الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

أعياد كورية (2): عيد التأسيس

2018-10-02

سيول بانوراما

ⓒ Getty Images Bank

 تحدثنا في حلقة الأسبوع الماضي عن الاحتفالات التي تعم كوريا بمناسبة حلول عيد الجوسوك ، أحد أكبر الأعياد، في كورياـ وبعد مرور أيام قليلة تواصل كوريا احتفالاتها بمناسبة ذكرى مرور عيد مهم آخر هو عيد التأسيس  Foundation   Day أو عيد "تانغون" كما يسميه الكوريون ويحتفل به في الثالث من أكتوبر من كل عام بمناسبة تأسيس أول مملكة كورية.

وحسب الأسطورة القديمة   فإن الأمير "هوان أنغ" غادر السماء ليحكم الأرض وكوّن مملكة فيها حيوانات منها نمر ودب صليّا له وطلبا منهم أن يحولهما إلى كائنات بشرية. قال لهما إنه سوف يختبر جديتهما وصبرهما وعزمها من خلال الطلب منهما البقاء داخل كهف لمدة مائة يوم متواصلة دون الخروج منه ودون أكل أي شيء سوى ثمار من الثوم. شعر النمر بالجوع والملل وخرج من الغار في حين تمكن الدب من الصمود والوفاء بما اشترط عليه الأمير الذي حوله إلى امرأة حسناء جميلة وتزوج بها وأنجب منها طفلا جميلا أسمياه " تانغون وانغوم" والذي نشأ أميرا وقائدا وبنى مدينة جديدة صارت عاصمة للمملكة الجديدة التي تم تطويرها باسم "جوسون" في الموقع  الراهن للعاصمة الكورية الشمالية بيونغ يانغ.

كان ذلك هو الأساس لكوريا الحديث التي نشأت مملكة في أقصى  الساحل الشرقي للمعمورة، والتي ظلت منذ نشأتها وتكوينها مطمعا لقوى أجنبية كبرى من تتار ومغول في الأزمن القديمة إلى تهديد صيني واحتلال وغزو ياباني حتى منتصف  القرن الماضي إلى تنافس إمبريالي وشيوعي أمريكي وسوفيتي وحروب ساخنة وباردة أدت إلى تمزيق وانشطار كوريا إلى دولتين متحاربتين متبينتين فكريا وسياسيا وعقائديا  في كوريا الشمالية التي ظل يحكمها نظام شيوعي وراثي قائم على التعبئة والتجييش مبددا موارد الدولة في مغامرات عسكرية صاروخية نووية أكسبته عداء عالميا متواصلا وعزلة مستمر.

  أما كوريا الجنوبية التي كانت حتى قبيل نحو ستين عاما دولة متخلفة محدودة الموارد الطبيعية لا يزيد دخل الفرد فيها عن مائة دولار فقط ، لم تستسلم ولم تركن للواقع البائس بل قررت الماضي قدما في معركتها من أجل التنمية والتي تابعها العالم بإعجاب وأطلق عليها اسم المعجزة الاقتصادية على نهر الهان ، حتى وصل دخل الفرد فيهه إلى ما يقارب ثلاثين ألف دولار ، وصارت دولة تملك موردا بشريا ممتازا بتعداد يبلغ خمسين مليون نسمة وبتأهيل عال من حيث مستويات التعليم والمهارات والقدرات الإنسانية وهو ما سيساعد كوريا على تحقيق نمو مستدام ومنتظم. كانت كوريا الجنوبية هي سابع دولة  في العالم تحقق هذا الإنجاز للنادي بل هي الدولة الأولى في العالم التي تحققه من بين الدول التي نالت استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية. 

صارت كوريا الجنوبية الآن دولة مرموقة وفاعلة في الساحة العالمية  ولاعبا مؤثرا على المسرح الدولي في كل المجالات تقريبا. فاقتصاديا صارت كوريا الجنوبية ضمن أكبر عشرة اقتصادات في العالم صناعيا وتجاريا وتكنولوجيا وإلكترونيا ورقميا، وعضوا في مجموعة العشرين التي تضم أكثر الدول تطورا، وتبوأت منصب رئيس البنك الدولي، وصارت المنتجات الكورية من سيارات وسفن وأجهزة منزلية من ثلاجات وتلفزيونات وأجهزة معلومات واتصال من أجهزة كومبيوتر وتلفونات ذكية   أجهزة للاستعمال اليومي للسواد الأعظم من سكان العالم في مختلف قاراته . وسياسيا تمكنت كوريا من شغل منصب السكرتير العام للأمم المتحدة في شخص وزير خارجيتها الأسبق بان كي مون، وثقافيا صارت المكاتب الثقافية الكورية متواجدة في أكثر عواصم العالم، وفنيا صارت الفنون الكورية على اختلاف أشكالها من سينما وموسيقى ومسرح وغناء ومسلسلات تلفزيونية منتشرة في العالم عبر ما صار يعرف باسم "هاليو" أو الموجة الكورية ومن خلال ما يشار له باسم البوب الكوري، وفازت العديد من الأفلام السينمائية الكورية بجوائز في مهرجانات عالمية كبرى، وصار مهرجان بوسان السينمائي من المهرجانات العالمية الراتبة التي تنعقد بشكل متكرر. ورياضيا نجحت كوريا في استضافة أكبر وأهم المناسبات الرياضية في العالم من دورات أولمبية صيفية وشتوية وكأس عالم لكرة القدم ودورات آسيوية ومناسبات كبرى في التنس والسباحة وغيرها، وكل ذلك مجرد نماذج وغيض من قيض.  ورغم كل ذلك فما زالت كوريا الجنوبية تعتبر نفسها دولة نامية  وجمهورية فتية آخذة في التطور والتطلع للمستقبل مع التمسك بتاريخها وتراثها، فهي تعرف إن الأساس المتين يعني صمود وصلابة البنيان السليم .

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;