الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

"قمة" الوفاء :

2017-06-06

سيول بانوراما

"قمة" الوفاء :
كانت هي فعلا "قمة" في الوفاء في زمن قلّ فيه الوفاء، ومناسبة فريدة من نوعها من حيث المدلول والشكل وما سادها وتخللها من مشاعر نادرة وأحاسيس متفردة. كان لقاء قمة بين روح رئيس مضى قبل تسعة أعوام بعد أن طوى معه كل ما كان يحمل من أحلام ويبشر به من آمال ورؤى وتطلعات، وبين رئيس أعقبه بعد كل تلك السنوات معاهدا وواعدا نفسه بأن يواصل السير على الدرب ساعيا من أجل العمل على تحقيق كل ما يمكن أن يتحقق من تلك الأفكار والآمال والرؤى. كانت قمة وفاء لذكريات ماضية بين صديقيّن شابيّن جمعت بينهما الدروب في ظروف صعبة ديدنها الفقر والبؤس والحرمان والأحلام من جهة، والعزم والتصميم والثقة بالنفس وبالقدرة على ترويض وتحقيق تلك الأحلام من الجهة الأخرى، في مسيرة تكللت بالنجاح، حيث صار أحد الصديقين الرئيس الكوري ال16 وخلفه الصديق الآخر ليصبح الرئيس ال19 لجمهورية كوريا، غير أن الصديق الأكبر الذي نجح في قهر كل ما قابلته من صعاب في المعركة التي خاضها ليصبح رئيسا فشل في أن يصمد أمام أول مشكلة رآها الكثيرون بسيطة وتافهة بعد أن غادر منصب الرئاسة، فدفع ثمنها حياته وبيديه عندما رمى نفسه من قمة جبل شاهق. أما الصديق الأصغر والذي تابع المسيرة، فهو عازم مصمم على أن يسعى من أجل تحقيق كل ما يمكن تحقيقه من بعض ما حلم به الصديقان، على نحو ما وعد خلال القمة التي جمعته بروح الصديق والقدوة وقائد المسيرة التي جمعت بينهما.
وكانت قمة الوفاء تلك هي المناسبة التذكارية الثامنة التي حضرها الرئيس الكوري الجديد "مون جي إن" بمناسبة حفل التأبين السنوي الذي ظل يُقام لتخليد ذكرى وإرث صديقه ورفيق دربه الرئيس الراحل "روه موو هيون" وفي مسقط رأسه ومهد طفولته ومرتع شبابه في قرية بونغهوا في مدينة جيمهي . كانت المناسبة فرصة للرئيس الجديد ليستذكر تلك الأيام الخوالي خلال المسيرة التي جمعتهما بكل ما فيها من حلو ومر وعسر ويسر ونجاح وفشل وإنجازات واخفاقات. بدا ذلك جليا خلال تلك الوقفة المؤثرة والنظرة العميقة للرئيس الجديد وهو يتابع ويتأمل ألوف الفراشات الرشيقة الملونة والمحلّقة في الجو والتي تم إطلاقها مباشرة بجانب البالونات الزاهية الصفراء بعد افتتاح الحفل التذكاري في منظر مهيب بكل ما لذلك من رمزية معبّرة عن آمال وأحلام وتوق وتطلع ونضال من أجل الحرية والديمقراطية والحقوق الإنسانية. ورغم إن تلك المناسبة التذكارية ظلت تقُام كل عام منذ رحيل الرئيس روه وبحضورٍ من أنصاره ورفاق دربه وأصدقائه بمن فيهم مون ، إلا أنها اكتسبت هذه المرة معنى وشكلا ومضمونا خاصا بحضور مون ليس كمجرد مساعد وصديق كما في الماضي وإنما كرئيس كرّس حياته للحفاظ على موروثات الرئيس الراحل روه الفكرية والسياسية وتبوأ المنصب الرئاسي الأول في كوريا كداعية وراع لذلك التراث وهو عازم على عمل كل ما هو ممكن لتحقيق ما نذر له نفسيهما الصديقان. تحدث الرئيس مون خلال المناسبة حديثا شجيا معبرا عن صديقه ورفيقه الذي قال عنه إنه صار رمزا للمجتمع وللعدالة والمبادئ القائمة على الحرية والديمقراطية، وإنه ظل يحلم ويطلق لخياله العنان في الحلم رغم كيد الكائدين وتآمر المتآمرين وكل سدود وحواجز الواقع المذري والصعوبات المجتمعية السائدة، وأعرب مون عن أمله في أن يتمكن من مواصلة المسيرة والسعي من أجل تحقيق كل ما يمكن تحقيقه من أحلام ومبادئ وأفكار وبرامج ظل يعمل من أجله الصديقان.
"مون" و" روه" صديقا عمر ورفيقا مسيرة وصاحبا رؤية وحلم مشترك وتفكير سياسي متقارب وإرث فكري متماثل. وهما كذلك شخصان متشابهان في الكثير من جوانبهما الحياتية من حيث النشأة والتكوين، فكلاهما نشآ كطفلين في حياة عائلية مليئة بالفقر والضنك وفي قاع السلم الاجتماعي في كوريا، وهما أبناء حواري شعبية، لكنهما تميزا بعزم وإرادة وقدرة على الحلم وواصلا حياتهما الدراسية والمدرسية والجامعية في مواجهة كل الظروف الصعبة والقاهرة، وكانا ناشطين في مجال حقوق الإنسان الذي خاضا من أجله نضالا طلابيا وسياسيا ومدنيا وتم اعتقالهما وفصلهما من الدراسة عدة مرات عبر مسيرة هي أطول مما يمكن اختصارها في عجالة قصيرة، غير إن تلك المسيرة قادت كل من روه ومون لأن يصبحا أول رئيسين كوريين يأتيان من غمار الشعب ومن الطبقات الدُنيا ومن قاع المجتمع الكوري .

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;