الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

ابتسامات عام :

2016-01-05

سيول بانوراما

ابتسامات عام :
العام 2015 كان عاما كالحا مضطربا عبوسا على العالمين العربي والإسلامي إذ شهدا خلاله الكثير من الأحداث المؤسفة الشرسة وصارت الكثير من الدول العربية خاصة في سوريا والعراق وليبيا واليمن بؤرا للمعارك الدامية والحروب الي صارت العديد من الدول الكبرى أطرافا فيها من أمريكيين وروس وفرنسيين وغيرهم. العام 2015 بدأ بالنسبة لكوريا بداية عادية هادئة لكن وقبل انتصاف العام توترت الأحوال وتوالت الأحداث المؤسفة بدءً بتفشي مرض "ميرس" الذي تسارع في بدايته بسرعة مخيفة أشاعت قدرا كبيرا من الخوف والرعب والهلع وكانت له آثار اقتصادية واجتماعية سيئة إذ استحالت الأسواق والساحات أحيانا إلى مناطق أشباح وتراجعت معدلات السياحة الداخلية والخارجية. وقبل أن تتمكن كوريا من محاصرة واحتواء الوباء تعرضت كوريا الجنوبية إلى عمل تخريبي إرهابي كوري شمالي أودى بحياة بعض الجنود مما أشعل الكثير من الغضب في الشارع الكوري ووسط الحكومة الكورية وهو ما خلق شكلا كبيرا من أشكال التوتر حتى كادت الأمور أن تتحول إلى حرب حقيقية كانت في انتظار من يشعل فتيلها، قبل أن يتبين للطرفين إن الأمور على شفا جرف وعلى وشك الانفلات وإن البلدين هما فعلا على وشك الدخول في فعل أهوج أحمق قد يشعل حربا لا هوادة فيها تقضي على الأخضر واليابس والزرع والضرع. لم تنجح القيادان الكوريتان بسرعة ملحوظة في احتواء المواجهة فحسب بل تمكنا من تحويل ما كان يشبه الانفجار إلى انفراج بل وإلى تعاون وتمكنا من تنظيم جولة جديدة من جولات لم شمل الأسر المجزأة والمشتتة بين الكوريتين مما أشاع جوا إنسانيا وجد القبول والترحاب والفرح والابتهاج من جميع أفراد الشعب الكوري وتابع الجميع تلك اللقاءات الدرامية المحزنة والمؤثر والدامعة بين أحباب من أمهات وآباء وأطفال وأزواج وزوجات وأشقاء وشقيقات فرق بينهم الزمن وهم صبية في ميعة الصبا أو شباب في ريعان وعنفوان الشباب لما يقارب الستين أو السبعين عاما دون فرصة لقاء وهم على مرمى حجر من بعضهما البعض.
هكذا ابتسم العام الذي بدأ نصفه الأول في كوريا بوجه عبوس مكفهر، وقبل أن يلملم العام خطواته موليا الأدبار قرر أن يتحف الكوريين والمنطقة بابتسامة مشرقة أخرى عندما استقبلت كوريا قبل ثلاثة أيام فقط من نهاية العامة وزير الخارجية الياباني في زيارة قصيرة كانت حبلى بمفاجأة من العيار الثقيل حين أعرب باسم رئيس الوزراء الياباني عن اعتذار وأسف اليابان عن دورها في القضية التي صارت تٌعرف عالميا الآن باسم قضية " نساء المتعة" وما سببه ذلك من آلام لضحايا تلك القضية.، كما تعهد بأن تقدم اليابان من خزينة الدولة الرسمية مبلغ مليار "ين" ياباني لدعم المؤسسة التي ستقوم كوريا الجنوبية بإنشائها لتقديم المساعدات للبقية المتبقية على قيد الحياة من أولئك النسوة ولرد الاعتبار المعنوي لهن . أشاع ذلك التصريح كثيرا من مشاعر الراحة في الكثير من الأوساط الرسمية والشعبية إذ أن قضية نساء المتعة هي من بين القضايا الرئيسية التي ظلت تعوق التطور الطبيعي للعلاقات الكورية الجنوبية اليابانية رغم ما بينهما من ارتباطات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية كالضلعين الرئيسيين في الاستراتيجية الأمريكية في منطقة شمال شرق آسيا. وكما هو معروف فإن نساء المتعة هن النسوة اللاتي كانت تجنّدهن اليابان كقوة مستعمرة وتجبرهن على العمل في معسكرات الجيش الياباني إبان الحرب العالمية الثانية كفتيات لهو وترفيه وممارسة الرذيلة مع الجنود اليابانيين فيما أسمته كوريا الجنوبية بالاسترقاق الجنسي وظلت تطالب اليابان بتحمل مسئوليتها القانونية والأخلاقية عن ذلك والاعتذار وتقديم التعويضات المناسبة. وصف وزير الخارجية الياباني ما تم الاتفاق عليه بأنه يمثّل تسوية نهائية ويطوي تماما صفحة تلك المسألة الإنسانية بما يؤسس لعلاقات طبيعية بين البلدين. وقالت الرئيسة الكورية الجنوبية إثر استقبالها للوزير الياباني الزائر إنها تتوقع أن يلتزم البلدان بتنفيذ كل ما تم التوافق حوله بإخلاص وأن يساعدهما ذلك على تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل سلس. كذلك أصدرت الخارجية بيانا اعتبرت فيه الاتفاق تطورا يجب الحرص على إنفاذه بالشكل السليم. ورغم أن هناك من انتقد الاتفاق بأنه لم يرقى إلى الطموح المطلوب إلا أن الأكثرية كانوا يرون أنه أفضل ما يمكن التوصل له حسب الظروف الراهن خاصة إن البقية القليلة الباقية من هؤلاء النسوة هن في سباق مع الزمن إذ لم يتبقى منهن الآن على قيد الحياة سوى 46 امرأة فقط بعد أن كان عددهن عشرات الألوف ومتوسط عمر الواحدة منهن الآن 89 عاما. قضية نساء المتعة كانت قضية تتسم بحساسية مفرطة للشعبين في كل من كوريا واليابان إذ يرى كل جانب إنه أمر يتعلق بالشرف والكرامة القومية. ومع وجود تيارات متعصبة هنا وهناك ، وجدا البلدان الجاران الذين يجمع بينهما الكثير جدا من المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية المشتركة نفسيهما أسيرين لتلك القضية التي ظلت تزداد حدة وتعقيدا مع مرور الأيام واكتشفا إنهما صارا رهائن للماضي والتاريخ في وقت تتطلب مصلحتهما التعاون والتنسيق والنظر بعيون ثاقبة ومفتوحة للمستقبل. هكذا وإذا ما سارت الأمور كما يتمنى الكثيرون فإن العام 2015 يكون قد ودع كل من كوريا واليابان بابتسامة عريضة مشرقة مما يحتم عليهما رد التحية بأحسن منها واستقبال العام 2016 بابتسامة أكثر اشراقا وتفاؤلا.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;