الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

دموع لص

2018-10-05

ⓒ Getty Images Bank

كان يا ما كان، في قديم الزمان، عاش عالم شاب في قرية نائية. رغم أنه كان فقير للغاية، كان أمينًا صادقًا مستقيمًا. وفي يوم من الأيام، اقتحم لص بيت العالم، وراح يتجول في البيت في خفوت وصمت كالأفعى لئلا يوقظ أهل البيت النائمين. في البداية، فحص الغرفة التي كان ينام فيها العالم وزوجته، وأصابه الإحباط لأنه لم يجد أي شيء يستحق السرقة. وفي الواقع، لم يكن البيت القديم المتهالك يحتوي إلا على أشياء قليلة جدا على أي حال، ولم يحتاج اللص إلى وقت طويل كي يُدرك أنه قد دخل بيتًا غير مناسب. لكنه كره أن يغادر قبل أن يتناول أي شيء على الأقل، إذ كان يشعر بالجوع، فاتجه من فوره إلى المطبخ كي يحقق هذه الغاية. لكن الإحباط الشديد كان حليفه هذه المرة أيضًا، فلم يكن هناك أي شيء يؤكل في المطبخ القديم، فلم يجد صاحبنا سوى وعاء صدئًا، وبعض الأطباق القديمة المتهالكة.

لكن الإحباط لم يكن وحده المسيطر على مشاعر اللص، فقد كان مصدومًا أيضًا. ألجمته الدهشة حين اكتشف أنه هناك من يعيشون حياة أكثر فقرًا وحاجة من حياته هو، هو الذي ظنّ أنه أكثر الناس فقرًا وعوزًا. وكان هذا الشعور يتزايد كلما دار بعينيه في المنزل البائس، حتى شعر بالشفقة تجاه تلك الأسرة المسكينة، فأخرج خمسة قطع نقود معدنية كان قد سرقها من منزل آخر، ووضعها في الوعاء الصدئ، ورحل.

في الصباح، دهشت زوجة العالم كثيرًا عندما وجدت العملات المعدنية. ورغم أنها كانت تعرف أنها ليست لها، لكن الجوع كاد يذهب بعقلها، فأخذت عملة من العملات الخمس وابتاعت بعض الأرز وأعدت عصيدة أرز. وعندما سألها زوجها "لكن كيف حصلتِ على الأرز؟ لا أذكر أننا نملك حتى فلسًا واحدًا" أجابت "بكل صراحة يا عزيزي، لقد وجدت خمسة عملات معدنية في مطبخنا اليوم! تصور دهشتي حين رأيتها في الصباح! فأخذت عملة منها وابتعت الأرز".

لم ينتظر الزوج لحظة واحدة، وأعد إعلانًا مكتوبًا كتب فيه أنه هناك من فقد نقودًا، وأن النقود موجودة في بيت العالِم، وعلى صاحب النقود أن يأتي لاستردادها. وعلق اللافتة في مدخل المدينة، حيث رآها جميع سكان المدينة بمن فيهم اللص. ألجمت الدهشة لسان اللص! وزار العالم، وقال له "سيدي، أرجو أن تحتفظ بالمال. فلقد تركته عمدًا كهدية إعرابًا عن احترامي وتقديري لك، وليس لدي أي نية لاستعادة المال".

ولا بد أن دهشة اللص تعاظمت حين سمع رد العالم على كلامه، فقد قال "اسمح لي، يا سيدي، أن أعبر لك عن جزيل شكري وعظيم امتناني على كرمك. لكنني لا أستطيع أن أقبل هذا المال، لأنه -بكل بساطة- ليس ملكي. وأنا أصر على إعادة المال إليك" فغر اللص فاه ولم يستطع أن يتفوه بكلمة، ولم يمهله العالم فرصة للكلام على أي حال، فقد تابع وهو يقدم إليه أربع عملات معدنية "واسمح لي أن أعبر عن خجلي الشديد، لأن زوجتي قد أنفقت عملة من عملاتك، وأنا أعتذر لك من كل قلبي على ذلك" سر اللص عندما سمع ذلك، فواحدة من عملاته على الأقل قد ساعدت هذه الأسرة المسكينة المستقيمة. لكن سروره اختفى حين قال العالم "لكنني أؤكد لك، يا سيدي، أنني سأعيد إليك العملة الناقصة غدًا، وأنا أرجو، من كل قلبي، ألا يسبب لك هذا التأخير أي مشاكل." سارع اللص ليقول "لا، لا. أرجوك، لا داعِ لذلك، أربعة عملات تكفي. ليس عليك أن تعيد أي شيء" رد عليه العالم "لا تقلق، ليس لدي أي طعام أو مال، لكن لدي الكثير من الكتب، يُمكنني أن أبيع أحد كتبي بسهولة وأعيد لك مالك".

شعر اللص بالدهشة، والخجل، والخزي، وراحت عبارة العالم ترن في أذنه "لا أستطيع قبول هذا المال، فهو ليس مالي"... لم يستطع اللص أن يحتمل أكثر، فانهار باكيًا أمام العالم واعترف له بالحقيقة "أوه، أيها العالم العظيم، إنه ليس مالي أيضًا، لقد سرقت هذا المال، سرقته". وغادر اللص من فوره ليعيد المال إلى صاحبه الأصلي، وليسلم نفسه إلى الشرطة. وعندما سمع صاحب المال قصة اللص، سامحه. ومنذ ذلك اليوم، عاش اللص شريفًا عفيفًا، لا يمد يده لما ليس له، ولا يعيش إلا بكل شرف وأمانة. وصار صديقًا حميمًا للعالم الأمين.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;