"دُك أم جي صول 득음지설" وهي سلسلة حفلات تمزج بين الأدب الكوري الكلاسيكي وملاحم الأوبرا الكورية التقليدية "بانسوري 판소리".
"تشو إيم سيه 추임새"، وهي عبارة عن أصوات وصرخات إيقاعية تتداخل مع الأغنية في أثناء انسيابها وتكون بمثابة محسنات للأداء وحافز للمؤدي.



و"تشو إيم سيه" أيضا هي وسيلة للجمهور للتعبير عن إعجابه وحماسه للأداء. مغنو البانسوري عادة ما يكونون في قمة حيويتهم واندماجهم عندما يتفاعل الجمهور مع الملحمة بشكل واضح، وينعكس ذلك في ترديد وتكرار مقاطع "تشو إيم سيه"...
وذلك ما يجعل الأداء أكثر حماسا وأكثر روعة ، كما يجعل المؤدي وحتى الجمهور أكثر تأثرا بالملحمة. ملاحم البانسوري الكورية الشعبية الغنائية هي فنون تتسم بالإثارة والمتعة وتدغدغ حاستيْ السمع والنظر بشكل يدفع المشاهد للتفاعل والمشاركة. وتكمن مشكلة البانسوري حاليا في أن الكثير من ألفاظها ومفرداتها وتعبيراتها قديمة وغريبة، مما يجعلها صعبة الفهم. ومن أجل تذليل تلك المشكلة، تسعى مؤسسة التراث الكوري لتفعيل فكرة ممازجة الأدب الكوري الكلاسيكي مع أوبرا البانسوري التقليدية من أجل مساعدة المشاهدين على فهم واستيعاب تلك العروض التقليدية. "ودُك أم جي صول" هي سلسلة حفلات تمزج بين ملاحم الأوبرا الكورية التقليدية "بانسوري" وعيون الأدب الكلاسيكي الشعبي، وقد أقيمت في مسرح "بونغ ريو" خلال الفترة من الـ23 وحتى الـ27 من يونيو الماضي.



