ⓒ KBS News
هذه الأيام تجتاح العالم حمى الجري، فعلى سبيل المثال، استقطب ماراثون لندن الخامس والأربعون في الشهر الماضي حوالي 56 ألف مشارك. وفي كوريا الجنوبية، حيث يُقدر عدد السكان الذين يمارسون رياضة الجري بحوالي 5 ملايين نسمة، تُقام فعاليات ماراثون كل أسبوع تقريبا في جميع أنحاء البلاد. فهل ينتشر هذا الاتجاه أيضا في كوريا الشمالية؟
في يوم 6 أبريل الماضي، أقيم ماراثون بيونغ يانغ الدولي في ساحة "كيم إيل سونغ" في العاصمة الكورية الشمالية.
استقطب هذا الحدث أكثر من 200 عداء من 46 دولة وقد شملت الفعالية مجموعة متنوعة من مسافات السباق، بما في ذلك سباقات الماراثون الكامل للرجال والنساء، وسباقات نصف الماراثون، وسباقات العشرة كيلومترات والخمسة كيلومترات. وحقق رياضيو كوريا الشمالية الفوز في فئتي الماراثون الكامل ونصف الماراثون. وفي فئة الهواة، فاز رياضيون يمثلون بولندا وهونغ كونغ بالمرتبة الأولى. وجمعت مسابقة الماراثون بين هواة الجري من مختلف البلدان والمناطق في جميع أنحاء العالم، وكانت هذه المسابقة أول حدث دولي يقام في بيونغ يانغ منذ 6 سنوات.
"هو جونغ بيل 허정필" الأستاذ الباحث في معهد الدراسات الكورية الشمالية بجامعة "دونغ غوك":
من عام 2020 إلى عام 2022، لم تتمكن كوريا الشمالية من تنظيم فعاليات الماراثون الدولية لأنها أغلقت حدودها بسبب جائحة كورونا وكافحت لتجاوز الأزمة من خلال تدابير الاعتماد على الذات. وفي عام 2023، ظلت كوريا الشمالية غير قادرة على استضافة مثل هذا الحدث، لأنها كانت تركز في المقام الأول على جهود التعافي بعد الجائحة ومشاركتها في دورة الألعاب الآسيوية في "هانغتشو". وبالمثل، في عام 2024، غابت الأحداث الرياضية الدولية عن أجندة كوريا الشمالية، ويرجع ذلك أساسا إلى المشهد السياسي الداخلي المتغير الناجم عن موقفها العدائي المتزايد تجاه كوريا الجنوبية وتوطيد علاقاتها مع روسيا. وعلاوة على ذلك، ومع اقتراب موعد دورة الألعاب الأولمبية في باريس، أعطت كوريا الشمالية الأولوية للتحضير لهذا الحدث الرياضي المهم، مما أدى فعليا إلى إرجاء حدث الماراثون الخاص بها. ولكن من النصف الأخير من عام 2024، بدأت كوريا الشمالية في دعوة المشاركين في ماراثون بيونغ يانغ الدولي لعام 2025، الذي أقيم في نهاية المطاف في أبريل الماضي.
كانت آخر مرة استضافت فيها كوريا الشمالية حدث الماراثون الدولي في بيونغ يانغ في عام 2019.
وقد شارك حوالي 900 شخص في سباق الماراثون لعام 2019. لكن كوريا الشمالية علّقت المنافسة بدءا من عام 2020، بسبب جائحة كورونا. وفي أوائل هذا العام، قدمت وكالة "كوريو تورز"، وهي وكالة سفر مقرها الصين متخصصة في الجولات السياحية في كوريا الشمالية، باقة سفر لمدة 6 أيام تجمع بين المشاركة في مسابقة الماراثون وجولة في شارع "هوا سونغ".
تضمنت الجولة التي استغرقت 6 أيام العديد من المواقع البارزة في بيونغ يانغ، بما في ذلك حديقة "مون سو" المائية، ومطعم "أوك ريو غوان" الشهير، وشارع "هوا سونغ" الذي تم تشييده حديثا، ومزرعة "كانغ دونغ غرينهاوس" التي تفتخر بها كوريا الشمالية. وشملت هذه الوجهات معالم سياحية تم الانتهاء من تشييدها خلال فترة جائحة كورونا ولم يستكشفها الزوار الأجانب.
كان مسار الماراثون مختلفا أيضا عن المسار المتبع في السنوات السابقة حتى عام 2019. فقد مر المتسابقون بمعالم مهمة ترمز إلى عهد "كيم جونغ أون"، مثل "شارع ميريه للعلماء"، وهو مجمع سكني كبير في وسط مدينة بيونغ يانغ تم تطويره لأول مرة بعد تولي "كيم جونغ أون" السلطة، و"مستشفى بيونغ يانغ العام" الذي تم الانتهاء منه مؤخرا.
