الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

بس وكفاية غدر يا بحر:

2018-08-28

سيول بانوراما

ⓒ KBS

البحر وكل الأجسام المائية الأخرى من محيطات وبحيرات وأنهار وواحات وينابيع هي دائما كائنات ترمز للعطاء الجزيل والكرم الفياض لكل الشعوب والأماكن والمناطق والبلاد التي تطل عليها وتجاورها وتتاخمها وتتخللها ومن بينها كوريا التي ظلت على امتداد تاريخها تحمل ما يحصى ولا يعد من عرفان وجمائل لما يحيط بها من بحار وما يتخللها  من  أنهار، غير ان كوريا نفسها تعرضت قبل بضعة أعوام لحادث غدر بحري فظيعة وزلزلها زلزلة واهتزت له أوصالها هزا وذلك عندما ابتلع البحر السفينة "سيوال" وعلى متنها مئات الأطفال من تلاميذ المدارس.

ولأن العالم صار مثل قرية صغيرة فقد شاهدت عبر برنامج تلفزيوني كوري تغطية مؤثرة  لتفاصيل ذلك الحادث المأسوي الذي شهدته قرية صغيرة وادعة في شمال السودان والذي أعاد لهم تلك الذكرى المأسوية المؤلمة والمفجعة التي عاشتها كوريا قبل بضعة أعوام وذلك من خلال تكرر الحادث مع اختلاف طفيف في التفاصيل عندما ابتلع نهر النيل قاربا يحمل العشرات من تلاميذ وتلميذات القرية في طريقهم إلى مدارسهم في الضفة الأخرى لنهر النيل ومن بينهم خمسة شقيقات لأم ثكلى، وثلاثة أشقاء لأب آخر مفجوع مصدوم. وكما أثار غرق السفينة الكورية ومازال يثير زلزالا من الأحزان وفيضا من الدموع  كل عام عند مرور ذكرى الحادث الأليم الذي كنت قد تابعته هنا على الطبيعة، فقد شاهدت كذلك صورا متشابهة ومواقف متماثلة تكاد أن تكون طبق الأصل ، من خلال متابعاتي للتغطية الحية والمصورة للحادث المأسوي المروع في تلك القرية الحزينة على ضفة نهر النيل. 

كانت مشاهد تبدو وكأنها معادة ومتكررة مع اختلاف الملامح والخلفية الجغرافية. مشاهد آباء وأمهات الضحايا من التلاميذ والطلاب وهم يفترشون الشواطئ والسواحل المتاخمة في انتظار معجزة قد تعيد لهم أطفالهم الغرقى. صور ومشاهد درامية باكية تضمنت شهادات وإفادات لآباء وأمهات وأشقاء وشقيقات وأصدقاء وأصحاب وهم يسترجعون تفاصيل الحادث وكيف مرت تلك الأيام الصعبة، وما تركت من أحزان غائرة وجراح عميقة لم ولن تندمل .  مشهد جدة عجوز تنهمر الدموع كالأمواج  فوق وجهها المتغضن، وجد محزون تخرج منه الكلمات واهنة متحشرجة  وسط نواح الطيور التي تبدو وكأنها مستغرقة في عزف سيمفونية جنائزية حزينة.

وكان للشعراء والفنانين هنا وهناك دور في  إبداع قصائد وأغاني مؤثرة وحزينة لتصوير مشاهد وأحداث وأحاسيس العائلات المنكوبة ومنهم الشاعر السوداني المرموق محمد المكي إبراهيم الذي قال في مقطع من قصيدة له:

كانت اعمدة النور تدور حول نفسها
 باحثة عن ضاغط يحيلها الى ليزر حارق
 تحلقوا كلهم حول البحيرة
 حيث كانت الملائكة الغرقى تطفو على المياه
 بين الكتب المبتلة واشرطة الشعر الملونة
 وكان وجه الله الغاضب الجميل يطل على الجمع
 محتقنا بالحزن الكظيم
 تأدبا في حضرة الموت
 راحوا ينتفون اوراق الورد ويلقونها على الماء الاحمر الفوار
 حيث ذابت كالسكرة
 طفولة عشرين من فلذات اكبادهم


وبذات الإحساس الفياض المماثل كان الشاعر الكوري العظيم ري يونغ سك  قد كتب في مقطع من قصيدة قال فيها: 

 ابكوا يا كل المسافرين على السفن
 
التي تمخر عباب البحار الحزينة

 ابكوا على هذه الأغصان الخضراء

 التي ذبلت قبل الأوان

 وعلى تلك النجوم البراقة

 التي أفلت وغابت في الظلام

 ادمعي أيتها الأعين

 بل ابكي دمع الدم على فراق

 صبايا كالدرر المنثورة

 وفتيان كأضواء الشمس المتوهجة

 كلنا محزونون

 ولا نتوقف على البكاء

 إلا من اجل البكاء من جديد

 ولا نمسح الدمع

 إلا لذرف المزيد من الدموع

 كل الأقلام والكتب والكراريس

 و أجهزة الكمبيوتر تبكي في حرقة

 وكل مناهج العلوم أضربت عن المعرفة

 والمقاعد الدراسية الحزينة الخاوية على عروشها

 تجمدت الدموع في محاجرها

 أبكي يا بلدي الحبيب

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;