الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

التاريخ

العامل الشاب "جون تيه إيل 전태일" الذي فجرّ موته انتفاضة عمالية ساخنة.

2015-04-14

العامل الشاب "جون تيه إيل 전태일" الذي فجرّ موته انتفاضة عمالية ساخنة.
في الساعة الحادية والنصف من بعد ظهر يوم الثالث عشر من نوفمبر من عام 1970 نظم العامل الشاب "جون تيه إيل" و12 من رفاقه مظاهرة في سوق "بيونغ هوا 평화" في شمال سيول للمطالبة بتحسين أوضاعهم. وبعد عشر دقائق فقط من بدء المظاهرة، حدثت مفاجأة مرعبة ...

فقد تحوّل جسم الشاب "جون" البالغ من العمر 22 عاما إلى كتلة من اللهب، بعد أن أشعل النار في نفسه للإعراب عن احتجاجه معاناته هو ورفاقه، من سوء الأحوال. وكانت تلك حادثة بشعة ومؤسفة، اهتزت لها أركان المجتمع الكوري.

وبالتالي تحولت الحياة أمام أمه "لي سو سون 이소선" إلى جحيم عندما وصل إليها ذلك النبأ الحزين.

كانت تأمل وتتمنى لو أن الأمر كان مجرد حلم أو كابوس، غير أنها شاهدت فلذة كبدها فاقدا للوعي وجسده ملفوف تماما بالضمادات الطبية.
وبكلمات واهنة متحشرجة أوصى الشاب الموشك على الموت أمه بمواصلة النضال قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وفي حوالي العاشرة من مساء ذلك اليوم أسلم الشاب المحتضر روحه، وكانت آخر كلمات تلفظ بها "أماه. أنا جائع".


وُلد "جون تيه إيل" يوم السادس من أغسطس من عام 1948 في مدينة ديغو. كان والده عاملا في مصنع نسيج، وكان يعيش في أسرة فقيرة. وعندما بلغ الـ11 من العمر تعطل الوالد عن العمل، ولم يكن يملك ما ينفقه على الأسرة. وإزاء هذا الوضع، اضطر الصبي الصغير لترك المدرسة بحثا عن أي عمل يساعد على تلبية بعض حاجات الأسرة. وكان يقوم بأي عمل يجده، من مسح الأحذية أو بيع الجرائد، وكان يضطر أحيانا للتسول لشراء طعام للأسرة. ورغم كل ذلك، كان يحرص على تسجيل خواطره ومذكراته التي وصف فيها عذاباه ومعاناته هو وأسرته. سنقرأ الآن من بعض ما كتبه في شهر أغسطس من عام 1962.
"الشمس حارقة وكأنها تريد أن تحرق كل شيء على الأرض. صبي مثلي في الرابعة عشر من العمر يقف أمام النافذة بحثا عن نسمات منعشة وهو خاوي البطن ويعاني من الجوع. كثيرا ما أفكر وأتساءل. لماذا يرى البعض هذه الحياة جميلة وممتعة، ولماذا يشعرون بالسعادة، فيما أقف أنا هنا تعيسا ومنهكا، وأكاد أن أموت من الجوع؟ ولماذا عليّ أن أرتدي نفس الملابس المتسخة الممزقة صيفا وشتاء..."

عندما بلغ الخامسة عشرة من عمره في عام 1963 التحق بالمدرسة المتوسطة، لكنه لم يتمكن من إكمال العام الأول بسبب الفقر والفاقة، وبالتالي ترك الدراسة والتحق بالعمل صبيا في مصنع للنسيج في سوق "بيونغ هوا" المزدحمة بمحلات الخياطة الصغيرة والكبيرة. وكان عدد تلك المحلات في تلك السوق وحدها لا يقل عن خمسمائة محل. لكن ظروف وأحوال العمل في تلك المحلات كانت مزرية بدرجة تفوق الوصف.

