ⓒ Getty Images Bank

من المعروف أن البطاطس أحد أكبر أربعة محاصيل رئيسية على مستوى العالم، إلى جانب الأرز والقمح والذرة. وتظهر البطاطس في فيلم خيال علمي حول رائد فضاء تقطعت به السبل على سطح المريخ ويكافح من أجل البقاء على قيد الحياة على ذلك الكوكب القاحل، حيث يقوم بزراعة البطاطس على سطح المريخ.

أيضا تُعرف البطاطس بأنها تساعد في تخفيف المجاعة عندما يعاني الناس من ضعف الحصاد. وفي كوريا الشمالية، تشكل البطاطس جزءا كبيرا من المحاصيل الزراعية. 

في شهر يونيو، يصبح الطقس أكثر سخونة، حيث تنمو بعض الخضروات جيدا في الشمس الكاملة، ومن بينها البطاطس، حيث إن موسمها هو شهر يونيو. اليوم سنتحدث عن زراعة البطاطس في كوريا الشمالية مع "جو تشونغ هي" مدير منظمة "غود فارمرز" غير الحكومية.

"جو تشونغ هي 조충희" مدير منظمة "غود فارمرز" غير الحكومية:

في كوريا الشمالية، كان الطقس جافا في ربيع العام الماضي وهذا العام أيضا. ووفقا لمصادر في الولايات المتحدة، كان هناك القليل من الأمطار في كوريا الشمالية باستثناء مقاطعة "هوانغ هيه". بشكل عام، تُزرع البطاطس على عمق يبلغ حوالي خمسة سنتيمترات تحت سطح التربة. في موسم الجفاف، يجب أن تزرع على عمق سنتيمتر واحد أو سنتيمترين لتحمل الجفاف. ولكن في العام الماضي، زرعت كوريا الشمالية كل المحاصيل تقريبا، ولم تتوقع حدوث جفاف. ونتيجة لذلك، تضررت المحاصيل بسبب الجفاف. بمجرد أن تزرع البطاطس بشكل أعمق، يستغرق ظهور النبات وقتا أطول. لذلك قررت كوريا الشمالية هذا العام تغيير جدول زراعة البطاطاس، كما شجعت الدولة المزارعين أيضا على الاستعداد جيدا للعمل مقدما، مثل تحديد عدد نباتات البطاطس التي يجب زراعتها والطريقة التي يجب استخدامها لهذه العملية.

في كوريا الشمالية، يختلف الوقت المثالي لزراعة البطاطس اختلافا طفيفا اعتمادا على المنطقة. فمثلا، في مقاطعات "هوانغ هيه" وجنوب "بيونغ آن" في المنطقة الوسطى تُزرع البطاطاس عادة بين أواخر مارس وأوائل أبريل، في حين أن موسم الزراعة هو من منتصف أبريل إلى أواخر أبريل في المقاطعات الشمالية مثل "ريانغ كانغ" و"جا كانغ" وشمال "هام كيونغ". وفي هذا العام، كان جفاف الربيع في كوريا الشمالية أكثر حدة من العام الماضي. ولأن كوريا الشمالية تزرع المحاصيل الحقلية الرئيسية، بما في ذلك البطاطس، في أبريل، فإن الجفاف في هذا الوقت يمكن أن يكون قاتلا. واستعدادا لجفاف خطير، زرعت كوريا الشمالية البطاطس في وقت أبكر من المعتاد وحثت المزارعين على عدم إضاعة الوقت. 

بذلت كوريا الشمالية قصارى جهدها في عملية الحصاد، مما ذكر الناس بالحملة الزراعية المسماة "ثورة زراعة البطاطس" التي نظمتها الدولة الشيوعية قبل عقود.

"جو تشونغ هي 조충희":

تسببت الأزمة الاقتصادية ونقص الغذاء في التسعينيات من القرن الماضي في مصرع عدد كبير من الكوريين الشماليين جوعا. واجهت البلاد صعوبة في التعامل مع الأزمة من خلال زراعة الأرز والذرة وحدهما. البطاطاس من المحاصيل عالية الغلة. ففي المناطق الجبلية في شمال مقاطعة "ريانغ كانغ"، بلغ إنتاج الذرة لكل وحدة مساحة خمسة أطنان على الأكثر، بينما كان إنتاج البطاطس من 20 إلى 30 طنا. لذلك لعبت "ثورة زراعة البطاطس" دورا كبيرا في التغلب على الصعوبات في ذلك الوقت.

