الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

أثافي أم تصافي !! :

2018-09-18

سيول بانوراما

ⓒ KBS

في التراث العالمي العام، والشرقي بشكل خاص،  فإن تكرر الحدث أو التجربة أو الجولة للمرة الثالثة عادة ما يكون أمر له وقع خاص، سواء أن كان ذلك بشكل إيجابي مأمول ومطلوب، أو بصورة سلبية مرفوضة. والتراث العربي زاخر بأمثلة وأقوال تخص ذلك التكرار المثلث منها ما هو إيجابي مثل "الثالثة ثابتة" و"التالتة نابتة" و"التالتة تابتة" ، وعندما تتعرض التجربة الثالثة  أو الحدث المتكرر الثالث للفشل فإن ذلك قد يعني انسداد فرص نجاح ذلك الحدث وعودة الأمور لمربع الصفر وربما تتعقد وتتدهور الأمور ليتم حينها إطلاق المقولة العربية " ثالثة الأثافي" على ذلك الفشل الذي يتم تشبيهه بالمصيبة أو الرزية  كما قال ذلك الشاعر العربي الجاهلي الهجاء القديم يصف قوة هجائه : " إن قصيدة شنعاء مني ... إذا حضرت كثالثة الأثافي.

والقمة الكورية الثالثة التي تنعقد  اليوم بين الرئيس الكوري الجنوبي والزعيم الكوري الشمالي هي قمة تتراوح الآمال والتوقعات لها بين النجاح الكبير والمدوي في أن تحدث اختراقا كبيرا وتطورات مهمة تؤدي إلى حدوث انفراج كبير وتغيير هائل في شبه الجزيرة الكورية ومنطقة شمال شرق آسيا بأسرها، ويصفها هؤلاء بالتالتة النابتة، وبين الفشل الذريع والانتكاسة الكبيرة وعودة الأمور لحالة التوتر الشديد وأجواء المواجهة الخانقة كما كان عليه الحال حتى بداية العام الجاري، وفي هذه الحالة يرى هؤلاء إن الأمور ستعود أكثر حدة وأكثر خطورة وأكثر بؤسا، وهو ما قد يخلق وضعا مأسويا متأزما أشبه بالكارثة، وتكون القمة الثالثة وقتها بمثابة كارثة أو  ثالثة الأثافي.

لذلك يحرص الرئيس الكوري الجنوبي مون على مواصلة نجاحاته التي حققها في هذا المجال منذ توليه زمام قيادة بلاده والتي أثمرت عن انعقاد قمتين كوريتين مشتركتين في إبريل ومايو، كما نجحت وساطته ومساعيه في تسهيل انعقاد قمة تاريخية هي الأولى من نوعها بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغون في سنغافورة وذلك بعد سلسلة مخيفة من الملاسنات والمهاترات والتهديدات المتبادلة  بينهما والتي فتحا فيها كل نيران الغضب بشكل  أشعل واقعا أقرب للحرب التي توقع الكثيرون اندلاعها بين لحظة وأخرى.

 ولا بد أن النجاح الذي حققه الرئيس مون خلال عقد القمتين الثانيتين، يغريه ببذل كل ما يملك من جهود ودبلوماسية وحنكة وصبر، إلى تهيئة مناخ مماثل لقمة كورية شمالية جنوبية ناجحة تحقق نتائج محسوسة على الأرض، وتطورا حقيقيا في مسيرة التعاون والوفاق والسلام بين البلدين، لا مجرد أن تكون حدثا عابرا وفرقعة إعلامية تتناولها كل وسائل الإعلام المختلفة في كل العالم وترجع بعدها الأمور إلى ما كانت عليه، وتعود حليمة إلى حالتها القديمة كما يقول المثل الشعبي العربي. وبجانب الحصاد المتوقع للقاء القمة الكورية/الكورية ، فمن المؤكد إن مون سيسعى لتسريع عقد قمة أمريكية كورية شمالية جديدة تساعد البلدين في إيجاد حل شامل وكامل ونهائي ومحقق للمشكلة الكورية الشمالية النووية التي هي لب وجوهر المشكلة.

الأمر لن يكون سهلا ، لكنه سيكون ممكنا لأنه يتسق مع مصالح وتطلعات كافة الأطراف المعنية بالمشكلة. فيبدو أن كوريا الشمالية توصلت لما يشبه القناعة بأن إنهاء عزلتها العالمية والخروج من قوقعنها وخندقها  كدولة منبوذة مكروهة ترزح تحت عقوبات دولية صارمة ومتصاعدة هو الأمثل لها الآن من خلال التخلي الطوعي عن اسلحتها النووية مقابل مساعدات دولية مجزية قبل أن يتم إجبارها على ذلك عن طريق القوة العسكرية . كذلك يبدو أن الرئيس الأمريكي الذي يعيش وضعا سياسيا مقلقا داخل بلاده  يريد إظهار نفسه كالرئيس الأمريكي الذي نجح في إيجاد حل للتهديد النووي الكوري الشمالي وإسكات خصومه ومنتقديه في الساحة الأمريكية في بلاده التي تتهيأ لاستقبال انتخابات نصفية مهمة في نوفمبر القادمة وسيضعه خسران حزبه فيها، على ضوء استطلاعات الرأي الحالية، في وضع حرج، لهذا فهو يأمل في تحقيق إنجاز يرجّح كفته وكفة حزبه. الأطراف المعنية الأخرى ومنها كوريا الجنوبية والصين واليابان جميعها تتطلع لحل ودي دبلوماسي يؤدي إلى استقرار في المنطقة يقود إلى ازدهار وانتعاش ونماء وتطور اقتصادي في عالم متشابك المصالح تتطور فيه التكنولوجيا بشكل مذهل.

تأمل الأكثرية في العالم أن تكون القمة الكورية المشتركة الثالثة ليس مجرد خطوة مهمة،  بل وثبة هائلة في طريق وضع خريطة طريق مدروسة وعملية وقابلة للتحقق لحل المشكلة النووية في شبه جزيرة كوريا مما يسهم في إرساء قاعدة راسخة لسلام عالمي شامل، وألا تكون ثالثة أثافي وتجافي وإنما ثالثة تصافي وتعافي.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;