يُنظر إلى استئناف مسابقة الماراثون الدولي بعد 6 سنوات على أنه محاولة متعمدة من كوريا الشمالية لتصوير نفسها كدولة طبيعية وعادية، حيث تسعى من خلال عرض شوارعها التي تم الاعتناء بها جيدا، للمشاركين الأجانب، إلى تسليط الضوء على قدرتها على الصمود وإبراز صورة مجتمع تقدمي نابض بالحياة. وتفيد التقارير بأن المتسابقين الأجانب الذين شاركوا في هذا الحدث أعربوا عن دهشتهم الحقيقية من أن بيونغ يانغ كانت أكثر حداثة مما كانوا يتوقعون. وقد برزت جهود البلاد لتحسين صورتها الدولية بدرجة أكبر من خلال تغيير اسم المسابقة.
ظل ماراثون بيونغ يانغ الدولي، الذي كان يسمى في الأصل ماراثون جائزة "مان كيونغ ديه" الدولي، حدثا سنويا في منتصف أبريل منذ عام 1981، بمناسبة الاحتفال بذكرى ميلاد "كيم إيل سونغ".
منذ أن فتحت مسابقة الماراثون أبوابها للمشاركين الدوليين في عام 2014، انضم عدد متزايد من العدائين الأجانب إلى السباق. ويقدم هذا الحدث تجربة استثنائية حقا، حيث يوفر للمشاركين فرصة نادرة للركض عبر بيونغ يانغ، وهي مدينة لا يمكن لمعظم المسافرين الدوليين الوصول إليها عادة. ومن خلال إعادة تسمية الحدث هذا العام ليعكس التسميات العالمية، يبدو أن كوريا الشمالية تستخدم الماراثون كفرصة للترويج لنظامها والانخراط في مجال السياحة، الذي لا يزال غير متأثر إلى حد كبير بالعقوبات الدولية. وفي العام الماضي، لفتت الأنظار بطولة آسيا لتنس الطاولة عندما فاز الرياضي الكوري الشمالي "كيم كوم يونغ" بلقب الفردي، وهو أول فوز للبلاد في البطولة. ومن المقرر أن تستضيف بيونغ يانغ دورة عام 2028 من هذه البطولة. وكانت آخر بطولة دولية لتنس الطاولة أقيمت في كوريا الشمالية هي بطولة العالم لتنس الطاولة في بيونغ يانغ عام 1979. وإذا أقيمت بطولة 2028 كما هو مخطط لها، فستكون أول مسابقة كبرى لتنس الطاولة تقام في كوريا الشمالية منذ 49 عاما. فما الذي يدفع الدولة الشيوعية إلى إعادة الانخراط في المشهد الرياضي الدولي؟
"هو جونغ بيل":
أولا، يركز "كيم جونغ أون" على ترسيخ قيادته. فبعد صعوده إلى السلطة، كان أول إنجاز مهم له هو حصول كوريا الشمالية على المركز العشرين في الترتيب العام للميداليات في أولمبياد لندن. وبالنسبة للزعيم الكوري الشمالي، الذي كانت قاعدته السياسية ضعيفة إلى حد ما في الفترة الأولى من حكمه، كان لهذا النجاح المبكر في الرياضة دور حاسم في ترسيخ قيادته. وبالاستفادة من هذه التجربة، استخدم الرياضة استراتيجيا كعرض للإنجاز عندما جعلت التحديات السياسية والاقتصادية من الصعب إظهار الإنجازات الملموسة. ثانيا، تسعى كوريا الشمالية إلى تصوير "كيم جونغ أون" على أنه زعيم لدولة طبيعية. فبعد استيلائه على السلطة في عام 2012، أكمل إعادة تنظيم النظام حول نفسه وعقد مؤتمرا حزبيا في عام 2016. وفي ذلك الوقت، أكد أن كوريا الشمالية دولة طبيعية، وأنه، بصفته زعيمها، سيحدد أهدافا خمسية للتنمية الوطنية. ومع ذلك، ظل المجتمع الدولي غير مقتنع بتأكيدات كوريا الشمالية بأنها دولة طبيعية وبخططها التنموية، وذلك بسبب الخطر الجسيم الذي تشكله القدرات النووية للبلاد. وفي وقت لاحق، استغلت كوريا الشمالية مشاركتها في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في "بيونغ تشانغ" 2018 وفريق الشمال والجنوب الموحد في الأولمبياد للترويج للنظام والزعيم. وذهبت إلى حد الدفع باتجاه عقد قمة مع الولايات المتحدة.
