الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

وثائق حركة المجتمع الجديد "سيه ما أول 새마을"

2013-07-09


المذكرات الحربية للأدميرال "إي سون شين" المسماة "نان جونغ إيل كي 난중일기" والسجلات والوثائق الخاصة بحركة المجتمع الجديد وبالحملة الاقتصادية القومية التي قادت كوريا الجنوبية من ظلام الفقر والتخلف إلى وهج النمو والتطور الاقتصادي والصناعي، تم ضمها جميعا إلى سجل الذاكرة العالمية الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو"، وذلك خلال الاجتماع الـ11 للجنتها الاستشارية الدولية الذي تم عقده في مدينة كوانغ جو الكورية يوم 19 من شهر يونيو الماضي. وبهذا يصبح لكوريا الآن أحد عشر سجلا عالميا، منها مخطوطة "هون مين جونغ أم 훈민정음" الخاصة بالأبجدية الكورية "هان غول" التي ابتدعها الملك سيجونغ، ومنها حوليات مملكة جوسون، ومنها "دونغ أوي بوغام 동의보감" وهي أول موسوعة كورية طبية شاملة، ومنها "إيل سونغ روك 일성록" وهي عبارة عن مجموعة مذكرات يومية خاصة بالملك جونغ جو، وغيرها. "نان جونغ إيل كي 난중일기" هي آخر إضافة للكنوز الكورية ضمن قائمة اليونسكو وهي تحمل الرقم 76 ضمن الكنوز القومية الكورية.
المذكرات كتبها القائد العسكري الأسطوري "إي" الذي خاض حربا بحرية أسطورية ضد قوات عدو يمتلك ألوف السفن الحربية المجهزة، في حين لم تكن تحت إمرته سوى عدد قليل من السفن. بدأ القائد الكوري كتابة مذكراته عام 1592 مع بدء الغزو، وانتهى منها بتاريخ 17 نوفمبر من عام 1598، أي قبل يومين فقط من مقتله في معركة حاسمة. غطت المذكرات أحداثا ووقائع على مدى حوالي ألفين وثلاثمائة يوم، ويبلغ عدد حروفها أكثر من 130 ألف حرف. "نان جونغ إيل كي 난중일기" هي المذكرات الحربية الوحيدة من نوعها في العالم التي سجلها بخط يده القائد الأعلى نفسه حيث لم يسبقه في ذلك قائد آخر في أي معركة أو حرب بحرية.

تم الكشف عن وجود تلك المذكرات للمرة الأولى في عام 1792، وهو العام السادس من حكم الملك جونغ جو أي بعد 200 عاما من كتابتها بواسطة الأدميرال "إي" خلال الغزو الياباني لكوريا. أنعم الملك جونغ جو وقتها على الأدميرال "إي" بلقب شرفي، هو رئيس الوزراء، وأمر بجمع ونشر المذكرات. المجلدات السبعة محفوظة الآن في معبد "هيون تشونغ" في آسان بمقاطعة تشونع تشنغ. وبفضل أتباع وسلالة الأدميرال "إي"، ظلت تلك المذكرات محفوظة بشكل سليم وآمن على مدى أكثر من أربعمائة عام. ويقال إن أحد أفراد الأسرة الإمبراطورية اليابانية الحاكمة طلب خلال فترة الاحتلال الياباني لكوريا مؤخرا من أسرة الأدميرال "إي" تسليم تلك المجلدات للسلطات اليابانية، إلا أن كل أحفاد الأدميرال تصدوا لذلك بقوة ومنعوه وحافظوا على تلك السجلات بحوزة العائلة. يقال كذلك إن السجلات صمدت وبقيت بشكل سليم لأنها خُطت بحبر معين أشرف على صنعه الأدميرال بنفسه، وكُتبت على ورق كوري تقليدي ابيض مصقول من نوع "هان جي" الذي يقاوم ويمنع زوال الألوان.
ورق هان جي يُسمى أحيانا باسم الورق الألفي بسبب قدرته على التحكم في درجة الرطوبة الطبيعية التي تعطيه ميزة البقاء سليما لأطول وقت ممكن. ورغم أن مذكرات الأدميرال "إي" هي مذكرات حربية في الأساس، إلا أنه بدأ في كتابتها قبل ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب. لم تكن حربا متوقعة أو منتظرة للأغلبية الساحقة من الناس لكن الأدميرال بما له حس ورؤية خاصة وبُعد نظر كان يتوقع بل يؤكد أن الحرب قادمة لا محالة.

