العمل المسرحي الموسيقي "فرانكشتاين" يمثل نقطة تحول في مسار المسرح الموسيقي الأصلي في كوريا.
يجري تقديم العمل المسرحي الموسيقي فرانكشتاين على خشبة مسرح "تشونغ مو" في وسط سيول. هذه المسرحية الموسيقية مقتبسة من عمل روائي قديم للكاتبة "ماري شيلي" يعود للعام 1818.
ظل مسرح تشونغ مو يجهز لعرض هذه المسرحية الموسيقية "فرانكشتاين" على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة للاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة على تأسيسه. من الواضح جدا أن العمل كان يتم بشكل مثابر وبجهد متواصل، مما أثمر عملا رائعا ومتكاملا ، وهو ما تمثّل في التجاوب الجماهيري الكبير الذي وجدته المسرحية ، والثناء الذي عبّر عنه الكثير من النُقًاد المتخصصين .
فراكشتاين عمل مسرحي كان قد تم إنتاجه من أجل الأسواق الخارجية بواسطة مسرحيين كوريين. ظللنا نجهز من أجل إعداد هذا العمل المسرحي على قدم وساق لمدة ثلاثة أعوام متصلة. وكانت إدارة مسرح تشونغ مو تشرف على كل مراحل وتفاصيل العمل المسرحي، ليس من الناحية الإدارية والاستثمارية وحدها وإنما حتى على كثير من التفاصيل الفنية مثل اختيار الممثلين والفنانين والفنيين . مسرح تشونغ مو يعتبر هيئة مسرحية عامة تديرها وتشرف عليها بلدية المنطقة، وقد حرص دوما على أن يكون خير نموذج للهيئات المسرحية العامة. من هذا المنطلق تم إنتاج هذه المسرحية الموسيقية الأصلية، وكان ذلك من بين المهام التي وضعتها إدارة المسرح على عاتقها منذ البداية.



ومن بين الأعمال الكلاسيكية التي تم إنتاجها في هذا المسرح بإمكانيات كورية "الإمبراطورة الأخيرة" و"البطل" .
هاتان المسرحيتان الموسيقيتان مقتبستان من أعمال أدبية كلاسيكية متميزة لأشهر الكتاب الكوريين على مر التاريخ. كل المراحل الإنتاجية من تمثيل وموسيقى وإخراج وديكور ومؤثرات كانت قد تمت بطراز عالمي فريد. غير أن العروض المسرحية الخارجية للمسرحيتين لم تجد التجاوب المتوقع ولا الإقبال الجماهيري المنشود، ربما بسبب أن الموضوع لم يكن جذابا بالنسبة للمشاهد الأجنبي.
فرانكشتاين عمل روائي أدبي تم تحويله إلى أعمال فنية عديدة ومتنوعة بدءا من أول فيلم صامت تم إنتاجه في عام 1910، وحتى آخر فيلم جرى تصويره في العام الحالي باسم "أنا وفرانكنشتاين" .
رواية فرانكنشتاين تعتبر أحد أهم الأعمال الأدبية البريطانية في التاريخ، وقد تم تقديمه بمختلف الأشكال السينمائية والتلفزيونية والإذاعية والمسرحية في مختلف دول العالم بعد ترجمته وتوطينه واستنساخه، وقد حقق نجاحات مشهودة في كل تلك البلدان وبكل الأشكال.
الصيغة الكورية لبعض الأعمال المسرحية العالمية مثل "الفرسان الثلاثة" استقبلت بحماس في الصين واليابان بسبب مشاركة نجوم غناء وموسيقى كوريين معروفين هناك. لكن تلك كانت أعمال أجنبية اشترت كوريا حقوق عرضها من جهاتها الأصلية، ولا يمكن اعتبارها أعمالا كورية أصيلة. أما الأمر مع فرانكشتاين فهو مختلف هذه المرة. فالمسرحية لا يشارك في تقديمها أي فنان مشهور، ولا تقدم أي أعمالا غنائية وموسيقية مشهورة.
تم اختيار ممثلين يتميزون بالموهبة والخبرة ، مثل "يو جون سانغ 유준상" و"بارك أُن تيه 박은태" و"لي كون ميونغ 이건명" ، وجميعهم معروفون بقوة الأداء وقوة الصوت. وبسبب تلك القوة نجحت مسرحية فرانكشتاين في تحقيق قدر من النجاح والشعبية والثناء النقدي الواسع، رغم خلو العرض من أي ممن يسمون بـ"نجوم الشباك".
