الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

زهرة الدوراجي

2019-10-04

ⓒ Getty Images Bank

زهرة الدوراجي، وتعرف أيضًا باسم زهرة البالون، هي زهرة برية تنمو في كوريا، لكن تلك الزهرة الأرجوانية الفائقة الجمال لها أسطورة حزينة. فيحكى أنه في قديم الزمان، في يوم من الأيام، وفي ركن قصي من أركان البلاد، عاشت فتاة صغيرة تُدعى دوراجي. وبكل أسف، فقدت دوراجي والديها عندما كانت لا تزال طفلة صغيرة، فرباها أحد أقربائها. اعتنى الرجل بدوراجي كما لو كانت شقيقته، وأحبته هي بشدة، ولا عجب في ذلك، فلم يكن لها في هذه الحياة القاسية سواه، ولم تكن تستطيع الاعتماد على أي شخص غيره. بالنسبة إليها، كانت الحياة دون هذا الأخ اللطيف الطيب لا يُمكن تصورها. وفي يوم من الأيام، أخبر الرجل دوراجي بوجه مثقل بالهموم أنه سيضطر إلى مغادرة المنزل لفترة. هوى قلبها بين قدميها حين سمعت النبأ، وسألته بصوت مرتجف عن سبب الرحيل المفاجئ. فأجابها: "كما تعرفين، الحياة صعبة بالنسبة إلينا هنا في هذه القرية الصغيرة. أفكر في الذهاب إلى الصين، أريد أن أكسب بعض المال في مكان أوسع وأكثر فرصًا من هذه القرية"، سألته دوراجي عن الموعد التقريبي المتوقع لعودته، فقال: "لا أدري، قد يستغرق الأمر عشرة سنوات كاملة. لن يكون من السهل عليك العيش هنا من دوني، لكن يجب أن تتحملي يا دوراجي، فأنا مصر على النجاح. بعد أن أكسب الكثير من المال، سوف أعود إليك، أعدك بهذا". كان فراق أخيها، والقريب الوحيد لها في هذا العالم، أمرًا شديد القسوة على دوراجي، شعرت وكأن قلبها يتحطم تمامًا، لكنها لم تستطع أن تعترض أو أن تبدي أي علامة على ما كانت تشعر به. لم يكن لديها أي خيار آخر سوى مباركة القرار الذي اتخذه، وسرعان ما أتى اليوم الموعود، وغادر مبحرًا إلى الصين.

ومنذ ذلك اليوم، عاشت دوراجي في معبد بوذي صغير، كانت تقوم بالمهام المنزلية، وتساعد الرهبان. كانت تتسلق التلة خلف المعبد كل يوم كي تراقب البحر، وهي تتمنى أن ترى سفينة ما قادمة من بعيد، كي يتسنى لها فرصة لتأمل على الأقل أن يكون أخوها على متن السفينة. مرت السنوات العشرة، لكن الأخ لم يرجع. انتشرت شائعات تفيد أن الكثير من السفن الآتية من الصين غرقت بركابها بسبب العواصف القوية، لكن دوراجي لم تهتم بهذه الشائعات القاسية، فقد كانت تؤمن إيمانًا راسخًا أن أخاها سيوفي بوعده ويعود إليها لا محالة. تابعت روتين حياتها وكأن شيئًا لم يكن، وظلت تنتظر عودته في صبر ووفاء.

مرت عشر سنوات أخرى، ولم يعد الأخ بعد. أصبحت دوراجي امرأة في منتصف العمر، وكانت لا تزال تنتظر، ولم يتغير رأيها. كانت لا تزال تؤمن أن أخاها سوف يعود ولا شك، صحيح أنه تأخر، لكن هذا لا يعني -بالنسبة إليها على الأقل- أنه لن يعود. مرت السنون دون هوادة، حتى صارت دوراجي جدة عجوز، تعيش وحدها في المعبد البوذي القديم بعد رحيل جميع الرهبان أو مفارقتهم هذا العالم. لكنها، رغم كل ذلك، كانت لا تزال تنتظر.

في يوم من الأيام، تسلقت التل خلف المعبد لتراقب البحر كعادتها، علها تلمح سفينة هنا أو هناك تجلب لها أخاها. وهنا، سمعت صوتًا مألوفًا من خلفها يقول: "دوراجي، لقد عدت. أنا أخوك"، لم تصدق أذناها، فدارت لترى بنفسها، لكنها عندما استدارت، لم تر أي شخص. أدركت أن ما سمعته كان هلاوس لا أكثر، فانهارت وسقطت على الأرض، وهي تشعر بالحزن واللوعة والوحدة. لقد انتظرته لسنوات طويلة، دون أن تشتكي ولو حتى لمرة واحدة، لكن في هذه اللحظة، بدا أن اليأس والإحباط والحزن واللوعة قد اجتمعوا عليها فجأة بقوة كل السنين التي مضت، فلم تستطع المقاومة. بعد سنوات طويلة طويلة من الصبر والوحدة، لم تستطع أن تتحمل هذه القشة الأخيرة. فارقت الحياة في هذا الوضع البائس، وبعد عدة سنوات، نبتت عدة أزهار أرجوانية رائعة في مكان موتها. ظن الناس أن إله الجبال قد رق للمرأة المسكينة فحولها إلى هذه الزهرة البديعة. وسميت الزهرة باسم دوراجي، اسم الفتاة الصغيرة التي انتظرت بكل صبر رجلًا لم يأتي أبدًا.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;