الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

نبعُ الماءِ الحُلو

2021-09-10

ⓒ Getty Images Bank

كان يا ما كان، في قديم الزمان، عاش رجلٌ مع والدتِه في قريةٍ جبلية نائية. وكان الرجلُ يحبُ والدتَه حبًّا عظيمًا، ويتفاني في خدمتها وإسعادها. فكان يزرع لها الأزهار الجميلة في باحة المنزل، وكان هذا يدخل على قلبها السعادة والسرور. وعندما كان يذهب إلى السوق، كان يحضر لها طعامًا شهيًّا من أطعمتها المفضلة. وعندما كان يحتطب في الغابة، كان يقطف الثمار والمكسرات من أجل أمه. وكان يخزن كميات كبيرة من الحطب الذي يقطعه بنفسه في المنزل أثناء الشتاء، ليضمن أن يظل المنزل دافئًا كي لا تبرد أمه. كانت أسرة فقيرة، ولكنها كانت سعيدة.

وذات يوم، ذهب الرجل إلى السوق كي يبيع الحطب. وبينما كان يمر على طريق جبلي، توقف ليستريح قليلًا. كان الجو حارًّا للغاية، فشعر بالإرهاق والتعب، إذ كان يحمل حزمة من الأحطاب الثقيلة على ظهره. وبينما هو يستريح، لمح نبع ماء صغير بالقرب منه. ذهب إلى النبع وراح يشرب حتى ارتوى. كان الماء باردًا حلوًا منعشًا. فشعر أنه قد شحن طاقته، وذهب إلى السوق ليبيع الحطب. وفي طريقه إلى المنزل، مر على النبعِ ثانية كي يشرب منه. ومنذ ذلك اليوم، ظل يحرص على أن يشرب من نبع الماء الحلو في كل مرة يذهب فيها إلى السوق أو يعود منه، وكان كلما شرب من النبع زال عنه الإرهاق والتعب. ولذلك، فكر في مشاركة ماء النبع مع الآخرين. ثم فكر في أن يربح من ماء النبع المنعش. فأقام سورًا حولَه، وبدأ يبيع ماء النبع للمارة. "انظروا، هذا الماء باردٌ وحلوٌ ومنعشَ تعالوا وجربوه!". وتمامًا كما توقع، اشتهر النبع بين الناس، واستطاع أن يجني الكثير من المال من بيع ماء النبع للمارة.

لم يعد مضطرًا لقطع الحطب بعد أن صار ثريًّا بفضلِ بيعِ ماء النبع. ولأنه لم يعد يذهب إلى الغابة، لم يعد يجمع الثمار والمكسرات، كما ذبلت الزهور التي زرعها في باحة منزله لأنه كان منشغلًا عن رعايتها. وفي الشتاء، كانت والدته تقضي أيامها في البرد القارس لأنه كان منشغلًا للغاية فلم يكن يجد الوقت الكافي ليجلب لها الحطب. كان ينشغل كل يوم في بيع ماء النبع، وكان كلما جمع مالًا أكثر، انشغل أكثر في التخطيطِ لحياةٍ فاخرة، حتى كاد ينسى أمّه.

ازدهر عمله وذاع صيت النبع أكثر وأكثر. وصار الناس يشكون أنهم يضطرون للانتظار طويلًا ليشربوا كوبًا واحدًا من ماء النبع. فكر الرجل في طريقة يضمن بها ماءً أكثر كي يرضي زبائنه بسرعة. فقرر أن يحفر النبع، إذ ظن أن الحفرةَ الأوسع ستعني ماءً أكثر. ظل يحفر النبع وهو غارقٌ في تخيل مستقبلٍ باهر: منزل فخم وملابس فاخرة وزوجة جميلة. لكن فجأة، ابتلعت الحفرة الماء كله، فاختفى النبع! صرخ الرجل وناح. ولكن الأوان قد فات. جف النبع، ومعه اختفى الزبائن. عاد الرجل إلى منزله، وهناك، كانت أمه لا تزال في انتظاره.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;