ولم يكن "جون تيه إيل" بطبيعته وتركيبته النفسية مؤهلا للعمل في تلك الظروف القاسية. وقد ظهر ذلك جليا فيما ترك من مذكرات في عام 1966، حيث يقول:
"الأجور غير منصفة ولا تتناسب بأي شكل مع طبيعة ذلك العمل المنهك. وليس في وسعنا التمرد أو عدم طاعة أوامر أصحاب العمل بكل ما فيها من شطط ومبالغة. والمقابل الذي نتلقاه عن العمل الإضافي لا يسمن ولا يغني من جوع، لكننا مضطرون للقبول، فللضرورة أحكام".


كان عدد العاملين في سوق بيونغ هوا يُقدّر بنحو مائتي ألف عامل في نهاية الستينيات من القرن الماضي، وكان ما بين 80% إلى 90% من أولئك العمال من الفتيات المراهقات.
كان الشاب الشهم "جون" لا يتوانى عن تقديم كل أشكال المساعدة للبنات الفقيرات المنهكات اللاتي كن يعملن معه في السوق، والكثيرات منهن كن يعانين من مشاكل صحية بسبب العمل المجهد. وكان يشعر بمعانتهن، كما يتضح من مذكراته التي كتبها في عام 1968.
"كلنا بشر، لكن بعض البشر لا يكفون عن استعباد غيرهم. لماذا يستعبد الأغنياء تلك البنات البريئات؟ ولماذا يستغل هؤلاء الأشرار القذرون طاقتهن وعَرقهن من أجل جمع وتكديس الأموال؟ هل هذا هو ما يسمونه بالعدالة الاجتماعية؟ هل يوجد بين قوانين الحياة قانون يسمح بأن يستغل الغني الفقير؟".


لم يكن "جون" يعرف، وربما لم يسمع عن قوانين ولوائح العمل المعمول بها في كوريا حتى عام 1968. ولكنه بحاسته وفطرته تنبّه إلى ضرورة قيام العمال بتشكيل نقابات ومنظمات للدفاع عن حقوقهم ومطالبة أرباب العمل بتنفيذ تلك الحقوق.

وفي يونيو 1969 اتفق عشرة من العاملين في سوق "بونغ هوا" على الالتقاء في مطعم صيني بالقرب من قصر "دوك سو 덕수". كانوا أعضاء في جماعة تطلق على نفسها اسم "الأغبياء".

وبالتالي، درس "جون تيه إيل" قانون العمل دراسة مستفيضة وأصبح زعيما للمجموعة العازمة على تحسين ظروف العمل في السوق، غير أن سلطات السوق وأرباب العمل عرفوا عن "جماعة الأغبياء"، وسرعان ما تم فصل "جون تيه إيل" من وظيفته.


وبعد أن تم فصله عن العمل في تلك السوق، التحق بالعمل لفترة قصيرة كعامل بناء في مشروع إنشائي، ثم التحق في سبتمبر 1970 بشركة نسيج أخرى في سوق بيونغ هوا. وهناك استدعى من جديد رفاقه في جماعة الأغبياء وبدأ في دراسة بيئة العمل في منطقة "تشونغ كيه تشون 청계천" التي تقع فيها السوق، وأرسل عريضة للهيئة المختصة بشئون العمل في كوريا. ورغم ما وجدته تلك العريضة من اهتمام، إلا أنها لم تغير شيئا في الواقع المعاش.


وبعد أن أصابه الكثير من الإحباط نتيجة لبقاء الأوضاع كما هي دون تغيير، قرر "جون" اللجوء للخيار الأخير وهو حرق قانون العمل. وفي الـ13 من نوفمبر أشعل جون النار ليس في القانون وحده، وإنما في جسده أيضا.

ولم تضع تضحية "جون" هدرا، حيث حفظت أمه ورفاقه الوصية، وحملوا رسالته، ومن ثم تم إنشاء نقابة لعمال مصانع النسيج يوم 27 نوفمبر، وكان ذلك بمثابة الشرارة التي أشعلت الفتيل في المجتمع الكوري، مما أدى إلى تكوين عدد كبير جدا من النقابات العمالية في مختلف أرجاء البلاد. ولذلك يرى المؤرخون أن حادث انتحار العامل الشاب "جون تيه إيل" كان الشرارة التي أشعلت فتيل حركة عمالية قوية، أدت فيما بعد إلى تطور كوريا كدولة تحفظ حقوق أبنائها من العمال في كل القطاعات.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;