الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

ومن الصداقة ما قتل :

2016-11-08

سيول بانوراما

ومن الصداقة ما قتل :
الصداقة هي نعمة من أفضل النعم التي ينعم بها الله على أي شخص، والصديق قد يكون نعم رفيق الطريق في كل حالات الرخاء والتآلف أو الشدة والضيق، وقد يكون كما جاء في الحديث النبوي الشريف كمثل حامل المسك ، ولكنه قد يكون غادرا ومسببا للمشاكل ومثل نافخ الكير في بعض الحالات، وبذلك الشكل الذي قد تجسده تلك المقولة الخالدة ليوليوس قيصر، كما في رائعة شكسبير، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ويتفرس في عيون أصدق أصدقائه الذي انقلب عليه وتآمر ضده وشارك في قتله وهي " حتى أنت يابروتس". والصديق قد يكون كالمظلة التي تقي من المطر وقد يكون عكس ذلك تماما كما جاء في بيت الشعر العربي الشهير " أحذر عودك مرةً .. وأحذر صديقك ألف مرة. فربما انقلب الصديق .. فكان أعلم بالمضرة"، وهو ما يبدو مشابها لما حدث للرئيسة الكورية التي ظلت طوال الأيام الأخيرة عرضة لحملات سياسية وإعلامية متنامية أغرقتها في مستنقع فضيحة رئاسية كبرى قد تكلفها كل ما حرصت عليه من مجد ورفعة في مختلف مراحل حياتها. انطلقت الفضيحة بصدور تقرير عن قناة إعلامية مؤثرة كشفت عن وجود مئات الملفات السرية ومن بينها خطابات هامة للرئيسة الكورية في مناسبات قومية مختلفة بجانب تقارير استخبارية وعسكرية ودبلوماسية تحتوي على معلومات حساسة في جهاز الكومبيوتر الشخصي للسيدة Choi Soon-sil و هي صديقة شخصية مقربة للرئيسة الكورية. ورغم أن الصديقة لا تحمل أي صفة رسمية فقد تبيّن إنها كانت تقوم بشكل متكرر بصياغة وتعديل الكثير من الخطابات الرسمية للرئيسة في مختلف المناسبات، وتطّلع على الكثير من الوثائق والسجلات السرية المحفوظة داخل القصر الرئاسي ، وإن العديد من كبار موظفي القصر كانوا يتعاملون معها كشخصية رسمية ويعرضون عليها تلك الخطابات والوثائق للتوجيه بشأنها. وأكدت تقارير أخرى إن الصديقة لم تكن تفعل ذلك كمجرد صديقة وإنما كانت تستثمر وتستغل تلك المعلومات لتوفرها لمؤسسات وشركات تجارية تستفيد منها بحكم إنها معلومات سرية أو قرارات مسبقة، وكل ذلك أدى إلى توسيع الفضيحة حتى صارت وسائل الإعلام الكورية تشير لها باسم Choi Gate . وأحدثت هذه المعلومات موجة غضب واسعة في الشارع الكوري وداخل مختلف القطاعات، حيث اعتبر الكثيرون إن ما حدث داخل القصر الرئاسي يشير إلى أن البلاد تعيش حالة من الفوضى ، ونادى البعض بضرورة أن تتحمل الرئيسة المسئولية كاملة، وأن تقوم بتوضيح الأمر من كافة جوانبه للشعب الكوري، كما دعا آخرون الرئيسة للاستقالة وطالب البعض بإخضاعها لمساءلة برلمانية، كما قامت حشود طلابية وشبابية ومنظمات أهلية ومدنية وناشطون بتسيير تظاهرات واعتصامات في عدة ساحات عامة للتعبير عن احتجاجهم وغضبهم. ولم يقتصر الغضب على أحزاب المعارضة أو الجماعات والمنظمات الطلابية والشبابية والمدنية فقط بل وصل إلى بعض أعضاء حزب الرئيسة الحاكم نفسه، والذين طالب بعضهم الرئيسة بإجراء تعديل وزاري شامل والتخلص من عدد من مستشاريها في القصر الرئاسي خاصة ممن حامت حولهم شبهات التواطؤ مع صديقة الرئيسة لتحقيق استفادة شخصية من معلومات حكومية ورسمية سرية ومحظورة التداول. ومن جانبها حاولت الرئيسة احتواء الغضب الشعبي من خلال تقديم اعتذار للشعب الكوري واعترفت فيه بأنها كانت تستشير وتتبادل الآراء حول بعض الموضوعات الرسمية مع صديقتها بحكم ما بينهما من صداقة وثقة متبادلة، ولمجرد الاستفادة من قدراتها الكتابية والبلاغية، إلا أن الاعتذار لم يكن له أي تأثير يذكر بل أن البعض اعتبره مزيدا من الاستفزاز والاستخفاف .وبرزت تقارير أخرى تحمل إشارات إلى أن الصديقة كانت بمثابة مدير أعمال لثروات مالية كبيرة تخص الرئيسة و تعيش حياة بذخ لا تتسق مع قدراتها المالية المعروفة للجميع. بتلك الفضيحة ستصبح الرئيسة الكورية هي خامس رئيس كوري جنوبي على التوالي تنتهي فترة رئاسته بفضيحة كبيرة ، حيث انتهت فترة أول رئيس لكوريا في عهدها الديمقراطي كيم يونغ سام والذي كان يسمى Mr. Clean بفضيحة تورط فيها ابنه الأكبر، وكذلك كان الحال للرئيس الذي خلفه كيم دي جنغ الحائز على جائزة نوبل للسلام الذي تعرض لفضيحة فساد طالت نجليه ، كما قام الرئيس الذي تلاه روه مو هيون والذي كان أول رئيس في التاريخ الكوري ينحدر من طبقة شعبية بسيطة بالانتحار ملقيا بنفسه من فوق قمة جبل بعد فضائح ظهرت مباشرة بعد انتهاء ولايته محورها زوجته وأصهاره، وكذلك كانت نهاية الرئيس السابق لي ميونغ باك بفضيحة أسرية. لكن هناك من يرى أن فضيحة الرئيسة أكبر تأثيرا إذ أن الرئيسة شخصيا هي من تسبب في الفضيحة.، وليس أفراد أسرتها أو معاونيها. قادت كل تلك التطورات المؤسفة إلى تدني شعبية الرئيسة إلى ما دون 10% بعد أن وصلت إلى ما يقارب 70% في أوقات سابقة ، وليس من المعروف الآن الكيفية التي يمكن أن تتم بها تسوية تلك المشكلة التي ما عادت ترتبط بالرئيسة الكورية بل بكوريا ووضعيتها ومسيرتها وسمعتها وأوضاعها الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية وسط علم متغير ومتشابك التعقيدات ومتضارب المصالح وتهديدات كورية شمالية مستمرة، ومصالح متشابكة بشكل معقد مع قوى دولية كبرى مثل أمريكا والصين وروسيا واليابان وأوروبا.
الصداقة كما ذكرنا مؤسسة إنسانية راقية وإحدى الأشياء الأروع والأنبل والأجمل في العالم. لكن من الصداقة ما قتل كما هو حال الصداقة الوطيدة التي امتدت على مدى 40 عاما بين الرئيسة بارك وصديقتها اللدود شوي التي سددت لها ضربة مؤلمة قد تكون هي القاضية.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;