الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

التاريخ

الأزمة المالية الخانقة في عام 1997

2015-09-22

الأزمة المالية الخانقة في عام 1997
في الـ21 من شهر نوفمبر من عام 1979 عقد نائب وزير الاقتصاد حينذاك "ليم تشانغ يول 임창열" مؤتمرا صحفيا استثنائيا.
وقال في ذلك المؤتمر الصحفي إن كوريا طلبت من صندوق النقد الدولي إعداد خطة لإنقاذ اقتصادها، موضحا أن مديونية كوريا وقتها بلغت 120 مليار دولار، ولا تمتلك منها سوى ثلاثين مليارا فقط. وبعد أسبوعين من ذلك، وقّع نائب وزير الاقتصاد مع رئيس صندوق النقد الدولي على خطة الإنقاذ المطلوبة في المجمع الحكومي الرئيسي في سيول.

وبتوقيعه على الوثيقة دخلت كوريا في مشروع تقشف مالي واسع تحت إشراف صندوق النقد الدولي. كل ذلك كان مجرد بداية لما هو أكثر صعوبة.
عندما كانت كوريا في قمة زهوها بالتحول الديمقراطي الذي ساد البلاد، قررت الانضمام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الـ11 من سبتمبر عام 1996، مما جعل منها عضوا في هذا التجمع الدولي الذي يجمع عددا من أكثر بلدان العالم تطورا اقتصاديا وصناعيا. ولكن لم يمض سوى عام واحد على ذلك حتى وجدت كوريا نفسها في مواجهة أزمة مالية اقتصادية طاحنة، مما أصاب الجميع بالصدمة والخوف والتوجس.
وبدأت المظاهر والآثار تتضح لأعين الجميع.

ففي الـ23 من شهر يناير 1997 تم الإعلان عن إفلاس شركة "هان بو 한보" للحديد والصلب، وهي شركة فرعية تابعة لمجموعة "هان بو" التي كانت في المركز الـ14 على مستوى كوريا. وسبب ذلك هو تراكم ديون الشركة للحد الذي أعلنت معه عجزها عن السداد. فقد بلغت ديون الشركة 6.7 مليار دولار، وكان سعر صرف الدولار الأمريكي وقتها 850 وون كوري، واتضح للجميع مدى حجم الفساد والاستهتار والأخطاء الجسيمة التي كانت تُرتكب في حق الاقتصاد الكوري، وهو ما أثار غضب وحفيظة كل المواطنين.

انهيار شركة هان بو كان أكبر من مجرد انهيار فردي لشركة واحدة، بل كان بداية لعاصفة مدمرة هددت الاقتصاد الكوري بأسره، حيث أعقب ذلك سلسلة من حالات التساقط والانهيار للعديد من الشركات الكورية الكبرى. وفي الـ15 من يوليو ترنحت ثامن أكبر مجموعة شركات كورية وهي كيا للسيارات بسبب عدم قدرتها على الاستمرار مع تفاقم مشكلاتها المالية العويصة.
ونجم عن توالي مسلسل حالات الإفلاس تفاقم الديون بصورة فاقت المتوقع، مما جعل كوريا عاجزة تماما عن تسديد ديونها. كما نفد تقريبا احتياطي النقد الأجنبي، وشارفت الكثير من البنوك على إعلان إفلاسها. ومما زاد الطين بلة أن الأزمة امتدت لتشمل العديد من الدول الآسيوية الأخرى في جنوب شرق آسيا، والتي كانت تعرف باسم النمور الآسيوية. كل ذلك دفع بمؤسسات التقييم الائتماني العالمية لتصنيف كوريا كدولة فاشلة وتخفيض تقييمها السيادي.

ومع ظهور بوادر الخطر، هرب المستثمرون الأجانب بأموالهم للخارج. وكل ذلك أدى إلى حدوث الكثير من المشكلات والتقلبات في سوق المال.

في بداية 1997، بلغ مؤشر البورصة الكورية 653 نقطة، إلا أنه تهاوى في أكتوبر من نفس العام إلى أقل من 500 نقطة بعد إشهار إفلاس مجموعة شركات كيا. وأدى ذلك لانخفاض سعر الوون الكوري إلى 957 وون للدولار الواحد. وفي نوفمبر بدأ السياسيون يتحدثون بصوت عالٍ حول ضرورة تقديم طلب لصندوق النقد الدولي للبدء في تجهيز خطة إسعاف فوري، وهو ما حدث فعلا في الثالث من ديسمبر في شكل برنامج تقشفي.

