الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

النمر الوفيّ

2018-09-14

ⓒ Getty Images Bank

كان يا ما كان، في قديم الزمان، عاش حطاب مع والدته المسنة في قرية نائية. وفي يوم من الأيام، بينما كان يقطع بعض الحطب، سمع صوتا غريبا. كان صوتا عاليا وغريبا يئن من الألم. وما أن اكتشف صاحبنا مصدر الصوت حتى سقط على ظهره من هول المفاجأة. فقد كان ما شاهده هو نمر ضخم مفترس. وأول ما خطر على بال الحطاب هو أنه يجب أن يهرب بأقصى سرعة، ومن ثم قام من فوره وكاد يعود أدراجه ركضا، ولكن قبيل أن يولي ذلك الكائنَ المخيف  ظهره- التقت عيناه بعيني النمر اللتين كانتا تقطران حزنا وألما. تجمد الحطاب للحظة مرتبكا مترددا. فدمعت عينا النمر وفتح فاه عن آخره. في ظروف أخرى، كان هذا سيصيب الحطاب بالرعب، لكن الموقف أنساه كل حوف وحذر، وجعله يقترب بسرعة من الحيوان المسكين ويتفحص فمه الذي كان ينزف بغزارة. وعندما نظر، وجد شيئا أبيض مغروسا في حلق النمر، وقدر أنها عظمة حيوان ما. كان النمر يئن من الألم، فرق له قلب الحطاب، واقترب أكثر في حذر، واستجمع شجاعته ليمد يده في فك الوحش المهيب وينتزع منه العظمة التي جرحته وآلمته. بدت الراحة فورا على النمر الذي أخذ يتطلع في وجه الرجل الطيب. لكن هذا أثار رعب الحطاب المسكين، فاستدار وراح يعدو هاربا بكل ما أوتي من قوة.

ومنذ ذلك اليوم، بدأت حوادث غريبة تقع لذلك الحطاب، ففي كل يوم يخرج من داره لقطع الحطب، يجد كومة ضخمة من الحطب مكومة أمام باب بيته. وفي يوم من الأيام، رأى الحطاب نمرا يدخل الباحة الأمامية لمنزله وهو يجر كومة من الحطب ويضعها أمام المنزل. ثم رفع النمر رأسه فالتقت عيناهما لوهلة، والتفت بعدها النمر وعاد أدراجه. كان ذلك هو نفس النمر الذي ساعده الحطاب قبل عدة أيام، حيث ظل يحافظ على هذه العادة اليومية، وكانت أكوام الحطب التي يجلبها للرجل كل يوم كفيلة بتحسين معيشته كثيرا.

وفي يوم من الأيام، حدثت الأم العجوز ولدها عن مخاوفها قائلة: "يا ولدي، أراك قد صرت شابا قويا، لكنك وحيد بلا زوجة ترعاك ولا ولد يدعمك، وكم أتمنى أن أراك وقد كونت أسرة جميلة تكون لك سندا في الحياة". وفي اليوم التالي مباشرة، صعق بطلنا حين خرج من منزله ووجد فتاة بارعة الحسن فاقدة للوعي أمام الباب! تعاون الشاب والأم على إدخال الشابة للمنزل ورعايتها إلى أن استعادت وعيها، واتضح لهما أنها ابنة أحد الأثرياء في القرية المجاورة. وقصت الشابة عليهما ما حدث قائلة: "كنت في حديقة منزلي حين رأيت نمرا ضخما يظهر أمامي فجأة، كان ذلك فظيعا، ففقدت وعيي من شدة الرعب، وعندما استيقظت، وجدت نفسي هنا". فهم الحطاب أن النمر الوفي قد سمع حديث والدته في الليلة السابقة. واصطحب الحطاب تلك الشابة الحسناء إلى منزلها حيث كان جميع أفراد أسرتها ينتظرونها في قلق شديد. وكانت فرحتهم بعودتها حية سالمة لا توصف بعد أن ظنوا بمصيرها الظنون حين رأوا النمر الضخم يختطفها، وعجبوا عجبا أشد من قصة الحطاب والنمر. وقال والدها تعقيبا على القصة "يالك من شاب شجاع! وياله من صديق قوي ووفي! يبدو أن القدر أراد لك أن تتزوج ابنتي، ويسعدني أن أبارك هذا الزواج!" وهكذا، تحققت أمنية الأم العجوز.

ومرت سنوات، والأسرة الشابة في أتم سعادة، والنمر الوفي لا يزال على وفائه. إلى أن انتشرت شائعات في البلدة تفيد بأن نمرا ضخما قد شوهد يتجول في البلدة أكثر من مرة، وأنه يشكل تهديدا على حياة السكان. وأمر الحاكم بمكافأة ضخمة لمن يصيد ذلك النمر أو يقتله. وفي ليلة من الليالي، زار النمر الحطاب، وسر الحطاب لرؤية صديقه النمر في ذلك الموعد غير المتوقع، غير أنه لمح حزنا في عينيه، وقال له النمر "لا بد أنك قد سمعت عن الشائعات الأخيرة. أريد أن أرد جميلك مرة أخيرة. تعال إلى ساحة البلدة غدا واضربني بسهامك، وعندها سيمنحك الحاكم مكافأة ضخمة"، فقال الحطاب في جزع "ماذا تقول يا صديقي؟ كيف لي أن أفعل هذا؟ لا، لا أستطيع. اهرب ولا تأتِ إلى هنا مجددا، فلا بد أن الصيادين في كل مكان يأتمرون لقتلك". ابتسم النمر ابتسامة حزينة وقال "نعم، هم كذلك. لكنني لست حزينا، فأنا عجوز ومريض، وقد اقتربت ساعتي على أي حال، ولن يرضيني أن ألقى حتفي على يد أي شخص سواك، أريد أن أشاركك لحظاتي الأخيرة وأن أرد لك جميلك لآخر مرة. أرجوك، حقق لي هذه الأمنية". دمعت عينا الحطاب وقال باكيا "لماذا؟ لماذا تفعل كل هذا من أجلي؟ كل ما فعلته هو أن انتزعت عظمة صغيرة من حلقك..." فرد النمر وقد اغرورقت عيناه بالدموع أيضا "نعم، وكان هذا هو كل ما أحتاج إليه وقتها. أشكرك، أشكرك شكرا جزيلا".

وبعد وفاة النمر، دفنه الحطاب في بقعة مشمسة، وكتب على قبره: هنا يرقد النمر الوفي!

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;