بدأت كوريا الشمالية "ثورة زراعة البطاطس" في أواخر التسعينيات من القرن الماضي من أجل التغلب على فترة "المسيرة الشاقة".

استخدمت كوريا الشمالية عبارة "المسيرة الشاقة" كشعار لتشجيع الناس على معالجة الصعوبات الاقتصادية الشديدة في تسعينيات القرن الماضي. ويشير هذا الشعار لأكبر أزمة شهدها كوريا الشمالية على الإطلاق.

عانت كوريا الشمالية بالفعل من نقص في الغذاء خلال الثمانينيات، ولكن في التسعينيات، انخفض الإنتاج الغذائي السنوي لديها بشكل حاد إلى أقل من أربعة ملايين طن، بسبب تراجع التجارة مع الدول الاشتراكية، والكوارث الطبيعية والصعوبات الاقتصادية. وبالتالي تسببت تلك الأزمة في وفاة عدد كبير جدا من الناس جوعا، وهو ما دفع الزعيم الشمالي السابق "كيم جونغ إيل" على ضرورة تحسين الهيكل الزراعي لحل مشكلة الغذاء. وبالتالي اقترح "ثورة زراعة البطاطس" لتضمين البطاطس في قائمة المواد الغذائية الأساسية، إلى جانب الأرز والذرة.

"جو تشونغ هي 조충희":

 من المستحيل زراعة البطاطا الحلوة في المناطق الشمالية الباردة في كوريا الشمالية. ولذلك فإن البطاطا الحلوة ليست مناسبة للزراعة. من ناحية أخرى، يمكن زراعة البطاطس في جميع أنحاء البلاد. بالنسبة للبطاطس المجمدة، على وجه الخصوص، يتم حصادها مرتين. تشير البطاطس المجمدة إلى البطاطس التي يتم حصادها وتجميدها في الربيع ومعالجتها لاحقا. إذا زرعت البطاطس في أواخر مارس، فيمكن حصادها في منتصف يونيو. لذا، فإن المحصول يجذب المزارعين المحليين في أوقات الشُّح. بعد أن يحصد المزارعون البطاطس، يمكنهم زراعة الذرة أو الأرز في نفس الحقل. وهكذا من أجل الكفاءة والإنتاجية، تم اختيار البطاطس للثورة الزراعية. 

يمكن زراعة البطاطس بسهولة في أي مكان، كما يمكن حصادها بكميات كبيرة في فترة زمنية قصيرة. لحل مشكلة الغذاء، قد يكون من المفيد زراعة البطاطس في كوريا الشمالية، لأن معظم أراضيها جبلية، وحوالي 17% فقط من تلك الأراضي صالحة للزراعة. في عام 1998، أصدر "كيم جونغ إيل" تعليمات للمسؤولين بالتوسع في زراعة البطاطس وزيادة إنتاجها، وقال إن البطاطس تعادل الأرز. وكانت تلك بداية ثورة البطاطس في كوريا الشمالية، التي كان مركزها منطقة "ديه هونغ دان" في مقاطعة "ريانغ كانغ".

"جو تشونغ هي 조충희":

تقع منطقة "ديه هونغ دان 대홍단" بالقرب من جبل بيكدو. تصعب زراعة الأرز أو الذرة في هضبة "كيه ما 개마" الباردة التي تشهد رياحا مستمرة. تُزرع البطاطاس فقط في تلك المنطقة الشاسعة والمسطحة، حيث تشغل ما يقرب من 80% من المساحة هناك. من السهل أن نفهم لماذا تسمى ديه هونغ دان مقاطعة البطاطس. يقول العديد من الناس إن خضروات المرتفعات لذيذة. وينطبق الشيء نفسه على البطاطس. تميل النباتات والمحاصيل إلى أن تكون أكثر إنتاجية وأقوى في البيئات القاسية. تختلف البطاطس المنتجة في "ديه هونغ دان" تماما عن تلك الموجودة في المناطق الأخرى، فهي ناضجة وغنية بالنشا ومليئة بالنكهة. وعند سلقها يشتد قوامها النشوي المطاطي، وهو ما يجعل مذاقها شهيا.

