افتتح الطريق السريع "كيونغ بو 경부" الذي يربط بين سيول وبوسان في السابع من يوليو من عام 1970.
ويعتبر هذا الطريق السريع هو الأول من نوعه في كوريا الجنوبية، وهو يتخلل الجبال والمرتفعات ويعبر الأنهار من خلال جسور متعددة بنيت لهذا الغرض خلال عامين وخمسة أشهر.
طريق كيونغ بو البري السريع الذي يبلغ طوله 428 كيلومترا، يقطع الأراضي الكورية الجنوبية من الشمال إلى الجنوب، وقد أسهم بقدر كبير في تسريع حركة التصنيع والتطور والتنمية في البلاد.

كانت ظروف وأحوال الطرق في كوريا حتى منتصف الستينيات من القرن الماضي في حالة مزرية، وذلك في أعقاب الحرب الكورية. وفي تقرير لوزارة الإنشاءات حول حالة الطرق، صدر في عام 1966، يتبيّن أن معدل إجمالي طول الطرق في كوريا لكل شخص كان لا يزيد عن 1.1 كيلومتر، وهو رقم يقل كثيرا عن الرقم في الولايات المتحدة وهو 31.5 كيلومتر، أو اليابان وهو 10.2 كيلومتر. أما بالنسبة للشوارع المسفلتة والممهدة، فقد كان عددها في كوريا لا يمثل سوى 5.1% من إجمالي الطرق في البلاد. وإزاء هذا الوضع المزري، كان من الضروري تشييد طريق بري سريع.

في مطلع عام 1967 قررت الحكومة الكورية بناء طريق كيونغ بو البري السريع ليربط بين سيول وبوسان، وتم تكوين فريق متخصص للتصميم والتنفيذ والإنشاءات في ديسمبر من العام نفسه.

وشهد تنفيذ المشروع العديد من المشكلات منذ مرحلة التخطيط الأولى، حيث كان البنك الدولي للتعمير والإنشاء، وهو الجهة المسؤولة عن إعداد دراسة الجدوى بالنسبة للمشروع وقتها، ضد تنفيذ المشروع.

وعند إعلان خطة تشييد الطريق السريع "كيونغ بو"، ثارت معارضة شعبية كبيرة، حيث هاجم الحزب المعارض والعديد من الجماعات والمنظمات الإعلامية المشروع لأسباب متعددة.
لكن الحكومة قررت المضي قدما في تنفيذ المشروع رغم تلك المعارضة الواسعة. وبدأ تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع من سيول إلى سو وان في الأول من فبراير 1968. وكان المشروع يتكون من سبعة قطاعات، وكان عدد الشركات المنفذة 16 شركة.

وقد شارك حتى الجنود في القوات النظامية في تنفيذ المشروع من خلال وجودهم كمراقبين وموجهين في مناطق الإنشاءات. وبلغ عدد العاملين في تنفيذ المشروع حوالي تسعة ملايين شخص، ما بين مدني وعسكري ممن تم حشدهم وتعبئتهم لإكمال المشروع. لم تكن كوريا تمتلك التكنولوجيا ولا المعدات اللازمة لتنفيذ مشروع بهذا الحجم غير أن الجميع بذلوا قصارى جهدهم.

وبعد عام ونصف من بدء العمل، بدأ الطريق يأخذ شكلا حقيقيا واعدا. وحتى ديسمبر من عام 1969 تم افتتاح خمسة من القطاعات السبعة، لكن مفاجأة مثبطة للهمم كانت في الانتظار، وذلك في وقت كان فيه حلم انتهاء المشروع بنجاح قد بدأ في مداعبة خيالات الكثيرين. فقد واجه العاملون معضلة حفر نفق "دانغ جيه 당재" في "أوك تشون 옥천".

كان إكمال بناء نفق دانغ جيه أمرا جوهريا ولازما لإكمال بناء طريق كيونغ بو البري السريع.
وكان العاملون في المشروع يتناوبون العمل ليلا ونهارا بنظام الثلاث نوبات على مدار الساعة في كل يوم.
وبعد عامين وخمسة أشهر تم افتتاح طريق كيونغ بو السريع، الذي يعبر مقاطعات كيونغ كي وتشونغ تشُنغ وكيونغ سانغ، ويربط بين العاصمة سيول ومدينة وميناء بوسان.

وبسلاح العزيمة وحده تم تشييد طريق سكك حديد كيونغ بو، غير أن النتائج والعائدات كانت مدهشة بكل المعايير. ويعتبر بناء طرق برية بهذا الطول وفي مثل هذا الوقت القصير وبهذه التكلفة المحدودة إنجازا نادرا. فهناك طريق بري مشابه اسمه طريق "دوميه 도메" في اليابان تكلف ثمانية أضعاف تكلفة طريق كيونغ بو، الذي تم اعتباره بواسطة جهات كثيرة إنجازا فريدا ورقما قياسيا لا يوجد له مثيل في التاريخ.

وقد أدى تنفيذ هذا الطريق السريع إلى حدوث تغييرات واضحة في حياة كل الكوريين، فالربط بين أهم مدينتين في كوريا جعل الحياة أسهل، والتنقل بين مختلف المدن الكورية أيسر وأسرع.

كما صار من الممكن شراء وإحضار الأسماك وغيرها من المأكولات البحرية طازجة من بوسان إلى سيول، والمنتجات الزراعية بكل أنواعهما صار من الممكن شراؤها من مختلف المناطق الريفية وبيعها في سيول خلال نفس اليوم، مما وحّد بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستهلاك.
ومع افتتاح طريق كيونغ بو السريع انفتح الباب أمام الحافلات السريعة والأوتوبيسات السريعة المجهزة بكل وسائل الراحة للتنقل بين المناطق والأقاليم المختلفة.

الطريق السريع الذي تم بناؤه بعزيمة صادقة كان أول الغيث الذي أسهم في خلق طفرة اقتصادية ونقلة تنموية مدهشة.
طريق كيونغ بو السريع هو أكبر وأكثر من مجرد طريق للسيارات والناقلات، فهو رمز للتطور والحداثة. وتمتلك كوريا الآن 33 طريقا بريا يبلغ طولها مجتمعة 4139 كيلومترا، وهو ما ساعد كوريا على تحقيق معجزتها الاقتصادية على نهر الهان وجعلها تتأهب لتحقيق معجزة أخرى وربما سلسلة معجزات قادمة.