أصبح "كيم جونغ أون" زعيما وهو في السابعة والعشرين من عمره فقط، بعد وفاة والده "كيم جونغ إيل" في ديسمبر 2011. وفي عام 2012، وهو العام الذي تولى فيه السلطة رسميا، وضع الأساس لقيادته الهشة في البداية من خلال استغلال أداء الرياضيين الكوريين الشماليين في أولمبياد لندن.
فازت كوريا الشمالية بـ3 ميداليات ذهبية في رفع الأثقال وواحدة في الجودو في أولمبياد لندن، مسجلة أنجح أداء أولمبي لها منذ دورة ألعاب برشلونة 1992. وأثار هذا الإنجاز المتميز فخرا وطنيا هائلا بين مواطني كوريا الشمالية.
بعد مشاركة كوريا الشمالية في دورة الألعاب الشتوية في "بيونغ تشانغ" في عام 2018، اغتنم "كيم جونغ أون" الفرص الدبلوماسية من خلال المشاركة في القمم بين الكوريتين والقمة التاريخية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. وفي الواقع، ظل يسعى لإنشاء "قوة رياضية" كأحد الأهداف الوطنية الرئيسية منذ الفترة الأولى من حكمه.
"هو جونغ بيل":
أولا، أصدر "كيم جونغ أون" تعليمات للمسؤولين بضمان تحسين الرعاية والدعم للرياضيين. وخضعت قرية "آن غول" الرياضية في كوريا الشمالية، التي تشبه مركز التدريب الوطني في كوريا الجنوبية، لعملية تجديد شاملة. وكان الغرض من ذلك هو تطوير مرافق التدريب وتحفيز الرياضيين على تقديم أداء أفضل في مثل هذه البيئة الجيدة.
ثانيا، تم منح الرياضيين من الدرجة الأولى ألقابا مرموقة مثل "البطل الرياضي" بالإضافة إلى امتيازات مختلفة. وكانت هذه السياسة تهدف إلى إلهام الرياضيين من خلال إظهار أن التدريب الجاد يمكن أن يرفع من مكانتهم الاجتماعية ويمكّنهم من الارتقاء إلى مناصب أعلى. وأخيرا، عزز النظام ثقافة النشاط البدني والرياضة في الحياة اليومية. فقد أوجد مساحات للمواطنين العاديين لممارسة الرياضة الترفيهية وحسّن البيئة العامة حتى يهتم الناس بالرياضة على جميع المستويات على أمل أن يخرج منهم رياضيون متميزون.
بدءا من عام 2012 بافتتاح ساحة بيونغ يانغ الشعبية للتزلج على الجليد في الهواء الطلق، عملت كوريا الشمالية باضطراد على تطوير البنية التحتية الرياضية وبذل جهود لرعاية المواهب الرياضية، كما أرسلت لاعبي كرة القدم الشباب الواعدين للدراسة والتدريب في مراكز كرة القدم القوية، مثل إيطاليا وإسبانيا. وقد تمت مكافأة الرياضيين الذين تميزوا في المسابقات الدولية بسخاء بشقق فاخرة في وسط مدينة بيونغ يانغ.
الأنشطة الرياضية للسكان منصوص عليها في القانون، ويتم اكتشاف الرياضيين الواعدين من خلال توسيع نطاق المشاركة الشعبية. وعلى خلفية هذه السياسات الرياضية، يحقق الرياضيون الكوريون الشماليون خطوات ملحوظة في المسابقات الدولية.
"هو جونغ بيل":
برزت كرة القدم النسائية مؤخرا كواحدة من أكثر الرياضات شعبية في كوريا الشمالية. وفي عام 2024، فاز منتخب كوريا الشمالية بلقب كأس العالم لكرة القدم للسيدات تحت 17 سنة بفوزه على إسبانيا بركلات الترجيح. ويجسد هذا الفوز كيف تستفيد كوريا الشمالية من الإنجازات الرياضية لتعزيز صورتها الدولية وتعزيز فخرها المحلي. وأيضا، في دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في "هاربين" في عام 2025، واصلت كوريا الشمالية استعراض براعتها الرياضية عندما فاز "ريوم تيه أوك" و"هان كوم تشول" بميدالية فضية في الحدث الزوجي للتزلج على الجليد.
استخدم نظام "كيم جونغ أون" الرياضة بصورة استراتيجية كأداة لتحسين صورته المعزولة في المجتمع الدولي وتعزيز الوحدة الداخلية. والآن، ذهبت كوريا الشمالية إلى أبعد من ذلك من خلال استضافة الأحداث الرياضية الدولية، مستخدمة الرياضة كأداة دعائية ووسيلة لتحسين صورتها الوطنية. ومع ذلك، من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الجهود سوف تؤدي إلى التأثير المقصود أم لا.