيزران يدل على موت أحد الوالدين، وأن مرتدي القبعة يخجل من النظر إلى السماء بعد فقدان والديه فيغطي رأسه وناظريه بهذه القبعة المتسعة الحواف. لكن الرجل، بكل جرأة، لم يكتفِ بأن خلع القبعة التي كان من المفترض أن تغطي وجهه طوال فترة الحداد كما تقتضي التقاليد، بل إنه راح يصيد بها الأسماك! اجتاح المحقق غضبٌ شديد من الرجل، وظن أنه رجل خبيث غير بار بوالديه ولا بد، وقرر أن يتبعه ليعرف ما يخفي وراءه، وتبعه حتى رآه يدخل بيتًا متهالكًا.

انتظر المحقق لحظات، ثم قرع الباب، وحين فتح صاحب البيت الباب قال له "المعذرة، أنا غريب عن المنطقة، وكنت أتساءل… هل تسمح لي بالمبيت هنا الليلة؟" وافق صاحب البيت على مساعدة الغريب، وأدخله البيت ودله على غرفة خاوية. ثم التفت صاحب البيت إلى والدته المسنة وانهمك في إطعامها، وعلى البعد، رأى المحقق ما كان يُطعمها إياه، كان يطعمها طبقًا من الأرز مع السمك. ورأى المحقق الرجل وهو ينزع الشوك من السمك بكل حرص، ويطعم أمه اللحم الطري الذي أعده بنفسه دون أن يأكل هو شيئًا. تأثر المحقق لمرأى الرجل البار، وقال لنفسه "ياله من رجل بار، لقد أسأت الظن بذلك المسكين".

في اليوم التالي، لم يستطع المحقق أن يكتم فضوله أكثر من ذلك، فسأل الرجل "أخبرني، لماذا اصطدت السمك بقبعتك أمس؟" اندهش الرجل عندما سمع سؤال المحقق وأطرق رأسه في خجل وهو يقول "أوه! لقد رأيت ذلك! ياللإحراج. أشعر بالخجل الشديد مما فعلت، فهو أمر خاطئ ولا شك. ولكن والدتي المسكينة كانت تشتهي أكل السمك، وكان علي الحصول على السمك بأي طريقة ممكنة. أومأ المحقق رأسه في تفهم وأشفق على الرجل المسكين. وعندما أنهى مهمته وعاد إلى القصر، قص خبره على الملك الذي تأثر بدوره بقصة الابن البار وقرر أن يكافئه مكافأة مجزية. وسرعان ما انتشرت قصة محقق الملك والرجل البار في جميع أنحاء البلاد انتشار النار في الهشيم.

عاد المحقق إلى عمله مرة أخرى، ولدهشته، وجد رجلًا آخر يرتدي ملابس الحداد يصيد السمك بقبعة الخيزران عند إحدى البحيرات. ومثل المرة السابقة، تبعه حتى وجده يدخل قصرًا منيفًا، وعندما طرق المحقق باب القصر وطلب أن يبيت الليلة في المنزل لأنه غريب، قبل الرجل فورًا وكأنه كان ينتظر ذلك. وعندما دخل المحقق المنزل، وجد الرجل يقدم لوالدته المسنة الأرز وحساء السمك، اندهشت الأم كثيرًا وقالت في تعجب "لكن يا بني! ما هذا؟ سمك؟؟ منذ متى لم أر سمكًا على مائدتنا! على أي حال، شكرًا لك. لكن.. ما المناسبة؟"

وهنا، فهم المحقق ما يجري على الفور، لقد سمع الرجل قصة مكافأة الملك للابن البار الذي كان في حالة حداد فأراد أن يتلقى مكافأة مثله. نام المحقق ليلته في منزل الرجل، وفي اليوم التالي، سلمه إلى شرطة القرية.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;