ⓒ KBS Newsالحرب بين إيران وإسرائيل، التي جعلت العالم بأسره في حالة ترقب شديد، انتهت أخيرا بوقف لإطلاق النار. ففي يوم 23 يونيو، أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أن إسرائيل وإيران توصلتا إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار، مما يشير إلى نهاية الصراع المسلح المكثف بين البلدين الذي استمر لمدة 12 يوما. وتتجه الأنظار الآن إلى الخطوات التالية للنظام الكوري الشمالي، الذي شاهد الغارات الجوية الأمريكية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية.
ألقى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" خطابا وطنيا في الساعة 10 من مساء يوم 21 يونيو، قال فيه:
أكد "ترامب" رسميا الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية. وقد نُفذت تلك الضربات العسكرية على شكل هجوم مفاجئ.
في الساعات الأولى من صباح يوم 21 يونيو، شنت القوات العسكرية الأمريكية ضربة دقيقة ضد قلب البنية التحتية النووية الإيرانية، مستهدفة المنشآت الرئيسية في كل من "فوردو" و"نطنز" و"أصفهان"، باستخدام قاذفات قنابل شبحية من طراز "بي-2"، والقنابل المدمرة للمخابئ التي يمكنها أن تصيب بدقة أهدافا مدفونة بعمق، بحيث يمكن لقنبلة واحدة أن تخترق وتدمر المخابئ أو المنشآت النووية على عمق يصل إلى 60 مترا تحت الأرض. وعلى الرغم من أن إيران أشارت في البداية إلى أنها سترد، إلا أنها اختارت في النهاية وقف النزاع المسلح مع إسرائيل. ويفسر المجتمعُ الدولي هذه النتيجة على أنها استسلام عملي من جانب إيران، التي وجدت نفسها في مأزق. والآن، تتجه أنظار العالم نحو كوريا الشمالية. سنحلل اليوم تداعيات الضربات العسكرية الأمريكية ضد إيران على شبه الجزيرة الكورية مع "مون صونغ موك" رئيس مركز استراتيجيات التوحيد، في معهد الأبحاث الكوري للاستراتيجيات الوطنية.
"مون صونغ موك" رئيس مركز استراتيجية التوحيد في معهد الأبحاث الكوري للاستراتيجية الوطنية:
تعمل الولايات المتحدة بسياسة عدم انتشار الأسلحة النووية بهدف منع انتشارها. ومن هذا المنطلق، تشعر الولايات المتحدة بقلق خاص إزاء احتمال حصول إيران على أسلحة نووية، لأن إيران لها تاريخ في دعم الإرهاب وإثارة الصراعات في الشرق الأوسط. وترى الولايات المتحدة أن حصول مثل هذا البلد على أسلحة نووية قد يؤدي إلى عواقب كارثية. وبالحديث عن كوريا الشمالية في هذا السياق، فقد انضمت في البداية إلى معاهدة عدم الانتشار النووي، لكنها انتهكت لاحقا الاتفاقيات الدولية وطورت أسلحة نووية. وبطبيعة الحال، يبدو أن التركيز على معالجة التهديدات النووية يتحول الآن من المنشآت النووية الإيرانية إلى منشآت كوريا الشمالية.
دأبت إدارة "ترامب" عموما على الدعوة إلى اتباع نهج غير تدخلي في النزاعات الدولية. ومع ذلك، فإن قرار شن ضربات عسكرية مباشرة يكشف عن التزام قوي بمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، على الرغم من المخاوف من توسع الحرب. كما يُفسر ذلك الإجراء المفاجئ الذي اتخذته الولايات المتحدة ضد المواقع النووية الإيرانية على أنه تحذير لكوريا الشمالية. وفي مارس 2024، أشار "رافائيل غروسي" المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى وجود علامات تشير إلى استمرار تشغيل منشآت "يونغ بيون" النووية في كوريا الشمالية.