في الماضي، زرعت كوريا الشمالية الذرة في جميع المناطق بشكل موحد دون مراعاة لظروف التربة أو الطقس. ولكن من الصعب إنتاج كمية كبيرة من الذرة في المناطق الجبلية. ولحل مشكلة الغذاء، نقلت كوريا الشمالية أراضي المحاصيل إلى المواقع المثلى مع مراعاة الخصائص الجغرافية. واستخدمت منطقة "ديه هونغ دان" كمركز لثورة البطاطس. وبعد أن صنفت كوريا الشمالية مقاطعة "ريانغ كانغ" على أنها "مقاطعة البطاطس"، أرسلت علماء ومهندسين إليها لإجراء بحوث زراعية هناك. كما تم نشر ألف جندي لدعم الزراعة في تلك المنطقة. بهذه الطريقة أصبحت "ديه هونغ دان" مركزا لإنتاج البطاطس في كوريا الشمالية، لدرجة أنها ألهمت البعض لإنتاج أغنية للأطفال.

يوجد في مقاطعة "ريانغ كانغ" 57% من إجمالي مساحة حقول البطاطس في كوريا الشمالية. وقد أنشأت الدولة شعارا سياسيا يسمى "روح ديه هونغ دان"، للإشارة إلى جهود المزارعين ومثابرتهم وبالتالي المساهمة في زيادة الإنتاجية. أيضا، ركزت افتتاحيات الصحف المشتركة للعام الجديد في عام 2001 في كوريا الشمالية على ضرورة الاعتماد على الذات والجهود الكبيرة لحل المشاكل في القطاع الزراعي، مع وصف البطاطس كمكون غذائي مهم. ويتم الاحتفاظ بالبطاطس المنتجة محليا طازجة لفترة أطول من خلال إجراء معالجة ثانوية، حيث يتم إنتاج مسحوق البطاطس في مصانع في منطقة "سام جي يون" ومنطقة "ديه هونغ دان"، ثم تطويره إلى أغذية مصنعة. ويشرح التلفزيون الحكومي في كوريا الشمالية وصفات لاستخدام مسحوق البطاطس. 

هناك أنواع مختلفة من أطباق البطاطس في كوريا الشمالية. وهناك كتاب بعنوان "طعام البطاطس" نُشر في عام 1991 يقدم حوالي 80 نوعا مختلفة من أطباق البطاطس، بما في ذلك المعكرونة والفطائر والحساء والوجبات الخفيفة المقرمشة والحلوى. 

تظهر أطعمة البطاطس المتنوعة في مسابقات الطهي الوطنية. وتركز كوريا الشمالية أيضا على شرح الفوائد الصحية والغذائية للبطاطس. وفي الآونة الأخيرة، ظلت كوريا الشمالية تشيد بالبطاطس كغذاء صحي، ولكن قد يعني هذا الترويج المفرط أن الوضع الغذائي لديها قد صار أسوأ.

"جو تشونغ هي 조충희":

تواجه كوريا الشمالية صعوبة في استيراد المواد الغذائية والمواد الزراعية مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية من الصين والدول الأخرى، بسبب إجراءات الإغلاق المتعلقة بفيروس كورونا، كما تعرضت البلاد أيضا لعقوبات دولية مطولة. لقد كان محصول كوريا الشمالية ضعيفا في العام الماضي، لذلك يبدو أنها في وضع صعب للغاية الآن. بالتالي فقد أكدت كوريا الشمالية مرة أخرى على زراعة البطاطاس، في خطوة واضحة لحل مشكلة نقص الغذاء الحالية.

توفي الكثير من الناس جوعا في بعض مناطق كوريا الشمالية بسبب إغلاق الحدود في مواجهة فيروس كورونا. ومع تفاقم الوضع الغذائي، تشدد كوريا الشمالية على زيادة إنتاج الغذاء ضمن أبرز مهامها الاقتصادية هذا العام. ولأن البطاطس كانت تظهر في الأوقات الصعبة كحل عملي لمثل تلك المشاكل، فقد بدأت تظهر مؤخرا أيضا للمساعدة على التغلب على المشكلة الغذائية الخطيرة التي تواجهها كوريا الشمالية.