في تمام الساعة الـ11 صباحا من يوم الـ15 من أغسطس من عام 1974، انطلق الخط رقم واحد في شبكة قطارات مترو الأنفاق، من جونغ نو.

وجعل ذلك الانطلاق من كوريا الدولة الحادية والعشرين عالميا التي تتمتع بمثل تلك الشبكة من القطارت. ومع انطلاق الخط رقم واحد، تم كذلك افتتاح شبكة قطارات مترو الأنفاق لمدينة سيول وضواحيها في نفس اليوم.
وسهّل انطلاق أول قطار في شبكة مترو أنفاق سيول من حركة النقل والمواصلات في العاصمة الكورية وضواحيها كثيرا، عبر دائرة يبلغ قطرها خمسة وأربعين كيلومترا، حيث تم اختصار الوقت والمسافة بشكل ملحوظ، وحدث ما يشبه ثورة في ذلك المجال في كوريا.

قبل حقبة الستينيات من القرن الماضي، وقبل إنشاء مترو الأنفاق في كوريا، كانت العاصمة الكورية سيول تعاني من أزمة خانقة في حركة النقل والمرور والمواصلات بسبب حركة التطور الصناعي السريع وكثرة التدفقات السكانية والموجات البشرية الكثيفة التي أقبلت على العاصمة. وفي عام 1968 تم الغاء نظام "الترام" الذي كان معمولا به في سيول، مما تطلب إيجاد بديل حضري مناسب لتسيير حركة النقل العام، وهو ما دفع بلدية سيول للبدء في تشيد نظام للنقل والمواصلات بواسطة شبكة مترو الأنفاق لحل أزمة المواصلات.

وكان من الطبيعي وضع هذا المشروع الحيوي المهم في قائمة الانتظار لحين وجود الظروف الملائمة. وفي عام 1970 أعلنت الحكومة عن خطة لتشييد شبكة مترو أنفاق سريعة. وبعد حوالي عام من ذلك، وتحديدا في الـ12 من شهر أبريل من عام 1971، وفي حفل تاريخي مهيب أمام ساحة بلدية سيول وبحضور حوالي ثلاثين ألف شخص، بدأ التنفيذ الرسمي للمشروع الكبير.
بدأت عملية تنفيذ الخط الأول، وهو الخط رقم واحد، بتقنية كورية محلية. وتعرض المشروع الوليد للعديد من المشكلات والمعيقات بسبب الخبرة المحدودة للمهندسين الكوريين في مختلف المجالات المطلوبة، بما في ذلك التقنية والتصميم.

كان تشييد الشبكة يتطلب المرور عبر أنفاق أرضية وجسور معلقة وحدائق ومنشآت طبيعية وأثرية وثقافية وتاريخية واختراق أنهار، وكانت تلك كلها أشياء صعبة تحتاج لحلول معقدة وقرارات جريئة، لكن المشروع استمر مدفوعا بالشعار البرّاق: "تعالوا بنا نركب مترو الأنفاق في عام 1974".

وعندما تم افتتاح شبكة قطارات مترو الأنفاق كان ذلك شيئا جديدا تماما وغريبا وفوق تصور معظم الكوريين. كانت عملية ركوب قطار يسير تحت الأرض تبدو بالنسبة للكثير من الكوريين شيئا أقرب للخيال السينمائي. وكان منظر مرور قطار في سراديب أرضية وعبر الأنفاق، بأضواء مشعة متوهجة، شيء مدهش ومبهر ومثير للفضول، على الأقل بالنسبة لأهل القرى والأرياف الذين لم يشاهدوا ذلك الأمر حتى في دور السينما.

وحسب إحصائيات رسمية صدرت في عام 1974، استخدم المترو في اليوم الأول من انطلاقه حوالي 295 ألف شخص. وقد تم افتتاح الخط الأول وسط تغطية إعلامية شاملة وبمشاركة شعبية جماهيرية تفوق التصور، وبدا الكوريون وكأنهم مقبلون على عصر جديد وتغيير شامل في كل مناحي الحياة.