وفي يونيو أيضا، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها تراقب بناء مبنى جديد في "يونغ بيون" له أبعاد وخصائص مشابهة لمحطة التخصيب في "كانغ سون". إذن، إلى أي مدى تطور برنامج كوريا الشمالية النووي؟
"مون صونغ موك":
كوريا الشمالية لديها بالفعل أسلحة نووية. وهناك طريقتان لصنع الأسلحة النووية. إحداهما هي قنبلة البلوتونيوم، التي يتم إنتاجها عن طريق إعادة معالجة الوقود النووي المستهلك من مفاعلات الماء الخفيف. والأخرى هي قنبلة اليورانيوم، التي يتم إنتاجها عن طريق التخصيب العالي لليورانيوم الطبيعي. وتمتلك كوريا الشمالية بالفعل القدرة على إنتاج مواد لصنع رؤوس نووية تعتمد على البلوتونيوم واليورانيوم. وقد أجرت 6 تجارب نووية، ومن المعروف أنها وصلت إلى تصغير الرؤوس النووية وتمتلك أسلحة نووية تكتيكية. وفي المقابل، لم تصنع إيران حتى الآن أي قنبلة نووية، وهي تسعى حاليا للحصول على المواد النووية اللازمة لتطوير أسلحة نووية. ولصنع قنبلة نووية، يجب تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% تقريبا. وقد حصلت إيران على حوالي 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، ويمكن تخصيبه إلى 90% في غضون أسابيع قليلة. وتشير بعض التقديرات إلى أن هذا قد يمكّن إيران من إنتاج 10 أسلحة نووية أو أكثر تعتمد على اليورانيوم المخصب.
زار الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" منشأة لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب في يناير، بعد أن قام بتفقد منشآت مماثلة في سبتمبر من العام الماضي.
لم تكشف وسائل الإعلام الكورية الشمالية عن الموقع المحدد لمنشأة إنتاج اليورانيوم، لكن المجتمع الدولي يعتقد أن "يونغ بيون" في مقاطعة شمال "بيونغ آن" ومجمع "كانغ سون" النووي بالقرب من بيونغ يانغ هما الموقعان الرئيسيان للبنية التحتية النووية لكوريا الشمالية.
تعد "يونغ بيون" رمزا قويا لقدرات كوريا الشمالية النووية. وإلى جانب نهجها التقليدي في إعادة معالجة البلوتونيوم لتطوير الأسلحة النووية، تنتج منشآت "يونغ بيون" أيضا اليورانيوم عالي التخصيب. ويُعتقد أن مجمع "كانغ سون" الذي تم الكشف عنه مؤخرا يضم منشآت لتصنيع اليورانيوم عالي التخصيب. وفي تقريره السنوي لعام 2025، قال معهد "ستوكهولم" الدولي لأبحاث السلام، إن كوريا الشمالية تمتلك حوالي 50 رأسا نووية، حيث تتفوق قدراتها النووية بكثير مقارنة بإيران التي لا تمتلك حاليا أي أسلحة نووية. فهل سيكون القرار العسكري الأخير الذي اتخذته الولايات المتحدة ضد إيران قابلا للتطبيق بنفس القدر على المنشآت النووية الكورية الشمالية؟
"مون صونغ موك":
من وجهة نظر الولايات المتحدة، هناك اختلاف كبير بين إيران وكوريا الشمالية. نظرا لأن كوريا الشمالية تمتلك بالفعل أسلحة نووية، فإن شن ضربات على المنشآت النووية الكورية الشمالية يمكن أن يُفسر على أنه يعادل نشر أسلحة نووية. وعلى عكس إيران، تتمتع كوريا الشمالية بمشاركات قوية مع كل من الصين وروسيا. ولذلك، فإن أي عمل عسكري ضد كوريا الشمالية سيترتب عليه مخاطر لا حصر لها. ويضيف القرب الجغرافي لكوريا الجنوبية واليابان طبقة أخرى من التعقيد، مما يجعل التدخل العسكري المباشر محفوفا بمخاطر شديدة. لهذه الأسباب، من المرجح أن تعطي الولايات المتحدة أولوية للحلول الدبلوماسية عند معالجة القضية النووية الكورية الشمالية.
هكذا يبدو أنه من المستبعد جدا أن تشن الولايات المتحدة هجوما استباقيا على المنشآت النووية الكورية الشمالية كما فعلت مع إيران، على الأقل في المرحلة الحالية. ومع ذلك، لا يمكن لكوريا الشمالية أن تتجاهل ببساطة الإجراءات القوية غير العادية التي تنفذها الولايات المتحدة.
خلال حملته الرئاسية، وصف "ترامب" كوريا الشمالية بأنها "قوة نووية" واقترح استئناف الحوار والمفاوضات معها.
حتى بعد بدء ولايته الثانية، شدد "ترامب" مرارا وتكرارا على التواصل مع "كيم جونغ أون". ومع ذلك، تواجه كوريا الشمالية حاليا واقعا يتعين عليها فيه مواجهة أمريكا جديدة قادرة على ضرب المنشآت النووية. وهذا يعني أنه من المرجح أن تفسر كوريا الشمالية الضربات الجوية الأمريكية ضد إيران بأنها تهديد عسكري وقائي، مما يجعلها ذريعة مقنعة لتسريع تطوير أسلحتها النووية.
