الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

سقوط أميرة:

2016-12-20

سيول بانوراما

سقوط أميرة:
الرئيسة الكورية بارك كون هاي، نشأت وترعرعت كأميرة ، وكان الكثيرون في كوريا يطلقون عليها فعلا لقب الأميرة بارك، حتى قبل فترة قصيرة من الأحداث المأسوية الأخيرة التي زلزلت عرشها وأدت إلى ترنحها وسقوطها سقوط مدويا مريعا. الرئيسة بارك هي ابنة الجنرال الدكتاتور بارك شنغ هي، الذي حكم كوريا بيد من حديد، غير أنه هو من بنى لها مجدها ونهضتها وأخرجها من مستنقع الفقر والفاقة، إلى نعيم المجد والرغدة والازدهار خلال فترة حكمه التي استمرت 18 عاما، وهو ما أثار إعجاب العالم الذي أطلق على ذلك اسم المعجزة الاقتصادية على نهر الهان، واعتبر كوريا التي كانت خارجة من عباية التخلف واحدة من النمور الآسيوية الأربعة الت حققت وثبات وطفرات تنموية لم تحققها دول من قبل بمثل تلك السرعة وذلك الإصرار. رغم إنه كان دكتاتورا متسلطا إلا أن الكثيرين كانوا يرون فيه المستبد العادل، وغفروا له غلظته وتسلطه، ورأوا إنها كانت أشياء ضرورية لولاها لما حققت البلاد كل ذلك التطور المذهل. كانت هي الابنة الكبرى للجنرال الزعيم ، لذا نشأت منذ صدر طفولتها وسط هالة من الأضواء والاهتمام ، وعرف عنها منذ الصغر الأناقة وحسن الهندام وقوة الشخصية والقدرات القيادية التي ورثتها عن والدها، وهو ما جعل البعض يطلق عيها لقب الأميرة كما أسلفنا، ويرى فيها انعكاسا لما تحققه كوريا من مجد وازدهار. وبعد أن شبّت عن الطوق وصارت فتاة ناضجة، اُغتيلت والدتها في حادثة بشعة يبدو إن المقصود منها كان هو الرئيس نفسه، مما دفع الفتاة الناضجة عمليا لتولي مسئوليات وصلاحيات السيدة الأولى في البلاد، وأنجزت كل ذلك بكفاءة وقدرات لافتة، وهو ما أكسبها المزيد من الاحترام والتقدير. وبعد اغتيال أمها بسنوات قليلة تعرضها والدها الجنرال نفسه للاغتيال بواسطة رئيس أمنه الخاص، وهو ما أكسب الابنة الشابة الكثير من التعاطف الشعبي. ولكن رغم كذلك التعاطف فقد تأثرت الفتاة الشابة بما حدث لوالديها كثيرا مما دفعها للانزواء عن الأضواء وهجر السياسة لنحو عقدين من الزمان، قبل أن تقرر العودة لها بعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربت كوريا والقارة الآسيوية عام 1998، وطرحت نفسها مرشحة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أعقاب الأزمة. توجس الكثيرون من الناخبين ممن عايشوا تحول وانتقال كوريا على أيدي والدها من دولة الفقر والمسغبة إلى دولة المجد والطفرة والمعجزة الاقتصادية الكورية، من عودة البلاد لماضيها البائس وهم يرون بلادهم على شفا انهيار بسبب تلك الأزمة، وصارت الفتاة بالنسبة لهم رمزا للأمل ورأوا فيها ما ذكّرهم بما فعل والدها من أجل خلق تلك الطفرة والنعيم الذي عاشته كوريا، وأخرجها من قمقم الفقر إلى حياة اليسر والثروة، وأيدوها وشدوا من أزرها. كان الشعب، بعد أن حققت كوريا الديمقراطية ، منقسما حول تراث والدها بين من يرون فيه محقق المعجزة وباني النهضة في كوريا، ومن يعتبرونه دكتاتورا متسلطا منتهكا للحقوق الإنسانية، لكنها نجحت لحد كبير في تمييز شخصيتها الخاصة كسياسية ذات رؤية مستقلة بعيدا عن تراث وخلفية والدها بأي من جانبيه الإيجابي أو السلبي، وبدأت تكوّن قاعدة جماهيرية معتبرة من المؤيدين، وحققت نجاحات متتالية في العديد من الانتخابات البرلمانية، واصبحت شخصية حزبية مؤثرة حتى قررت خوض الانتخابات الرئاسية وفازت فبها بسهولة نسبية في عام 2013 كأول امرأة في كوريا وفي منطقة شمال شرق آسيا باسرها. ورغم كل ما تتمتع به من أناقة وجمال إلا أنها قررت بمحض اختيارها أن ترفض الزواج وتظل آنسة، وهو ما ساعدها في حملاتها الانتخابية الرئاسية التي كانت تركز فيها على ان الشعب هو زوجها وأسرتها وأطفالها. وفي دولة تكوّن لها سجل حافل من فضائح الفساد وتداخل وتشابك الخيوط بين عالميّ المال والسياسة واستغلال النفوذ والتعدي على المال العام، رأى الكثيرون إن نشأتها كأميرة مترفة ثرية ودون أعباء أو قيود أسرية ستحول بينها وبين أن تكون كجميع بقية الرؤساء الذين سبقوها وانتهت عهودهم بفضائح مجلجلة تورط فيها أبنائهم وبناتهم وأسرهم، غير أنه، ولسخرية القدر، فإن فضيحتها وورطتها جاءت أكبر وأعمق وأشد من كل من سبقوها، وذلك بسبب ما فعلته بها صديقتها المقربة على مدى أربعين عاما، والتي كانت لها بمثابة الأخت والشقيقة والأسرة غير أنها تسببت في كل ذلك السقوط المدوي المروع المذل للأميرة في خريف عمرها وبعد أن تجاوزت سن الستين بعد حياة حافلة بالإنجازات منذ فجر صباها وريعان شبابها وسنوات نضوجها الأول الذي يبدو وكأنه لم يكتمل.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;