ⓒ Getty Images Bankرغم  التباعد الجغرافي والاختلاف والتباين الشديد في الكثير من المعتقدات الدينية والفكرية بين كوريا والعالم العربي ، إلا أن هناك كذلك الكثير من التشابه والتقارب في  الثقافات والتقاليد والممارسات و الأشياء المرتبطة بالتراث والخلفية البوذية الكونفوشية لكوريا من جهة، والتمسك بالقيم والأخلاقيات والسلوكية الإسلامية بالنسبة للعرب من الجهة الأخرى.  والأعياد التقليدية القومية هي من بين الأشياء المتشابهة بين الكوريين والعرب. فكما للعرب عيدان رئيسيان هما عيد الأضحى  وعيد الفطر بجانب عدد من الأعياد الجانبية الصغيرة،  فللكوريين كذلك عيدان أساسيان هما عيد "الجوسوك" وعيد بداية العام القمري " سولنال" بجانب عدد من المناسبات الأخرى، وكلاهما بالتقويم القمري التقليدي الذي يسمى في كوريا "زدياك" وفي العالم العربي " الهجري"  لبي بالتقويم الشمسي المعمول به ف أكثر بقاع العالم.

 وتعيش كوريا هذه الأيام أحد عيديها الكبيرين وهو عيد الجوسوك حسب ما يعرف في كوريا، ويسميه البعض  عيد الحصاد ويراه آخرون الصيغة الكورية من عيد الشكر الذي يتم  الاحتفال  به في مناطق واسعة من العالم. بدأ الاحتفال الرسمي  بعيد الشكر والحصاد مع بدء توحد عدد من ممالك كورية صغيرة  على أساس كونفدرالي أدى لاحقا إلى ظهور مملكة كورية موحدة. وكانت الاحتفالات تتم في الشهر العاشر من العام القمري بعد انتهاء الحصاد الذي يخلف فصل الخريف الكوري المعطاء. وكانت الاحتفالات تتم في الأزمنة القديمة بأشكال تقليدية متنوعة وجذابة قبل أن يتغير الأمر بتغير النمط الحياتي السريع والتطور الصناعي والتقني الشامل الذي شهدته البلاد. 

ورغم التغير الذي طرأ على النمط الاحتفالي في العاصمة سول والمدن الرئيسية الأخرى في كوريا إلا أن الكثير من الأرياف والقرى البعيدة متا تزال تمارس احتفالاتها بالشكل التقليدي الفولكلوري البديع كم كان في الماضي من خلال طقوس وشعائر تبدأ منذ منتصف موسم الخريف بعد وقت الحصاد، فيحتفلون بالحصاد المثمر ويشكرون الآلهة، ومن هنا جاء اسم   عيد الشكر لدى الكوريين فيجتمع فيه شمل الأسرة ويحيون ذكرى الحصاد ويقدمون القرابين والولائم والموائد العامرة بما لذ وطاب لأرواح الآباء والجدود والأسلاف الراحلين ويزورون المقابر، ويأكلون كعك الأرز المخصص لتلك الاحتفالات والذي يعرف باسم  "سونج بيون" من بذور السمسم والفول والكستناء، ويشربون نبيذ السوجو المصنوع من الأرز ، ويستمتع النساء والأطفال  برقصة «كانج كانج سولليه» وفيها يتزاحمون ويلتفون في دائرة  وينهمكون في الغناء وكانت فكرة الرقصة في الأصل تقوم على إيهام الأعداء والطامعين بقوة وشدة وكثرة عدة وعتاد جيش المملكة وقدرته على قهر أي عدو أو طامع.

و  تتحول سيول والكثير من المدن الكبرى خلال هذا العيد إلى ما يشبه مدن الأشباح حيث تبدو الشوارع خالية والأسواق مهجورة، غير أن الطرق البرية السريعة ومحطات السكك الحديدية  تكون في حالة تكدس وازدحام  لأن أكثر سكان المدن يغتنمون الفرصة لزيارة مواطنهم ومساقط رؤوسهم وينتهزونها فرصة للم شمل أفراد الأسرة  الواحدة وتقديم فروض الطاعة والعرفان للآباء والأمهات والجدود والأسلاف وكبار العائلة.

والعيد  الكبير الآخر وهو عيد "سول نال" يتم الاحتفال  به في اليوم الأول من السنة القمرية والذي يصادف عادة ما بين أواخر شهري يناير وأوائل فبراير، وفيه كذلك ممارسات تقليدية مبهجة حيث يحرص الكثيرون على ارتداء الزي الكوري التقليدي "هانبوك" وهو عيد يستمتع فيه الأطفال بالذات كثيرا ويحصلون فيه على عطايا وهدايا كثيرة ويمارسون الكثير من الألعاب الشيقة والمسلية. 

عيد "ديبوروم" " وبجانب العيدين الكبرين فهناك عدد من الأعياد والمناسبات الصغرى مثل ويوافق اكتمال أول قمر من السنة بدرا  ويحرص الكثيرون على طلوع وتسلق الجبال رغم برودة الجو لرؤية البدر المتوهج عن كثب لاعتقادهم أن أول من يرى البدر سينعم بحظ سعيد طوال العام وستتحقق له ما يحمل من أماني. هناك كذلك عيد "سوريت نال" وهو عيد الفلاحين، وهناك أيضا عيد ميلاد بوذا حيث يتم تنظيم طقوس وتسيير  مواكب غنائية راقصة كبيرة وتزيين الشوارع بالفوانيس الملونة، و تقدم المعابد الوجبات والمشروبات المجانية لمرتاديها، وهو عيد فيه الكثير من الطقوس والشعائر والممارسات التي تشابه لحد كبير ما يجري في عدد من البلدان العربية التي تحتفل بالمولد النوي الشريف من خلال حلقات الذكر والرقص وضرب الطبول والإنشاد والمديح والرقص الذي يمارسه أتباع الطرق الصوفية كما في مصر والسودان وبلاد المغرب العربي.                                                                    

احتفل العرب قبيل أيام قليلة بأحد أكبر عيديهم وتلاهم الكوريون بعد عدة أيام قليلة باحتفال مماثل كذلك لأحد أكبر عيديهم، وكانت الممارسات والطقوس والمشاعر والأحاسيس متقاربة، وأدام اله الأفراح والأعياد والمباهج وكل عام والجميع ، كوريين وعرب، بخير وصحة وتقدم وازدهار.