فنون البانسوري والأدب الكوري التقليدي نمطان متشابهان من حيث أنهما نمطان فنيّان للتعليم والترفيه في نفس الوقت. الكثيرون تحمسوا لفكرة حفلات "دُك أم جي صول" التي تمزج بين الأدب الكلاسيكي وفنون الأوبرا الموسيقية الملحمية التقليدية بشكل مثير. تدور ملحمة "سو كونغ كا 수궁가" حول سلحفاة بحرية تسافر للبر للعثور على كبد أرنب وحشي لمعالجة الملك من مرضه. أما "تشون هيانغ كا 춘향가" فهي ملحمة عاطفية رومانسية وقصة حب بين الفتى "لي مونغ ريونغ" سليل الأسرة النبيلة، و"تشون هيانغ" ابنة الجارية المحظية. وتدور ملحمة "شيم تشونغ كا 심청가" عن الفتاة البارة شيم تشونغ التي تضحي بنفسها قربانا للبحر من أجل إنقاذ أبيها من العمى. بينما تدور ملحمة "هُنغ بو كا 흥보가" عن الشقيقين "هنغ بو 흥부" ونول بو 놀부"، وهي نموذج أخلاقي عملي للفرق بين الجشع والكرم، والخِسة والنبل. أما الموضوع الرئيسي لملحمة "جوك بيوك كا 적벽가" فهو معركة الجرف الأحمر، وهو جزء من الرواية الصينية الشهيرة "الحكاية الرومانسية للمالك الثلاث". كل ما تطرحه وتقدمه هذه الأعمال الكلاسيكية ليس مجرد متعة وإثارة، وإنما دروس ومواعظ وعِبر، للتمييز بين الخير والشر .
ملاحم البانسوري هي من نوع أوبرا الشخص الواحد، حيث إن بطل الملحمة عادة ما يكون شخصا واحدا يروي الحكاية من خلال مقاطع ملحنة ومنمقة، ويكون فيها هو جميع شخصيات الرواية، حيث يتقمص ويقدم كل شخصية بصوته وبطريقة مسرحية جذابة بصحبة طبال لضبط الإيقاع الموسيقي. وفن البانسوري هو الكنز الثقافي المهم رقم 5 في كوريا حسب تصنيف منظمة اليونسكو العالمية.
غناء وأداء البانسوري ليس بالأمر اليسير، فهو عمل صعب يحتاج لمجهود شاق وقدرات خارقة ولموهبة فريدة لتقديمه بالشكل المطلوب. والمؤدي لا يصل لمرحلة الأستاذية إلا بعد ممارسة طويلة وجهود متواصلة وشاقة وتدريب صعب وقاسٍ وقدرة على الإضافة والابتكار والتصرف في المواقف الصعبة، وأن يتسم أيضا بروح الفكاهة، والقدرة على انتزاع التجاوب من الجمهور.
في حفلات وعروض "دُك أم جي صول 득음지설" يقوم المؤدون من أصحاب الخبرات في غناء الملاحم الرئيسية الخمس بغناء المقاطع والأجزاء الأكثر أهمية وشعبية، بينما يعقّب عليها أدباء مشهورون.
تحدث الأديب كيم عن مغزى وقيمة البانسوري كفن وتراث إنساني وعالمي. الأمر في مجمله محاولة لتقريب فنون البانسوري الكورية التقليدية لفهم الشخص العادي وجعلها أكثر شعبية وأكثر استساغة وأكثر جاذبية. حتى الأديب الكلاسيكي المعروف كيم احتاج لمراجع وقراءات وشروح من آخرين حتى يستوعب الأمر ويصبح قادرا على تقديم وتقريب الفكرة للمشاهد العادي. وهو يقول إنه نفسه لم يكتشف جماليات وعظمة ذلك النمط الفني إلا بعد أن قام بالمزيد من التبحر فيه .
أفراد الأجيال المعاصرة قد يندهشون لطريقة التفكير السوي والسلس والمنطقي لأسلافهم رغم استعمالهم حكايات وقصص وكائنات خرافية وهمية مما يجعل الكثيرين يندمجون ويستغرقون بكل وجدانهم في الحكاية الخيالية.
ملك بحر بكل جلاله وجبروته بحاجة لمن يستجلب له كبد أرنب بري تتوقف عليه حياته وهو لا يجد من كل رعاياه سوى سلحفاة بطيئة للقيام بهذه المهمة العاجلة. كل هذه التفاصيل تجد الاهتمام والتحليل والشرح والتفسير، من خلال المعلق المشرف في أثناء العرض.
مطربة البانسوري "نام هيه صونغ 남해성" التي تعتبر كنزا بشريا من الكنوز الثقافية الكورية، هي من تغني أكثر المقاطع إثارة في تلك الملحمة التقليدية، وهي النزاع والصراع الذي يدور بصورة معبّرة وساخرة بين الحيوانات والكائنات الأرضية من أجل الفوز بمملكة البحر. فعندما تصل السلحفاة إلى الأرض، تلتقي بجماعة من الحيوانات، منهم الأسد والفيل والزرافة والدب والسنجاب والغزالة، وكل حيوان منهم يحاول إثبات أنه الأقدم والأكثر استحقاقا لتولي العرش.
في اليوم الثالث يتم تقديم ملحمة عاطفية رومانسية هي "تشون هيانغ كا 춘향가"، التي تدور حول قصة حب بين الشاب "لي مونغ ريونغ" والشابة "تشون هيانغ"، وتتناول موضوعات عن الأمل والفقر والثراء والطموح.
ليس من السهل بالطبع على أي شخص مهما بلغت براعته وتعددت مهاراته وتفردت مواهبه أن يقوم بتجسيد كل الأدوار المتنوعة والكثيرة والمتناقضة أحيانا في ملاحم البانسوري التي تستمر لساعات طويلة، لكن هذا ما تفعله باقتدار المطربة "شين يونغ هي 신영희".
بالنسبة للبسطاء الذين تعبوا من الاستغلال والظلم الذي يمارسه بعض المسؤولين ، فإن العلاقة الغرامية التي تجمع بين الفتى الثري النبيل والفتاة التي تنحدر من طبقة في أسفل السلم الاجتماعي، هي صورة مناقضة تماما للواقع الاجتماعي السائد، لكنها تمنح الأمل في أن التغيير ممكن ووارد طالما توفرت المشاعر الإنسانية.



كل من حضر هذه الحفلات التي تمزج بين الأدب الكلاسيكي والأوبرا الملحمية الكورية التقليدية خرجوا وهم أكثر تفهما لهذا النمط الفني التقليدي الخاص. الأدباء والكتاب الكبار الذين شاركوا كمعلقين وشارحين لهذه الأعمال التراثية الجميلة أضفوا على هذا النمط الفني جمالا ورونقا، وجعلوه مفهوما وسهلا للجميع، وليس حصرا على نٌخبة أو وقفا على صَفوة.