أم وولدها يبحثان في الغابة عن شجرة خاصة. أي نوع من الأشجار يبحثان عنه يا ترى؟
من خلال ألعاب متعددة ومهام مختلفة، يجدان الكثير من الإثارة في التعرف على خواص متعددة للنباتات المختلفة المنتشرة داخل حديقة هان تيك النباتية الواقعة في "يونغ إين" بمقاطعة كيونغ كي.



الكثير من الناس مجهدون ومتعبون من الحياة التي يعيشونها، ومما فيها من زحام ومشاكل وتنافس شرس. لهذا فقضاء أوقات خالية من تلك الهموم بعيدا عن التوتر والعصبية أمر يعطي النفس والروح دفقات من الحيوية والراحة. مثل ذلك النوع من الترويح صار توجها عاما هذه الأيام في كوريا. فالكثيرون وبشكل متزايد صاروا ميالين لقضاء جانبا من أوقاتهم داخل الحدائق النباتية والبساتين. وحديقة هان تيك النباتية هي الأكبر من نوعها في القارة الآسيوية حيث تبلغ مساحتها 661 ألف كيلومتر مربع، وهي موطن لـ12 ألف نوع من النباتات المختلفة.
يوجد في كوريا أكثر من 4900 نوع من النباتات، ونحن نعرض حوالي 12 ألفا منها في حديقتنا. هذه النباتات تتنوع بين الزهور اليانعة الجميلة والثمار الصالحة للأكل والأعشاب ذات الخواص الطبية وغيرها.
وفي حديقة هان تيك النباتية يتم عرض النباتات داخل 35 منتزها وثمانية بساتين شاملة بشكل شديد الانسجام.
وعبر عشرين عاما متواصلة، كان اكتشاف وجمع كل أشكال النباتات المتنوعة في كوريا هو الشغل الشاغل لصاحب الحديقة. وكاد اليأس أن يدب في نفسه أكثر من مرة، فقد كانت صعوبات جمة تلاحقه بشكل مستمر ومتكرر. لكنه نجح في إعداد حديقة ممتازة تم تخصيصها بواسطة وزارة البيئة الكورية كموطن طبيعي ومركز لحفظ أنواع النباتات المعرضة لخطر الاندثار. وفي عام 2002 تم اعتبارها الحديقة النباتية القومية الأولى في البلاد، وفي 2003 بدأت في فتح أبوابها للجمهور تحت اسم حديقة هان تيك النباتية.
وبتاريخ بلغ ثلاثين عاما، صارت الحديقة معلما مهما ومستودعا للزهور البرية والنباتات ساحرة الجمال. وتفتخر الحديقة بأنها لا تلجأ أبدا لاستعمال أي مبيدات كيميائية.