القرض الإسعافي الذي قدمه صندوق النقد الدولي لكوريا كان بمثابة طوق النجاة الذي أنقذ الاقتصاد الكوري من انهيار شبه مؤكد، غير أن مظاهر المعاناة بدأت تستشري وتظهر جليا في كل أنحاء المجتمع. ففي فترة وجيزة بلغ عدد الشركات المتضررة والمفلسة أكثر من عشرين ألف شركة. وحتى الشركات القليلة التي نجت من إعلان إفلاسها لجأت إلى خطط تقشفية مكثفة راح ضحيتها أكثر من 1.3 مليون عامل وموظف كوري. القطاع المالي في كوريا الذي كان يعتبر قلعة حصينة للمهنيين والعاملين في الخدمة المدنية تعرض أيضا للكثير من إعادة الهيكلة، مما أدى إلى الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمالة التي اعتبرت فوق الحاجة، نتيجة للظروف الاقتصادية السائدة.

وقد استحى بعض الرجال ممن هم في أواسط العمر من الذين تم الاستغناء عن خدماتهم، حتى أن يقوموا بإخطار أسرهم بما تم، حيث كانوا يرتدون زي العمل ويخرجون من منازلهم في كل يوم لإيهام أسرهم بأنهم ما زالوا يعملون، في حين أنهم كانوا يقضون الوقت في التسكع والجلوس في المقاهي والحدائق والساحات العامة.

وقد تدنى إجمال الناتج المحلي في كوريا لأقل نسبة خلال أكثر من عشرة أعوام، ووصل معدل النمو إلى أقل مستوى له خلال 18 عاما.

ولم يتعرض الاقتصاد الكوري وحده للانهيار، وإنما انهارت معه كرامة الكثيرين ومعنوياتهم وافتخارهم ببلادهم. ولكن رغم كل ذلك، لم يستسلم الكوريون لليأس، وإنما قرروا تحول تلك الأزمة إلى فرصة. وبدأ العديد من المنظمات المدنية في تنظيم حملات تبرعات شعبية، منها حملة وسط النساء للتبرع بما يمتلكن من حلي ذهبية لتسديد قرض صندوق النقد الدولي.

وتسابقت النساء لنزع السلاسل والخواتم والعقود ويقذفن بها في صناديق التبرع وسط دهشة الكثير من المراقبين الأجانب.

شارك في حملات التبرع بالذهب تلك نحو 4 ملايين كوري وكان الجميع يتنادى للمشاركة في تلك الحملات بأي شكل ممكن حتى يتم التغلب على تلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة. ونتيجة لكل تلك الحملات والمشاركات بدا جليا أن كوريا قادرة على أن تنتشل نفسها من تلك الأزمة.

كانت تلك التبرعات الذهبية التي جمعها الشعب الكوري دافعا قويا لتسديد القرض وإخراج البلاد من أزمتها الخطيرة. البروفسور "ليم هيونغ جين 임형진" يقول إن عزيمة الشعب الكوري وقتها كانت أكثر توهجا من الذهب.
ومع ذلك الإصرار والعزيمة والرغبة في الإصلاح، بدأت مرتكزات الاقتصاد الكوري في التحسن والتخلص من السلبيات والعلل التي كانت متفشية من قبل، وبالتالي بدأ الاقتصاد الكوري في السير في طريق التعافي والاستقرار.

وبسرعة ملحوظة بدأ قطاع الصادرات الكورية في التحسن وفي الحصول على قدرات تنافسية ممتازة، وبدأت فوائض الأموال تتراكم، كما بدأ حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي يزداد. كل تلك الأشياء ساعدت في تسريع سداد قرض صندوق النقد الدولي قبل الوقت المحدد. وفي الـ23 من أغسطس 2001 تم إعلان كوريا كدولة غير مدينة لصندوق النقد الدولي.

كانت الطريقة التي تمكن بها الشعب الكوري من قهر الأزمة المالية في عام 1997 أشبه بالمعجزة. ورغم أن الأزمة كانت مؤلمة وصعبة، ورغم أن أغلب أفراد الشعب الكوري عانوا بسببها ماليا ونفسيا واجتماعيا، إلا إنها أعطت الكوريين دروسا في غاية الأهمية.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;