الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

البرامج الخاصة

البحث عن الأمل وسط ركام المحن والمعاناة ، قصة حياة الفنان لي جونغ سوب

2016-01-01

وُلد لي جونغ سوب عام 1916 وعاش فنانا محبوبا مرموقا ورائدا لفن الرسم الحديث ورمزا هاما خالدا من رموز المشهد الفني في كوريا حتى وفاته عام 1956. ستكون حياة هذا الفنان العبقري وأعماله الفنية الخالدة موضوع ومثار اهتمام العديد من المناسبات والفعاليات التي سيجري تنظيمها خلال العام 2016 الذي يصادف ذكرى مولده المئوية.



كان تاريخ ميلاده هو السادس عشر من سبتمبر من عام 1916 في بيونغوون-غن في إقليم بيونغان الجنوبي، وهو نفس العام الذي شهد مولد فنانين مبدعين آخرين هما " جون هيوك ليم" الذي كان يُكنى بلقب بيكاسو الكوري، و"يو يونغ جوك" أول رسام تجريدي عرفته كوريا.
ورغم أنه وُلد لأسرة ثرية كان ربُها يملك العديد من الأراضي والعقارات إلا أن والده تركه طفلا يتيما لم يبلغ الخامسة من العمر بعد أن توفى بسبب وعكة مفاجئة. تربى مع والدته في موطنها في بيونغيانغ أين تفتحت عيناه على مناظر ومشاهد طبيعية وتراثية في غاية الجمال، من بينها أضرحة وقِباب وأسوار أثرية قديمة تم اكتشافها في منطقة كوكوريو. الفترة التي قضاها هناك منذ طفولته الباكرة هي التي شكلت أساس توجهاته الفنية المستقبلية.
كان الثور بما له من قوة تحمّل وصبر يُعتبر لدى الكثيرين رمزا من رموز الشعب الكوري. وفي الواقع كان رسم لوحة تحمل صورة ثور ممنوعا بنص القانون خلال فترة الاحتلال الياباني. لوحة "الثور الأبيض" للفنان لي تبرز الروح القوية للثور حينما يستعمل قرنيه القويين لنطح عدوه. وهناك لوحة أخرى للفنان لي باسم "ثور" ذات خلفية حمراء قانية تمثل غروب الشمس وتصور ثورا يبدو وكأنه يطلق صرخة ألم من أعماقه وهي تعبير عما يعتري الشعب الكوري المقاوم من غضب ورفض للمستعمر الياباني المحتل.
وبعد أن تمكن الفنان لي وهو ما يزال مراهقا من أن يحدد اتجاهه الفني، ارتحل في عام 1935 إلى اليابان لمواصلة الدراسة هناك.

في العام 1938 فاز بجائزة قيمة بعد مشاركته في معرض الاتحاد الفني الحر وبدأ يكتسب شهرة وشعبية من خلال لوحات عديدة وجدت الثناء والرواج مثل "ثور واقف" التي تُظهر ثورا في حالة تأهب للوثوب فوق حاجز، و"قمر مكتمل" وهي لوحة ترمز للواقع الكوري الحزين تحت وطأة الاستعمار الياباني. استمر في المشاركة في العديد من المعارض والمناسبات الفنية المختلفة وحاز على عدد من الألقاب والجوائز ومنها جائزة الشمس التي يقدمها اتحاد الفنانين اليابانيين. رغم وجوده في اليابان إلا أنه كان يصر على إبراز الروح الكورية الحرة وكان الكثير من اليابانيين يتفهمون الأمر على ضوء موهبته الفنية الطاغية.
كان الفنان لي صاحب توجهات ونزعات قومية قوية وكان دائم التغني بالأغاني والأناشيد الكورية حتى في المجتمعات اليابانية. رغم ذلك إلا أنه فتح قلبه لرفيقة العمر ماساكو اليابانية التي أحبته وأحبت أعماله الفنية. جمعهما الحب المتبادل وحب الفن وعاشا رفيقين في الدرب حتى فرقتهما الحرب العالمية الثانية والهجوم الياباني على بيرل هاربور.
ومع اندلاع الحرب عاد الكثير من الكوريين المتواجدين في اليابان إلى بلادهم خوفا على حياتهم. عاد لي إلى أهله في وونسان عام 1943 تاركا وراءه المرأة التي أحب. كان يرسل لها خطابات وبطاقات بين الفينة والأخرى وقد كانت تلك هي وسائل التواصل الوحيدة المتاحة وقتها.
البطاقات البريدية قد لا تحمل كلمات ولا حتى عنوانا بريديا لكنها عادة ما تحل رسومات وصورا جميلة للبحر والطبيعة والمشاهد التراثية والآثار، و قد تكون وسيلة بديعة ورائعة للتعبير عن المشاعر والأحاسيس بين الأحبة. وبعد أن افتقدت حبيب القلب لبعض الوقت جاءت ماساكو لكوريا في مايو من عام 1945 حيث تزوجا وعاشا سويا في وونسان. قررت ماساكو أن تضحي بكل شيء يربطها باليابان وأعطاها لي اسم كوري هو لي نام يوك وهو اسم يعني المرأة الصالحة من الجنوب.



