كنت قد تحدثت في حلقة سابقة عن ديوان شعر جزل وسلس ومدهش وبديع بعنوان "الرسم بالكلمات " للشاعر العربي الرحل نزار قباني وقد احتوى على عدد من القصائد المرسلة التي سارت بها الركبان وتغنى بها عدد من الفنانين العرب . وكنت قد ذكرت بأن نزار قباني كثيرا ما يوصف بأنه ليس مجرد شاعر وإنما رسام ينظم قصائده البديعة بلسان وفرشاة شاعر مرهف . وذكرت بأن تعبير الرسم بالكلمات كان قد تجسّد بيانا عيانا عندما حضرت معرضا من نوع خاص جدا يجمع بين روعة الرسم والتصوير وزهو الألوان ، وبين رقة الإيقاع الشعري البديع والشجي، واعتبر إن ما شاهدته كان عبارة عن لوحات ذات إيقاع جرسي إنشادي طروب، أو قصائد زاهية ملونة بالون قوس قزح. مرة أخرى تجسد لي نفس ذلك الإحساس وأنا أقرأ قصيدة كورية أخرى من النوع الذي يرسم بالكلمات وهي لوحة بروح قصيدة أو قصيدة في شكل لوحة بعنوان حوار اللوحة والقصيدة كتبها شاعر كوري مبدع هو Yi Geun Hwa جارى بها شاعر كوري آخر وأترجمها مرة أخرى هدية للمستمعين والقراء الأفاضل.
قالت اللوحة للقصيدة
أحبابي كثر
ويستأنس بي حتى العميان
لأنني دائما أكون مهرجان جمال
وموكب ألوان
تتعانق فيه الخضرة والحمرة
وتتناجى الزرقة والصفرة
والأبيض يحتضن الأسود
وتتشابك كل أيادي الألوان
وردت القصيدة
عشاقي أكثر من أن يُحصوا
فحتى الصُم يسمعون كلماتي
ويرقصون على نغمات إيقاعاتي
فأنا لحن لا يتوقف
وأغنيات على كل الشفاه
وإيقاعات شجية طروبة
لا تسكت ولا تفتر عن الطرب
أنا أغنية يشدو بها العاشق
ونشيد يفخر به الوطن
ونداء لاستثارة المقاتلين من أجل الحرية
والمنافحين عن كل أنواع القضايا
والرافعين لكافة الشعارات
واحتضنت القصيدة اللوحة
وشرعا سويا في إنشاد ورسم قصيدة ملونة
خلال مسيرتنا في هذه الحياة
كشفنا النقاب عن كل شيء
مغطى بطبقة سميكة
سواء أن كان بالنسبة لأفكارنا
أو أفكار الآخرين
وجدنا أن المادة والواقع
هي في الواقع
أشياء غير منظورة
وأن المفاهيم المتحجرة
هي التي تبقى متناثرة
مثل الزبد.
وعندما نبعد ذلك الزبد عن أفكارنا
نجد لديّنا القدرة على إعادة التفكير في الأشياء
مثل ما يفعل الطفل
الذي لا يزيد عمره عن مائة يوم
وتماما كما يفعل الكاهن الذي تجاوز المائة عام
فهما يريان الأشياء
كما هي الأشياء
يريان الجبال جبالا والوديان وديانا
والأنهار أنهارا
يريانها كذلك بكل النقاء
وبكل الشفافية
ويصورانها بالكلمة الإيقاعية
أو بالفرشاة السلسة المعبرة
فتأتي بديعة ومدهشة معبّرة
كقصيدة بديعة ملونة
أو كلوحة يهتز لها الوجدان