تصف مذكرات "نان جونغ إيل كي 난중일기" شراسة وبشاعة المعارك الحربية التي جرت، وتحتوي على سرد تفصيلي وحقيقي للأحداث والوقائع الحربية بأسلوب تصويري رائع مثل قوله : "كانت السهام تتساقط علينا كما يهطل المطر"، أو قوله: "كان عدد القتلى هنا وهناك لا يُعد ولا يُحصى" ، أو "كان يصعب التفريق بين دوي الرصاص وهدير الرعد"، أو قوله : "مثل طاعون لا يميز بين عسكري ومدني". احتوت المذكرات أيضا على قطعة بديعة وشهيرة حضّ فيها الأدميرال جنوده على تحدي وقهر الموت نفسه في سبيل النصر من أجل الوطن.
ربما كان توقع واستعداد وتأهب الأدميرال "إي" لمعركة "ميونغ نيانغ" هو ما ساعده على تعبئة القلة القليلة من جنوده ورفع روحهم المعنوية، مما مكنهم من إلحاق الهزيمة بعدو يتكون من قوات بشرية وآلية هائلة تبلغ 133 سفينة حربية، بينما كان لدى الجانب الكوري 13 سفينة فقط. حدث ذلك في معركة من أعظم المعارك العالمية عبر التاريخ التي تمكنت فيها قوة صغيرة من هزيمة قوة شديدة الضخامة. النظرة الثاقبة والحس الإنساني القوي هي من بين الأشياء التي ساعدت الأدميرال على قيادة قوته الصغيرة لهزيمة تلك القوات الضخمة كما يظهر في ما كتبه الأدميرال في مذكراته.
مذكرات الأدميرال هي مذكرات تاريخية تسجيلية لا تُقدّر بثمن، وهي مزيج من الرؤى الرسمية والشخصية لبعض الحروب التي خاضتها كوريا، ولماذا وكيف تم خوضها.
تم ضم مذكرات الأدميرال "إي سون شين" ضمن سجل الذاكرة العالمية لليونسكو مع أرشيف حركة المجتمع الجديد التي تعرف كذلك باسم "سيه ما أول 새마을".

نالت كوريا استقلالها من الاحتلال الياباني عام 1945، لكنها لم تنعم بحريتها واستقلالها كدولة موحدة لوقت طويل، إذ سرعان ما وقعت ضحية حرب أهلية طاحنة أتت على الأخضر واليابس ونشرت مظاهر الفقر والتخلف في كل أرجاء شبه الجزيرة الكورية.
كانت الحركة تمثل الدافع والحافز للشعب الكوري للبحث عن السبل الكفيلة بتحسين حياته وأوضاعه المعيشية كما ونوعا. وكان الشعار والروح الذي تمكنت الحركة من نشره وبثه وسط جموع الكوريين هو الإيمان بالقدرة الذاتية على التغيير وعلى تطوير وتحديث الدولة والمجتمع. وقد بدأت حركة المجتمع الجديد في تجهيز وتسيير حملات وبرامج توعية لتغيير العقلية وطريقة التفكير الكوري نفسها، والتي كانت تقبل الفقر والتخلف كقدر ومصير لا يمكن تغييره.
وتضافر الجُهدان الرسمي والشعبي من أجل محاربة التخلف والفقر والجهل، وكانت حركة المجتمع الجديد أداة فعالة في تلك الجهود الرامية للتطوير والتحديث الذي كانت نتيجته تلك المعجزة الاقتصادية المدهشة على نهر الهان. يتكون أرشيف حركة المجتمع الجديد من مواد تم جمعها خلال الفترة بين عامي 1970 و1979، وهي مواد كثيرة وضخمة في مجملها وقد صادقت منظمة اليونسكو على ضم أرشيف حركة المجتمع الجديد إلى سجلاتها لإيمانها بما حققته هذه الحركة الاجتماعية من تغيير حقيقي ومحسوس في المجتمع الكوري. وبسبب هذا توافد عدد كبير من ممثلي المنظمات والحركات الاجتماعية والمدنية في العديد من الدول النامية للتعرف على هذه التجربة الكورية الفريدة.
لكوريا الآن العديد من الوثائق والمدونات والمواد المسجلة ضمن سجل ذاكرة العالم وهي تحتل في هذا الصدد المرتبة الأولى آسيويا والخامسة عالميا، وهو ما يؤكد أن كوريا دولة آخذة في التطور والتقدم والنمو، وهي معتزة بكل ما يتعلق بتاريخها وتراثها وثقافتها.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;