أثار تعميق العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا مخاوف كبيرة داخل المجتمع الدولي. وفي يونيو 2024، وقعت الدولتان معاهدة المشاركة الاستراتيجية الشاملة خلال زيارة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إلى كوريا الشمالية.
يشير هذا التطور إلى أن كوريا الشمالية قد تعمل على تطوير قدراتها النووية بسرعة من خلال الحصول على تقنيات أسلحة متطورة من روسيا، بما في ذلك تقنية العودة إلى الغلاف الجوي للصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي يمكن أن تصل إلى الأراضي الأمريكية، وكذلك الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية. وإذا عززت كوريا الشمالية ردعها ضد الولايات المتحدة من خلال تعاون أوثق مع روسيا، فقد يصبح الحوار بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة أكثر صعوبة.
"مون صونغ موك":
فيما يتعلق بإمكانية دخول كوريا الشمالية في حوار مع الولايات المتحدة، أعتقد أن ذلك يبدو غير مرجح في المستقبل القريب. في الواقع، حاول "كيم جونغ أون" إيجاد انفراجة من خلال إجراء محادثات مع الولايات المتحدة في عام 2018، عندما كان في حالة يأس شديد. وفي مواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة في ذلك الوقت، كانت استراتيجيته هي مقابلة "ترامب"، وتقديم تنازلات نووية جزئية، والسعي إلى رفع العقوبات بالكامل. لكن الخطة فشلت في النهاية. وفي أعقاب هذه النكسة الدبلوماسية، اختار "كيم جونغ أون" تعزيز العلاقات مع روسيا. ومن خلال عقد قمم ثنائية مع "بوتين"، حصل "كيم" على دعم روسيا لكوريا الشمالية، بينما قدم الدعم لروسيا أيضا. وقد قلل هذا الوضع من حاجته الملحة للتفاوض مع الولايات المتحدة. والآن ربما يعتقد أنه لن يجني الكثير حتى لو التقى بـ"ترامب" مباشرة.
في يوم 12 يونيو 2018، عقدت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية قمتهما التاريخية الأولى ووقعتا بيانا مشتركا. ومنذ ذلك الحين، ظلت العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة متوترة بسبب الفشل في تضييق الخلافات حول نطاق نزع السلاح النووي لبيونغ يانغ وتخفيف العقوبات من قبل واشنطن. وخلال إحاطة إعلامية دورية يوم 24 يونيو، كررت وزارة الخارجية الأمريكية التزام الولايات المتحدة بنزع السلاح النووي بالكامل من كوريا الشمالية. ومع تزايد تعقيد احتمالات تحقيق نزع السلاح النووي من خلال المفاوضات الدبلوماسية، أصبح دور الحكومة الكورية الجنوبية مهما.
"مون صونغ موك":
أعتقد أن الحكومة الكورية الجنوبية الحالية قد حددت المسار الصحيح بتأكيد التزامها بتعزيز التعاون الأمني مع الولايات المتحدة واليابان، القائم على التحالف بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على علاقات جيدة مع الدول المجاورة. ومن المهم إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة وبذل جهود دؤوبة لتشجيع كوريا الشمالية على الجلوس إلى طاولة الحوار. ونظرا لأن الولايات المتحدة تسعى إلى استئناف الحوار مع كوريا الشمالية، يتعين على كوريا الجنوبية أن تستعد لأي محادثات محتملة، مع وضع استراتيجيات استباقية بالتشاور الوثيق مع الولايات المتحدة.
من المتوقع أن تؤثر الضربات الجوية الأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية على الوضع الأمني في شبه الجزيرة الكورية. وإذا دفعت هذه الخطوة كوريا الشمالية إلى المزيد من التركيز على برنامجها النووي، فقد يتصاعد التوتر الإقليمي بدرجة أكبر. ومع ذلك، نظرا للوضع الجيوسياسي المعقد في شبه الجزيرة الكورية، فإن هناك احتمالا قويا بأن تسعى الولايات المتحدة إلى استئناف الحوار مع كوريا الشمالية. وقد حان الوقت الآن لوضع استراتيجية دقيقة لنزع السلاح النووي من أجل تحقيق تحول جذري في عملية بناء السلام في المنطقة.