الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

حزن كوريا على ضحايا حادث السفينة سيه وول

2014-05-13

حول محطة مترو الأنفاق القريبة من مدرسة دان وان الثانوية، يجري بشكل يومي تنظيم مناسبات لتأبين ضحايا حادث غرق العبّارة الكورية "سيه وول". ظلّ ذلك يتم في كل يوم في السادسة من صباح كل يوم ودون انقطاع، منذ يوم العشرين من إبريل الماضي.



الملصقات والدعوات والصلوات والشارات والشرائط الصفراء معلقة على أسطح وأسوار وجدران كل الطرق والساحات والأزقة القريبة من المحطة. رايات تخفق مع الريح بشكل إيقاعي منسجم مع الألحان الموسيقية الحزينة والتراتيل الباكية التي تنبعث من مختلف الاتجاهات.
صباح يوم الـ16 من أبريل 2014 كان صباحا مشؤوما شهد حادث غرق السفينة الكورية الجنوبية "سيه وول" التي كانت متوجهة من ميناء إنتشون إلى جزيرة جيجو، وعلى متنها 460 راكبا. وحتى يوم التاسع من مايو بلغ عدد القتلى المؤكد 272 شخصا، بينما لا يزال واحد وثلاثون في عداد المفقودين. ورغم مرور الوقت، إلا أن كوريا ما زالت غارقة في دموعها ، وتجتر أحزانها العميقة.
لم تستغرق عملية انقلاب السفينة وغرقها سوى ساعتين وعشرين دقيقة، ومما زاد من الأسى والإحساس بعمق الكارثة هو أن أغلبية ركابها كانوا من الشباب صغير السن من طلاب وطالبات مدرسة دان وان الثانوية الذين كانوا في طريقهم لقضاء وقت ممتع في رحلة سياحية مدرسية مثيرة كي تظل جزءا من ذكرياتهم وتجاربهم وحكاياتهم مع الأصدقاء لزمن طويل. وكان كذلك منظر الأمهات والآباء وهم يتدافعون للمدرسة إثر سماع نبأ الكارثة المأسوية حزينا ويمزق للقلوب.
أطفال على وشك الغرق يتصلون تلفونيا بأمهاتهم وآبائهم ويطمئنونهم بأنهم سيتغلبون على المحنة ويعودون إليهم سالمين. أطفال سجلوا مشاعرهم وأحاسيسهم عبر مكالمات أو رسائل هاتفية حزينة في لحظات مليئة بالخوف والخطر قبل أن يدهمهم الموت فجأة في ذلك الحادث المأسوي.
لم يكن في مقدور الآباء المصدومين الانتظار في منازلهم أو داخل المدرسة لذا انضموا لقوافل السفر الطويلة إلى مكان وقوع الحادث على بعد ست ساعات في ميناء جزيرة "جين دو". ولكن للأسف، فإن الأنباء التي كانت في انتظارهم لم تزدهم إلا جزعا.



