الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

موت رمز:

2015-12-01

سيول بانوراما

موت رمز:
نعت وشيّعت كوربا بكثير من الإجلال والمهابة في نهاية الأسبوع المنصرم أحد أهم رموزها السياسية خلال العقود الماضية وهو الرئيس الكوري الأسبق Kim Young-sam بعد تدهور حالته الصحية في إحدى مستشفيات سيول عن عمر ناهز ال88عاما. الرئيس كيم يونغ سام أو كما يعرفه الكثيرون بالاسم Kim YS هو الرئيس الرابع عشر في سلسلة رؤساء كوريا منذ استقلالها في عام 1945 ولكنه أول رئيس مدني حقيقي يحكم البلاد في عهدها الديمقراطي الأخير الذي بدأ في مطلع حقبة تسعينات القرن الماضي بعد سلسلة من الحكومات العسكرية المتعاقبة، حيث تم انتخابه في أول انتخابات ديمقراطية حقيقية جرت في نهاية عام 1992 ليصبح رئيسا لجمهورية كوريا في الفترة 1993- 1998.والرئيس كيم من مواليد 1927 وقد بدأ حياته السياسية وهو شاب في مقتبل العمر إذ أنه كان أصغر نائب يتم انتخابه في تاريخ الانتخابات البرلمانية في كوريا حيث فاز وهو شاب في السادسة والعشرين من عمره بعضوية الجمعية التأسيسية في عام 1954 أي أنه قضى ما يقارب ستين عاما متواصلة مناضلا من أجل الديمقراطية والحرية في كوريا، لذا فهو يعتبر ، لدى الكثيرين ، رمزا هاما من رموز النضال من أجل الديمقراطية في كوريا إذ قضى جزءا كبيرا من عمره في مناهضة الحكومات العسكرية المختلفة وتعرض للسجن والتهديد بالتصفية ووضع تحت الإقامة الجبرية في مرات عديدة، ومارس معارته للأنظمة الدكتاتورية القمعية بمختلف الطرق والأشكال، وشارف ذات مرة على الموت بعد أن أضرب عن الطعام على مدى شهر كامل. كان كيم يونغ سام هو ثاني اثنين من الكوريين ممن اشتهروا في العقود الأخير بنضالهما من أجل سيادة وعودة الحكم الديمقراطي البلاد بعد أن عاشت منذ مطلع ستينات القرن الماضي تحت وطأة أنظمة عسكرية دكتاتورية متعاقبة حكمت كوريا بيد من حديد وذلك بجانب رفيق نضاله وزميل كفاحه الرئيس كيم دي جونغ الحائز على جائزة نوبل للسلام في نهاية القرن الماضي وأول رئيس كوري جنوبي يزور كوريا الشمالية ويعقد قمة تاريخية مع الزعيم الكوري الشمالي والتي فتحت الباب لاحقا لتعاون مستمر وإن كان يخبو ويضئ حسب التطورات حتى يومنا هذا. بدأ الرجلان رفقاء نضال من أجل الديمقراطية لكن ما أن تحققت التحول الديمقراطي الحقيقي في كوريا حتى تحول رمزا الكفاح والنضال من أجل الحرية إلى أعداء متنافسين ولكن في إطار ديمقراطي مقبول وشريف.
وبدأ كيم يونغ سام عهده بشكل نال استحسان وإعجاب وتصفيق الكثيرين إذ تحلى بالشجاعة اللازمة لتوجيه التهم لآخر رئيسيين عسكريين في كوريا دون خوف أو وجل من أن يستفز ذلك الجيش الكوري الذي كان يمثل قوة ضاربة في البلاد ويتحكم في كافة مفاضلها على مدى أكثر من ثلاثين عاما وهو ما أغلق الباب تماما أمام أي احتمال لعودة الحكم العسكري مرة أخرى لكوريا، وجعل من كوريا دولة متطورة ذات حكم وثقافة وواقع ديمقراطي متجذر وغبر قابل للتغيير أو الانتكاس. ووضع كيم خطة إصلاحية ناجحة وتصدى للكثير من الممارسات التي كانت سائدة ومتأصلة في كوريا من تداخل وترابط وتشابك بين دوائر المال والسياسة وانتشار ممارسات مثل الرشوة والاختلاس والمحسوبية واستغلال النفوذ وفتح الحسابات المصرفية بأسماء مستعارة وطبّق ذلك على نفسه مما أكسبه اللقب والاسم الحركي "مستر كلين" أي السيد النظيف.
ولكن لأن دوام الحال من المحال فقد ارتكب كيم بعض الأخطاء القاتلة، وربما أسكره بريق السلطة التي كثيرا ما تفسد الكثير من المناضلين والرموز، ونجحت البطانة اتي طوقته من مفسدين ومستفيدين من مقربين وثقات في جعله يتراخى ويغفل عن الكثير من القيم والمفاهيم والأفكار والأشكال والقيود السلوكية والأخلاقية لتي نشأ وترعرع عليها، مما أنهى عهدة بفضيحة كبيرة تورط فيها أبناؤه وكبار مستشاريه ومساعديه ليأفل النجم الديمقراطي الساطع ويبدأ الرمز السياسي اللامع في التلاشي والغياب منذ عام 1998 قبل أن يغيّبه الموت في الأسبوع المنصرم. للكن ولأنه ترك موروثا عظيما أسهم في تغيير كوريا سياسيا واقتصاديا وجعل منها لاعبا عالميا مرموقا في كافة المجالات وقلعة تتباهى بتراثها الديمقراطي الذي تشكّل خلال فترة قصيرة من عمر الزمان، فقد ودعته ونعنته وشيعته كوريا إلى مثواه الأخير وداع العظماء والأبطال والرموز الخالدة.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;