فقد اندلعت الحرب الكورية وصار" لي" وأسرته لاجئين عندما فروا من وونسان إلى بوسان ثم إلى جزيرة جيجو. الفترة التي قضاها لي في جزيرة جيجو كلاجئ شكّلت لديه رؤية فنية جديدة.
لوحة " أخيلة سوغويبو" تصور طفلا على ظهر طائر محلق، وآخر يلتقط الثمار من شجرة وارفة جميلة مطلة على الشاطئ الجميل. أما لوحة "جزيرة ذات مناظر ساحرة" فهي تصور دفء جزيرة في أقصى الساحل الجنوبي وهناك لوحات أخرى بأسماء مختلفة رسمها من وحي الأيام الي قضاها في الجزيرة مثل " طبيعة المحيط الخلابة" و" أطفال على الشاطئ". كانت كل تلك اللوحات تعبر عن رفضه للحرب وتوقه للعيش في كوريا سالمة مسالمة يعيش فيها الجميع بشرا وطبيعة وكائنات في انسجام وتوافق.

لكن الواقع المحيط وقتها كان بعكس كل ما يتوق له ويحلم به الفنان لي. كان لي يأمل ان انتهاء الحرب سيمكنه من العودة لموطنه ودياره. غادرت أسرته جزيرة جيجو إلى بوسان في نهاية عام 1951 بعد أن ظنوا جميعا أن الحرب قد وضعت أوزارها. لكن الأمر كان على عكس ما توقعوا حيث ازدادت الأحوال سوءا وتعرضت الأسرة للكثير من المتاعب والقلاقل. وبعدها لم يجد لي مفرا ولا بديلا سوى إرسال أسرته بأي شكل ممكن لليابان وعاش وحيدا داخل غرفة باردة ورطبة.

أول وآخر معرض شخصي خاص بالفنان لي نُظم في الصالة الفنية في ميدوبا في يناير من عام 1955. كان قد جاء إلى هنا في يوليو من عام 1954 وأنجز عدة لوحات حتى ديسمبر من ذلك العام. و عكف الفنان لي على أعماله الفنية بشكل كامل. كان يحلم بأن ينجح في تكوين وجمع ثروة تتيح له فرصة ليجتمع شمله بأسرته مرة أخرى بأي شكل وفي أي مكان مناسب. كان كل شيء حوله مسببا للكآبة لكنه كان دائم الأمل والتفاؤل من خلال التركيز على إبداعه الفني.
ومن أجل جمع ما يحتاج من مال يساعد على التئام شمل الأسرة حسب تقديره فقد نظم الفنان لي أول معرض خاص به في مطلع 1955 عرض فيه 41 لوحة زيتية ولوحة واحدة بقلم الرصاص وعشرة بألوان مختلفة. وجد المعرض نجاحا فنيا هائلا. لكن العائد المادي الناتج عن بيع العديد من لوحاته لم يكن كافيا. أصابه ذلك بالكآبة مما دفعه للإكثار من شرب الخمر وصرف ما معه من نقود على جلسات السمر مع أصدقائه من الفقراء. وفي السادس من سبتمبر من عام 1956 وهو غارق في الكآبة والعزلة والشوق للأسرة البعيدة مات الفنان المبدع وحيدا كئيبا حزينا.

وفي عام 1972 تم تسليط كثير من الأضواء على أعمال هذا الفنان من خلال تنظيم معرض في صالة هيودنيه للفنون في سيول حتى اشتهر في الأوساط الفنية المختلفة. الناقدة وأمينة المتحف "كيم إن هاي" التي تشرف حاليا على تنظيم معرض خاص بالفنان لي بمناسبة الذكرى المئوية لمولده تقول إن أعمال ذلك الفنان المبدع اٌشتهرت بعد موته أكثر مما كان في حياته القصيرة.
"لي جونغ سيوب" فنان مبدع عاش وعاصر ظروف تاريخية وشخصية صعبة إبان فترة الاحتلال الياباني وخلال الحرب الكورية. عاش حياة من القهر والمعاناة شبيهة بما عانته كوريا بأسرها خلال تلك الفترة الزمنية الصعبة. رغم قسوة الظروف لكنه عاندها وجابهها بقوة وعناد ثور جسور وتشبث بالأمل والحلم في أن يأتي بعد العسر يسرا. لم ييأس ولم يستسلم وظل يرسم صورا مشرقة لأناس يضحكون ويرقصون ويمرحون حتى أن آخر لوحاته جاءت مليئة بالحيوية والدفء وزاخرة باللمسات الإنسانية التي لا تخلو من استبشار وتفاؤل.


موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;