الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

الوحش والقدر الكبير

2018-10-12

ⓒ Getty Images Bank

كان يا مكان، في قديم الزمان، عاش صبي مع والديه في قرية جبلية نائية. ولم تكن الأسرة ميسورة الحال، لكن الوالدين النشيطين والصبي طيب القلب كانوا يشعرون بالرضا والسعادة. وفي يوم من الأيام، ذهب الأب إلى الغابة ليقطع بعض الحطب، لكنه لم يعد حتى بعد أن ساد الظلام. سيطر الخوف والقلق على الأم وابنها، ولم يغمض لهما جفن طوال الليل في انتظار عودة الأب المتأخر، لكنه لم يعد أبدًا، حتى عندما تراجع الظلام مستسلمًا أمام أشعة شمس الفجر الفتية.

لم يستطع الصبي أن ينتظر أكثر من ذلك وقرر أن يخرج بحثًا عن أبيه. أخبر أمه ألا تقلق ووعدها بأنه سيعود إلى المنزل مع والده. بحث الصبي في كل مكان عن الأب المفقود. لم يترك جحرًا ولا شجرة ولا صخرة إلا وفتشها، لكنه لم يجده. شعر بالإحباط والتعب، واستلقى على الأرض ليستعيد قواه، لكن النوم اللذيذ تسلل إلى جفنيه، فغرق في سبات عميق دون أن يدري. وعندما استيقظ مفزوعًا، وجد - لدهشته- رجلًا عجوزًا في ثياب بيضاء يحادثه في لهجة بشوشة "يالك من صبي شجاع! ويالك من ابنٍ بار! لقد أثر في وفاؤك ونشاطك، وسوف أساعدك في البحث عن والدك. أحضر لي حقيبة مليئة بالبراغيث، وأخرى مليئة ببق الفراش، وثالثة مليئة بالإبر. فإن هذا هو ما ستحتاجه لاستعادة والدك". كاد الصبي يسأل سؤالًا حين اكتشف أنه لا يزال نائمًا، وأنها كانت حلم. فكر الصبي وقال لنفسه "لا، لا بد أنها كانت رؤيا صادقة، فأنا لا أزال أرى كل التفاصيل في عقلي وكأني أراها رأي العين. إن كانت هذه رؤيا فأنا لن أضيع أي فرصة لاستعادة والدي الحبيب، ولن أخسر شيئًا إن حاولت".

نفذ الصبي تعليمات الرجل العجوز، وعاد إلى الجبل وهو يحمل البراغيث، وبق الفراش، والإبر، كلٌ في حقيبة منفصلة كما أُمر. وعندما حل الظلام، رأى ضوءًا يومض من على البعد، فتبعه حتى وجد منزلًا خاليًا، قرر الصبي أن يقضي ليلته هناك. وعندما كان على وشك النوم، سمع ضوضاء خارج المنزل، وكأنه صوت قدم ضخمة قوية تدب على الأرض. استرق النظر من خلال شق صغير في باب المنزل، فرأى جسد رجل ضخم عملاق، كان جسده ضخمًا حتى أنه بدا وكأنه يملأ الساحة بأكملها. ملأ الخوف قلب الصبي، لكنه ظل مكانه يراقب العملاق في هدوء، فرآه وهو يقترب من كوخ متهالك بجوار المنزل ويفتح الباب بعنف عن آخره، وصُعق الصبي حين رأى أن ذلك الكوخ كان مليئًا بالكثير من الناس، كانوا أسرى لدى العملاق، لم يكن هذا المنزل الخالي مهجور إذن. وفجأة شحب وجه الصبي وردد في خفوت "يا إلهي!" عندما تعلقت عيناه بوجه يعرفه جيدًا وسط الأسرى، وجه والده الحبيب. أدرك الصبي أن ذلك العملاق يحتجز الكثير من الناس في الكوخ، اختبأ جيدًا وواصل المراقبة، فرأى العملاق يدخل إلى المنزل، ويتجه إلى غرفة النوم، وما هي إلا دقائق حتى راح يغط في نومٍ عميق.

كاد الصبي ينطلق فورًا ليحرر والده، لكنه تذكر نصيحة العجوز، فحمل حقيبة البراغيث وأفرغها عن آخرها في غرفة نوم العملاق. مئات، بل آلاف البراغيث الصغيرة الجائعة راحت تلدغ العملاق النائم في نهم، فاستيقظ متألمًا مفزوعًا ونهض وهو يحك جسده كالمجنون، وهنا جاء دور بق الفراش، الذي بدا وكأنه قد دخل في منافسة مع البراغيث للدغ العملاق المعذب، وأخيرًا، الإبر، التي - لدهشة الصبي- راحت تصيب العملاق وكأنها حية وتعرف هدفها جيدًا. لم يحتمل العملاق كل هذا التعذيب، فراح يركض كالمجنون واتجه نحو المطبخ، وأدخل نفسه في قدر ضخم على الموقد وأقفله عليه جيدًا حتى لا يستطيع أي شيء الدخول إليه. جلب الصبي الكثير من الصخور الثقيلة ووضعها فوق الغطاء حتى لا يستطيع العملاق الفرار، وأشعل الموقد حتى يقتله. وعندما تأكد له مقتل العملاق، خرج مسرعًا إلى الكوخ، وفتحه وصاح "أبي، إنه أنا، لقد مات العملاق، اخرج ولا تقلق فأنت في أمان". خرج والده مع أفواج من الأسرى وهم لا يصدقون أنهم قد نجوا، فراحوا يعبوا الهواء الطلق عبًا ويضمون بعضهم بعضًا في سرور. ولم يفتهم أن يفتحوا جميع الحجرات والأكواخ الأخرى المحيطة بالمنزل، حيث اكتشفوا الكثير من الطعام والكنوز والأموال التي لا بد أن العملاق سرقها وجمعها خلال سنوات حياته الطويلة، فتقاسموها معًا، وعاد كل منهم إلى أسرته سعيدًا سالمًا، وعاش الصبي البار مع والديه في أمان وسعادة وسلام.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;