ومع تلاشي الأمل، ترتفع قوائم أسماء الموتى، وتتزايد أعداد أسماء المفقودين، وتتناقص فرص العثور على أحياء. ومما زاد الطين بلة إحساس البعض بعدم جدية أو فاعلية عمليات الإنقاذ. ورغم توالي العمليات التي يقوم بها غواصون محترفون ومدربون داخل أعماق البحر، إلا أن النتائج كانت محبطة وفاشلة بسبب قوة الأمواج وسوء الأحوال الجوية .
ومن ناحية أخرى، كانت المعلومات متضاربة ومتناقضة حول أعداد الضحايا مما زاد من شدة الألم وموجات الحزن. وفي كل مرة يتم فيها العثور على جثة مفقود تتعالى صيحات البكاء وصرخات العويل وأنات الحزن .
الكثيرون ممن شاهدوا تلك المناظر الباكية الحزينة على شاشات التلفزيون، قرروا أن يشدوا الرحال إلى مواقع الكارثة ليشاركوا في تقديم كل ما يمكن تقديمه من مساعدات إلى أسر الضحايا .
متطوعون جاؤوا من أمكان متعددة قريبة وبعيدة ومن كل حدب وصوب. مساعدات متنوعة من مواد غذائية ومواد طبية ومواد نظافة، وكل ما من شأنه التخفيف من آلام وأعباء أسر الضحايا الحزانى والمكلومين .عمليات المساعدة والمشاركة ليست سهلة كما قد يظن البعض، لكن من قام بها فعل ذلك بدافع من الشعور بجسامة حجم الكارثة.
ربما لا توجد أية كلمات يمكن أن تهدئ من روع الأمهات الثكالى والآباء المحزونين، لكن المشاركة الشعبية والاهتمام من جانب الجميع شكلا بعض المواساة بالنسبة لهم.
وبالإضافة لنصب تذكاري تم بناؤه في مدينة آنسان التي تقع فيها مدرسة "دان وان" الثانوية التي فقدت المئات من طلابها في تلك الكارثة، تم إنشاء سرادقات عزاء في أكثر من مائة وأربعين موقعا في مختلف أرجاء البلاد، أمتّها جموع غفيرة من المعزين الذين يقدر عددهم بأكثر من 16 مليونا، ومازال العدد في تزايد.
أشكال التعبير عن الحزن والعزاء تتعدد ما بين الوقوف دقيقة صمت، أو وضع أكاليل من الزهور أمام صور الضحايا، أو التعبير شفاهة أو كتابة عن التعازي لأسر الضحايا ومواساتهم بشتى الأشكال.
الجدار التذكاري القريب من النصب التذكاري مغطى بالأوراق والمذكرات والبطاقات التي تحمل الصلوات والأدعية والتمنيات من جانب الكثيرين من داخل وخارج كوريا. أم ألمانية أرسلت مواساتها من على البعد لأمهات الضحايا، وطالب صيني عبّر برموز صينية مؤثرة عن تعاطفه مع أسر الضحايا، وأشرطة ومشابك ودبابيس وبطاقات صفراء من مناطق مختلفة داخل وخارج كوريا للتعبير عن الشعور بالألم والصدمة والحزن والمواساة معلقة على الأسقف والأسطح في مواجهة السماء الملبدة بالحزن والدموع.
ثمانية وعشرون يوما انقضت منذ وقوع الكارثة التي أشاعت قدرا غير مسبوق من الألم في كوريا. كل مظاهر الاحتفالات والمهرجانات تم إلغاؤها في كوريا خلال تلك الأيام التي عاشت فيها البلاد فترة حداد متسربلة بالسواد. حتى الأشخاص العاديون ألغوا برامج السفر والترفيه التي خططوا لها ، والكثير من المناسبات الشخصية والأفراح تم إرجاؤها لأوقات أخرى إلى أن تنجلي حالة الحزن السائدة في البلاد. ومن ناحية أخرى، مازال الغواصون مستمرين في محاولاتهم اليومية للبحث عن المفقودين، رغم عدم وجود أي احتمال لإنقاذ ضحايا بعد كل هذا الوقت.
هناك طائفة أخرى من المعذبين نفسيا، وهم من تم إنقاذهم بعد أن شاهدوا السفينة تغرق وهي تحمل أعدادا من الزملاء والأصدقاء والأحباء، وهي مشاهد ستظل عالقة في الذاكرة الحزينة لوقت طويل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الغواصين وأعضاء فريق الإنقاذ يتعرضون هم أيضا لشكل فظيع من أشكال التوتر النفسي والعصبي .
ما زال الكثيرون يرتدون الشعارات والشارات الصفراء ويحملون الشموع المضيئة. وما زال البعض يصلي من أجل حدوث معجزات وخوارق تعيد لهم أحباءهم الذين ابتلعهم البحر. وما زالت كوريا من أقصاها إلى أدناها في حالة حزن وحداد. لكن مهما حجم المأساة، فلا بد من التئام الجراح، ومهما طالت فترة الحزن واشتد الغضب، فلا بد أن تهدأ النفوس وأن يتجاوز المجتمع الكوري تلك الكارثة، وأن تمضي الحياة وتتواصل المسيرة من جديد، بعد أن يكون الجميع قد تعلم دروسا مفيدة من أخطاء يجب ألا تتكرر وألا يكون مآلها التجاهل أو النسيان.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;