تنقسم الحديقة النباتية إلى 35 منتزها زراعيا، ويشتمل كل منتزه على نوع مختلف من النباتات أو الزهور أو الثمار أو الأعشاب بجانب عدد من المراصد والبساتين والمزارع والمحميات. في مثل هذا الوقت من العام، أي موسم الخريف، تصبح الحديقة مرتعا للجمال والوفرة. فبمجرد أن تلتفت شمالا بعد دخول الحديقة تشاهد حديقة لورود القرنفل الحمراء والبيضاء المتفتحة وهي موطن لـ350 نوعا وسلالة مختلفة من ورود القرنفل، ومن بينها 80 نوعا تم استجلابها من الصين بموجب اتفاقية تم التوصل إليها بين سيول وبكين. زهور القرنفل ليست النباتات الجمالية الوحيدة الموجودة في الحديقة، حيث توجد طائفة متنوعة من الأزهار والورود التي تنمو وتتفتح سويا خلال موسمي الخريف والربيع. وبجانب حديقة ورود القرنفل، هناك أيضا أزهار متنوعة أخرى. وإذا مشيت على الطريق المرصوف بالحصى فستصل إلى أريكة خشبية في نهاية الطريق وهي المكان المناسب لاستراحة تستنشق فيها عبير الخريف الزكي.
في منتصف الحديقة يوجد حقل ممتد من الحشائش الخضراء بعرض 120 مترا وارتفاع 8 أمتار وأحواض زهور على الجانبين، يشتمل كل حوض منها على مائة نوع على الأقل من الزهور التي تزين هذا الحقل بانسجام بديع.
ووراء الحقل نجد محمية زجاجية خضراء تضم 150 نوعا من النباتات المتنوعة التي تم استجلابها من أستراليا ونيوزلندا.
شجرة "الباو باب" يمكن التعرف عليها بسهولة داخل هذه الحديقة، ليس بسبب شكلها الفريد فقط وإنما لأنه يوجد ايضا بجانبها تمثال خشبي يعرف باسم تمثال "الأمير الصغير"، وأريكة طويلة، وعدد كبير من الناس المتجمهرين لالتقاط صور فوتوغرافية في المكان.
وفي يوم من الأيام، وبسبب عطل كهربائي ، تدنت درجات الحرارة داخل المحمية لتصل إلى عدة درجات تحت الصفر. ولذلك فإن أغلب الأشجار داخل المحمية ذبلت وماتت ما عدا شجرة الباو باب التي عاشت وبقيت حية صامدة. الكثير من العاملين في الحديقة يعرفون جيدا كيفية نجاح هذه الشجرة في التكيف مع الأحوال المناخية في موطنها الجديد في كوريا. وهذا ما أكسبها الاسم الحركي "الشجرة المتطبعة". هناك العديد من الأشجار التي تستحق الزيارة في مختلف الفصول، لكن مساعد مدير الحديقة يرى أن الشتاء هو الفصل الأنسب للزيارة.
نتحول الآن لحديقة الصخرة، وهي واحدة من المنتزهات العديدة هنا وتشتمل على العديد من الصخور والنباتات الصخرية. تأسست في 1998 وهي أول حديقة صخرية من نوعها في كوريا وتقع في الجزء الأعلى من الحديقة النباتية. وبجوارها نجد شجرة "الدش الذهبي" التي تملأ الجو بعبير فواح وأريج معطر والتي كانت موضوعا ومادة لقصيدة أطفال قديمة معروفة باسم "بان دال 반달".
شجرة "الدش الذهبي" تستثير ذكريات كثيرين من الكبار الذين كانوا ينشدون قصيدة بان دال في طفولتهم وهم ينظرون نحو القمر، ويتخيلون أن فوق القمر أرنبا تطحن الأرز من أجل عمل كعك الأرز المستدير بجوار تلك شجرة.



تتميز شجرة الدش الذهبي بأوراقها التي تشبه شكل القلب. وهناك حكاية قديمة تقول إن الشخص الذي يقدم لمن يحب ورقة مجففة من أوراق تلك الشجرة سيعيش معه في سعادة وهناء لبقية العمر. ولذا يسميها البعض بشجرة الخطوبة.
الحديقة النباتية تتيج الفرصة للزائر كي يجرب ويتعلم شيئا عن النظام الإيكولوجي. والحديقة لديها برامج مسلية ومخصصة لطلاب المدارس الثانوية والوسطى وتلاميذ المدارس الأولية، كما أن لديها كذلك برامج موجهة للأسر وعدد من البرامج التعليمية الأخرى .
ورغم أن الأسئلة عادة ما تكون سهلة وبسيطة، إلا أن الإجابة عنها قد تتطلب جولات وجولات حول الحديقة، وهي تجربة مفيدة على كل حال.
وبعد قضاء يوم في رحاب الحديقة النباتية يشعر الزائر وكأنه تحول إلى جزء من الطبيعة، وقد يجد صعوبة حقيقية في مغادرة ذلك الجو المعطر وتلك الطبيعة الساحرة الأخاذة وكل ذلك الجمال الذي يسعد الروح والذهن والبدن، ولذلك فإن عدد زوار الحديقة يزداد يوما بعد يوم.