الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

زهرة الجدة

2018-06-15


كان يا مكان، في قديم الزمان، في قرية جبلية نائية، عاشت امرأة عجوز مع حفيداتها الثلاثة، وكانت الصغيرات قد صرن يتيمات منذ أن كن رضيعات. وكانت الجدة العجوز متيمة بحفيداتها الثلاثة، فلم تكن تدخر جهدا لرعايتهن، ولا تجد سبيلا لإسعادهن إلا سلكته، فلم يمنعها فقرها المدقع من التفاني في رعايتهن، فكانت تعمل بكل جد لتكفل لهن منزلا مريحا، وطعاما لذيذا. كانت دائما تشعر بالتعب والإرهاق، لكن رؤية حفيداتها الثلاثة ينمون بصحة وعافية كان يخفف عنها كل تعب.

نمت الفتيات الثلاثة حتى صرن شابات جميلات في سن الزواج. كانت الجدة سعيدة للغاية بحفيداتها الثلاث، لكن غيوم الحزن والقلق خيمت على قلبها في الآن ذاته، فما عساها تفعل إذا تزوجت الفتيات وتركنها فريسة وحدتها. لم تكن الفتيات غافلات عما يدور في رأس جدتهن، فأردن مواساتها والتخفيف عنها، فقالت الأولى "جدتي، لا تقلقي، حتى بعدما أتزوج سأزورك كثيرا، وسأجلب لك الكثير من الطعام اللذيذ والملابس، أعدك بهذا" سارعت الثانية تواسي جدتها وكأنها في منافسة حامية مع شقيقتها الأكبر فقالت "أما أنا فسأعيش معك ولن أتركك أبدا" اغرورقت عينا الجدة بدموع الفرحة والتأثر وردت قائلة "أوه لا، أي صغيراتي، ليس عليكن زيارتي كثيرا، ولا العيش معي، شكرا جزيلا، لن أنسى طيبتكن هذه أبدا".

وبعد فترة، تزوجت الفتيات ورحلن، وصارت الحدة وحيدة في بيتها، لكنها صارت مسنة، وكانت تمرض كثيرا، ووجدت أنه كلما مر الوقت كلما صارت أكثر عجزا عن العناية بنفسها وحدها، وفي أوج كربها، تذكرت كلمات حفيداتها. فسارت بصعوبة متكئة على عصاها حتى وصلت إلى بيت حفيدتها الكبرى، وعندما قرعت باب بيتها الفاخر ظهرت حفيدتها الكبرى في حلة بهية فاخرة، يزين جيدها الذهب والألماس، لكنها لم تبد سعيدة برؤية جدتها، فقد قالت في لهجة منزعجة "جدتي! ماذا تفعلين هنا؟ ياله من أمر محرج!" شعرت الجدة بالإحباط والحزن يعتصران قلبها، لكنها لم تنبس ببنت شفة، والتفت في صمت وغادرت. كانت تشعر بالضعف والتعب، لكنها تحاملت وظلت تمشي حتى وصلت إلى بيت الحفيدة الثانية، التي لم تختلف كثيرا عن شقيقتها، فقد بدت منزعجة، وقالت لها في حدة "اذهبي إلى بيت شقيقتي الكبرى أو أي مكان آخر، لم جئتي إلى هنا؟ فيم كنتِ تفكرين؟" دمعت عينا الجدة، واستدارت وغادرت في صمت أيضا.

لم يعد أمامها سوى الحفيدة الثالثة، لكنها لم ترغب في أن تثقل عليها لأنها تزوجت رجلا فقيرا على خلاف شقيقتيها. لكنها، رغم كل ما شعرت به من حزن وتعب، اجتاحها شوق جارف لرؤية حفيدتها الثالثة ولو لدقيقة واحدة، فقد كانت ترى أن أيامها في الدنيا صارت معدودة، ولم ترغب في الرحيل قبل رؤية حفيدتها الثالثة لمرة أخيرة. راحت تجر قدميها وهي تتحامل على نفسها حتى صار المنزل ظاهرا من بعيد خلف التلة، حاولت استجماع قوتها لصعود التلة، لكن للأسف، لم تستطع، فانهارت، وزفرت آخر أنفاسها على التلة.

في اليوم التالي، خرجت الحفيدة الثالثة إلى التلة لتجمع بعض الأعشاب البرية، ففوجئت بجثة امرأة عجوز، وعندما أمعنت النظر وجدت أنها جدتها. صدمت المسكينة، وراحت تبكي بحرقة على جدتها. كانت الحفيدة الصغرى طيبة القلب، خلافا لشقيقتيها الجاحدتين، وكانت دائما تشتاق إلى جدتها، وتتمنى أن تعيش معها، لكن فقر زوجها المدقع منعها من ذلك. كانت دائما تشعر بالذنب لترك جدتها العجوز وحدها، وكان القلق ينتابها عليها باستمرار، وقد آلمها كثيرا أن جدتها توفيت في طريقها لرؤيتها. ظلت تبكي كثيرا وهي تضم جثة جدتها، ودفنتها في بقعة مشمسة على التلة.

وفي الربيع التالي، نمت زهرة جميلة منحنية الساق في موضع قبر الجدة، وكانت الزهرة تتفتح في الوقت نفسه كل عام عند قبر الجدة، فصار الناس يطلقون عليها زهرة الجدة، إيمانا منهم بأنها روح الجدة المسكينة.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;