تبدأ قصة مسرحية فراكشتاين بالمساعي التي يقوم بها "فيكتور فرانكشتاين" لأن يصبح رباً وإلها. نشأ فيكتور يتيم الأبوين، واعتقد أن ذلك كان بسبب لعنة إلهية، ولهذا ظل يسعى لإيجاد الطريقة التي تساعده على التخلص من تلك اللعنة، وهو ما دفعه لمحاولة إيجاد آلية للخلق. وفي مسعاه لتحقيق تلك الغاية التقى بـ"هنري دوبريه앙리 뒤프레" الذي كان يمتلك القدرات على حياكة وإعادة تركيب ولصق أجزاء الجسم البشري. هذه الشخصية الثانية لا توجد في النص الأصلي، وهي عبارة عن خيال وإضافة كورية ،
في الجزء الأول من المسرحية كان فيكتور وهنري صديقين حميمين رغم اختلاف أفكارهما حول التوجه الإنساني. كان فيكتور يختبر حدود القدرات البشرية ويحاول التقليل والاستخفاف بالقدرات الإلهية، في حين كان هنري مؤمنا بضرورة عدم التشكيك في قدرات الرب، أو التطاول عليه من قبل أي مخلوق.
بلغت تكلفة إنتاج ذلك العمل المسرحي الموسيقي 3 ملايين و850 ألف دولار، وقد تم تخصيص مائة ألف دولار تقريبا لإعداد المسرح وحده. ولم يضع كل ذلك المال هدرا حيث كان كل ما يتعلق بالمسرحية الموسيقية من شخصيات وخلفيات وديكور ومؤثرات صوتية وضوئية في غاية الإقناع. ونجحت المسرحية في خلق واقع وظروف وأشكال القرن التاسع عشر، وتم تجسيد ذلك فوق خشبة المسرح بصورة مذهلة. رحلة هنري ومثوله على المقصلة بذنب لم يرتكبه كان مشهدا مؤثرا وشديد الواقعية، بحيث بدا الأمر حقيقيا تماما بشكل أرعب الجمهور.
وقبيل إعدامه ترك هنري وصية لفيكتور يطالبه فيها باستعمال جسده للأغراض العلمية. أعاد فيكتور جسد هنري للحياة متحديا إرادة الرب. وعندما حمل فيكتور رأس هنري المقطوع بدأت الرعود في القصف وأبرقت السماء وزمجرت الأعاصير، وكأن ذلك نوع من التعبير عن الغضب الإلهي.
لكن من عاد للحياة لم يكن هنري الإنسان، وإنما هنري الوحش الذي ظل الجميع يسعى من أجل قتله واستفزازه وتسخيره كعبد. هكذا انتهت مساعي فيكتور للخلق والتخلص من اللعنة، إلى خلق مخلوق بشع ومتوحش وملعون.



وبعد إعادة خلق الوحش أصبح أكثر دموية ، وتعرض للمطاردة والضرب والإيذاء والكراهية والرغبة في الانتقام. 22 عازفا قدموا مقطوعات موسيقية رهيبة عكست الجو المطلوب للمشاهد المتنوعة تماما. ومنها ذلك المشهد الذي التقى فيه الصديقان الحميمان السابقان وسط ركام من الجليد وجبال من الثلوج في القطب الشمالي، وكل واحد منهما يصوب بندقيته نحو صدر الآخر. وبينما أصابت رصاصة الوحش فخذ فيكتور اخترقت رصاصة فيكتور قلب الوحش ليخرّ صريعا في الحال. ووقتها فقط تعافى فيكتور من أفكاره المريضة وتخلى عن تطلعاته السخيفة في الخَلق. في الرواية الأصلية قام الوحش بقتل خطيبة فيكتور وقام فيكتور بالانتحار بعد أن لم يتمكن من تحمل المأساة، ثم تبعه في ذلك الوحش. الرواية الأصلية التي انتهت بموت الجميع ربما كانت تبدو أكثر تسامحا وعفوا من المسرحية الكورية التي تركت فيكتور يعاني من عذاب الضمير والشعور بالذنب واليأس، مما دفعه للانتحار.
بعد مضى شهر واحد على بدء عرض المسرحية الموسيقية التي تم رفع ستارها للمرة الأولى في الـ18 من شهر مارس الماضي، تسلمت إدارة المسرح الموافقة المنتظرة منذ ثلاثة أعوام لعرض المسرحية في عدة مسارح خارجية.
مسرحية فرانكشتاين الموسيقية الكورية خطت خطواتها الأولى بخطى واثقة وواعدة. وحسب المخطط فسوف يبلغ عدد العروض في أولى حلقات السلسلة تسعة وثمانين عرضا. وكل العروض التي تم تقديمها حاليا وجدت الكثير من الرواج والشعبية، وبلغ عدد التذاكر المباعة خلال الشهر الأول الذي انقضى أمس أربعين ألف تذكرة. المسرحية الموسيقية البديعة ليست مجرد موسيقى وغناء وأضواء ملونة، وإنما تطرح موضوعات إنسانية مهمة ، حول الجشع والأنانية وتحدي الإرادة الإلهية. والمسرحية أيضا تمثل دفعة قوية لمسار ومستقبل المسرح الموسيقي في كوريا.