الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

عام "حلو مر" :

2017-12-26

سيول بانوراما

عام "حلو مر" :
العام 2017 كان عاما مختلف عن الكثير من غيرة من الأعوام التي عاشتها كوريا الجنوبية في تاريخها المعاصر، فقد بدأ العام مرا مرير بل شديد المرارة بسبب إن الأشهر الأولى من العام كانت امتداد بشكل أو بآخر للأزمة الطاحنة الداخلية الطاحنة التي عاشتها البلاد في النصف الثاني من عام 2016 بسبب تلك الفضيحة الرئاسية المدوية التي هزت أركان البلاد وعرضت استقرارها وكل ما حققت من تطور ونماء للخطر. أطاحت تلك الأزمة بالرئيسة بارك كون هاي التي كان الشعب الكوري قد انتخبها رئيسة للبلاد بأغلبية جيدة كأول امرأة في التاريخ الكوري بل في منطقة شمال شرق آسيا بأسرها تصل إلى سدة الرئاسة في منطقة اشتهرت بتراثها البوذي الكونفوشي الذكوري المتعصب الذي يعتبر المرأة كائنا ثانويا خاضعا للرجل. اعتبر الكثيرون ذلك نصرا وتجسيدا لتجذّر وتعمق الديمقراطية في كوريا غير أن التصرف الأحمق الأرعن للرئيسة جعل الشعب يعتبر إن ما قامت به هو استهتار بقيّم الديمقراطية والحرية فهبّ هبة قوية أطاحت بالرئيسة وعزلتها وجعلت من الأميرة المحبوبة المدللة للكثيرين مجرد حطام ما يزال قابعا خلف القضبان. وكان من أبرز قادة وزعماء تلك الانتفاضة العاصفة الزعيم والقائد اللبرالي المعارض مون جي إن وهو ما مهد وفتح الطريق أمامه ليصل لسدة الحكم في كوريا عبر انتخابات مبكرة حقق فيها مون فوز سهلا وساحقا على عدد من منافسيه في انتخابات حرة نزيهة بشهادة العالم بأجمع. جاء مون لمنصب الرئاسة في ظروف شديدة الصعوبة داخليا وخارجيا. داخليا كان للفراغ السياسي والغياب القيادي الذي عاشته البلاد على مر عدة أشهر ظلت تخضع فيها الرئيسة للتحقيق والتحري، واستمر سيل المظاهرات والمواكب الهادرة التي ظلت تملأ كل ساحات وميادين المدن الرئيسية في كوريا منادية بإقالة الرئيسة. كل تلك أشياء كان لها تداعيات سياسية وأزمات اقتصادية داخلية. وعلى المستوى الخارجي استمرت التحرشات والاستفزازات والتجارب والتهديدات الكورية الشمالية النووية والصاروخية بشكل مزعج حتى وصل الأمر إلى نزر حرب ومواجهة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية مما خلق وضع مضطربا في شبه الجزيرة الكورية. وما زاد الطين بلة إن بدء عهد الرئيس مون تزامن مع بدء عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بكل تقلباته المزاجية وتصرفاته التي لا تخضع للتوقعات السليمة، والذي جرت على لسانه الكثير من التصريحات التي سببت ازعاجا لكوريا الجنوبية قيادة وشعبا، وتحدث عن نيته في اتخاذ اجراءات بخصوص العلاقات الاقتصادية مع كوريا الجنوبية ومراجعة اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين وكلها أشياء قد تكون لها انعكاسات سيئة على الاقتصاد الكوري المرتبط لحد كبير ارتباطا عضويا بالاقتصاد الأمريكي. ومن جانب آخر أدار الجار والشريك الاقتصادي الأكبر لكوريا الجنوبية وهو الصين أدار ظهر المجن عندما فجّر غضبه على قبول كوريا الجنوبية استضافة منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكي "ثاد" على أراضيها وهدد باتخاذ اجراءات انتقامية عقابية اقتصادية على كوريا الجنوبية وفعلا شرعت في ذلك حيث أوقفت الصين أفواجها السياحية التي كانت تتدفق على كوريا الجنوبية مما أصاب القطاع السياحي الكوري في مقتل، وتوجهت الصين كذلك لمنع ووقف انتشار الفعاليات الفنية والثقافية والتي تعرف باسم الهاليو أو الموجة الكورية وهو الاسم الذي ظل يطلق على المحتويات الفنية والثقافية الكورية الجنوبية الكبيرة من أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية وأعمال فنية متنوعة ومتعددة لفرق موسيقية وفنانين وفنانات ونجوم حققوا في الصين درجات عالية من التوهج والنجومية والشعبية والجماهيرية وصارت لهم قواعد معجبين ضخمة في الصين وهو أمر كانت له الكثير من الانعكاسات على كافة الأصعدة الأخرى من اقتصادية وتجارية وثقافية وسياحية وسياسية وغيرها. كانت تلك مجرد غيض من فيض وقليل من كثير من الأشياء التي تراكمت في الجزء الأول من العام 2017 وشكلت ما يشبه الأزمة الممكنة المحتملة، غير أن الرئيس الجديد مون وحكومته نجحا لحد كبير في التعامل مع تلك الأزمات، وبالطريقة التي درجت عليها كوريا طوال ازماتها ومشكلاتها السابقة في العهد الديمقراطي الأخير من تحويل كل أزمة إلى فرصة وكل محنة إلى منحة. كانت تلك هي بعض أهم الملامح الرئيسية لعام 2017 في كوريا، وربما نتعرض لبقية حصاد العام في الحلقة المقبلة إذا أمد الله في الآجال.
هناك مشروب تقليدي منعش في بعض الدول العربية والإسلامية وخاصة السودان يتم تناوله في شهر رمضان بالذات ويعرف باسم " حلو مر". وقد سمي بذلك الاسم لأن شهر رمضان كثيرا ما يتم صومه وسط جو حار قائظ وشمس محرقة وهجير مما يجعل الصيام صعبا ومضنيا ويكون العطش فوق الاحتمال، وما أن يحل موعد الافطار حتى يتدافع الجميع لشرب ذلك المشروب المنعش الذي يروي الغليل. وهكذا يمكن وصف العام 2017 الذي بدأ في كوريا بداية ساخنة صعبة وانتهى بشيء من الانفراج والانتعاش بأنه كان عام " حلو مر".

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;