الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

الحطاب وأرض الخيال

2018-10-19

ⓒ Getty Images Bank

كان يا ما كان، في قديم الزمان، كان هناك حطاب شاب قوي، اتجه إلى الجبل كي يقطع الحطب بفأسه كعادته. وما إن وصل إلى الجبل، حتى راح يتعمق فيه أكثر وأكثر باحثًا عن أشجار أكثر جودة ليقطعها. وبينما هو كذلك وجد كهفًا فتساءل عما فيه، وبكل شجاعة ودون أي تردد، دخل الكهف. كان الظلام دامسًا ولم يكن يرى أي شيء، فكان يتحسس طريقه ببطء إلى أن اعتادت عيناه الظلام نوعًا فأسرع الخطى، ولدهشته، وجد أن الكهف يزداد اتساعًا وإنارة كلما تقدم. كان فضول حطابنا الشاب يزداد كلما تقدم، وعندما وصل إلى نهاية الكهف، وجد عالمًا جديدًا أمامه.

كانت الشمس ساطعة، يتخلل دفئها القوي نسيم منعش رائع، والطيور تغرد مبتهجة على أغصان الأشجار، ورأى من مكانه جدول صغير يشق الغابة فيزيدها سحرًا وجمالًا ويزيد النفس بهجة وسكينة. شعر الحطاب أنه يحلم ولا بد.

ظل يسير مأخوذًا إلى أن رأى رجلين مسنين يلعبان الجانغي، وهي لعبة كورية تشبه الشطرنج مستظلين بشجرة صنوبر. كان شعر كل منهما فضيًا، ولحية كل منهمة كثة طويلة بيضاء. اقترب الحطاب منهما أكثر، لكنهما لم يهتما أبدًا، لا به، ولا بأي شيء محيط بهما. بدا له وكأن العالم كله لا قيمة له عندهما. انصب تركيزهما كله على اللعبة. بدأ الحطاب في مراقبة اللعبة. بعد فترة، استغرق بكل حواسه في اللعبة التي بدت له وكأنها أمتع شيء رآه على الإطلاق. فوضع فأسه جانبًا، وتربع جالسًا بالقرب منهما ليواصل المشاهدة. بعد فترة، التفت أحد الرجلين إلى الحطاب وابتسم له وأعطاه بعض ثمار التمر، فتناولها الحطاب شاكرًا وتابع اللعبة.

وبعد فترة طويلة، انتبه الحطاب فجأة إلى أنه جالس منذ فترة طويلة، وأنه عليه أن يواصل قطع الحطب. تساءل عن طول الوقت الذي قد مر، ثم نهض وقرر أن يذهب ليتابع عمله بدلًا من أن يشاهد اللعبة طوال النهار ويضيع وقته كله. نهض، وشكر الرجلين الذين التفتا له وابتسما مجددا، ثم التقط فأسه واستدار عائدًا. لكن شيئًا بالغ الغرابة حدث. فبينما كان عائدًا من حيث أتى، دخل الكهف العجيب، وما إن فعل حتى تحولت عصا الفأس الخشبية إلى رماد، وسقط الجزء المعدني في الأرض مصدرًا صوتًا ذا رنين. تعجب الحطاب، لكنه واصل طريقه إلى المنزل على أي حال.

لكن المفاجآت كانت تنتظره. فعندما عاد إلى قريته، ذُهل عندما وجد القرية تبدلت كثيرًا عما تركها عليه في الصباح. ولم يستطع التعرف على وجه واحد من وجوه أهل قريته. فكلما نظر إلى شخص ما وجده شخصًا غريبًا عنه. اضطرب الحطاب وتوجس خيفة وسارع إلى منزله. لكنه عندما وصل إلى منزله، وجد غرباء يسكنوه. لا شك أن هذا هو منزله، لكن الأثاث، والديكور، وكل ما يحيط بالمنزل كان مختلفًا تمامًا عما ألفه. سأل الحطاب "من أنتم؟" تعجب ساكنو المنزل وقال أحدهم بنبرة مصدومة "بل من أنت؟ وكيف تدخل منزلنا دون استئذان هكذا؟" شعر الحطاب برعب لا حد له، وراح يدور في المنزل كالمجنون يبحث عن زوجته وأبنائه ويناديهم واحدًا واحدًا. صاح أحد ساكني المنزل فجأة "سيدي! ماذا تفعل؟ وكيف عرفت اسم جدي؟ من أنت على أي حال؟"

فجأة، فهم الحطاب كل شيء. لا بد أن الكهف كان معبرًا إلى عالم الآلهة والمخلوقات السحرية، لا بد أن الساعات التي قضاها هناك يشاهد لعبة الجانغي كانت تقابل سنوات طويلة في عالم البشر. لقد توفي جميع أهله خلال هذه السنوات الطويلة، وهؤلاء الغرباء الذين يسكنون منزله ليسوا في الواقع سوى أحفاد من نسله. وقف حطابنا المسكين آسفا، لا يعرف ماذا يفعل، ولا ماذا يقول. وهذه القصة هي مصدر مقولة كورية تقول: قد تتعفن يد فأسك الخشبية دون أن تدري وأنت تضيع وقتك في اللهو الطويل.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;