وعند بدء تشغيل مترو الأنفاق، كان سعر التذكرة ثلاثين وون، وكان متوسط عدد الركاب في اليوم هو 230 ألف شخص. كانت الشبكة وقتها تتكون من تسع محطات فقط لكنها أسهمت في إيجاد ما يشبه الحل السحري لمشكلة المواصلات في سيول وقضت على الكثير من مظاهر الزحام والتدافع المميت .

انشئت أول شبكة مترو أنفاق في العالم في العاصمة البريطانية لندن في عام 1863، وبعد 111 عاما من ذلك وصلت قطارات تلك الشبكة إلى مدينة سيول في كوريا، غير أنها، رغم كل ذلك التأخير، أسهمت في إحداث ثورة شاملة وواضحة فيها. ومنذ تسيير الخط الأول، بدأت الشبكة تنتشر بخطى حثيثة وتتطور، خاصة بعد بدء تشييد الخط رقم اثنين في عام 1977، ثم تمت إضافة خط جديد كل بضعة أعوام.

وفي عام 1980 اكتمل تشييد الخط الثاني وبعد خمس سنوات من ذلك تم افتتاح الخطين الثالث والرابع وهما خطان عابران للمدينة. وفي حقبة التسعينيات، تم تشييد أربعة خطوط جديدة، ثم شهد الخط التاسع النور في عام 2009، ليصل إجمالي عدد خطوط شبكة قطارات مترو الأنفاق في سيول إلى تسعة خطوط، وهي مقسمة إلى قسمين حسب تواريخ التشييد، يتكون القسم الأول من الخطوط الأربعة الأولى، ويشمل القسم الثاني بقية الخطوط من خمسة إلى ثمانية ثم تسعة.

وبوجود تسعة خطوط لمترو الأنفاق تربط كل الجهات في المدينة طولا وعرضا، تم اختصار الزمن والمسافة، ليس داخل سيول وحدها، ولا بين سيول وضواحيها فقط، وإنما كذلك بين سيول وكل المدن القريبة والمجاورة. شبكة قطارات مترو الأنفاق في سيول صارت مرتبطة الآن بخطيْ "بوندانغ 분당" و"سو إين 수인" وأيضا بخط إنتشون، وبمناطق بعيدة مثل "تشونغ تشُنغ". وهذا الترابط الواسع جعل من شبكة مترو الأنفاق الوسيلة الأكبر والأهم والأكثر شعبية في البلاد.

تبدأ قطارات مترو الأنفاق في سيول حركة سيرها في الساعة الخامسة والنصف من صباح كل يوم، وتتوقف في الواحدة من صباح اليوم التالي، وتقطع تلك القطارات مسافة تبلغ 58 ألف كيلومتر في المتوسط، وتتميز الشبكة بشهادة الجميع بالسرعة والأمان والسلامة والدقة والانضباط، بحيث صارت جزءا لا يتجزأ من حياة كل كوري.

مترو الأنفاق في سيول يتميز بالانضباط والنظافة والسلامة، مما جعله مصدر جذب سياحي للكثيرين، من داخل وخارج كوريا.
كانت تلك أغنية بعنوان "خط مترو أنفاق سيول"، كتبها شاعر أمريكي سائح.

السائح الشاعر "مايكل أرونسون Michael Aronson " ألهمته بضعة تجارب شخصية لركوب مترو الأنفاق في سيول لكتابة وتلحين هذه الأغنية التي نشرها في فيديو على موقع "يوتيوب" في عام 2011، وانتشر هذا الفيديو بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي عام 2013 اختارات المحطة التلفزيونية الشهيرة "سي إن إن" شبكة مترو أنفاق سيول من بين أعظم تسع شبكات مترو في العالم، بسبب ما لديها من تطور تكنولوجي مدهش.

مضى الآن 4 عقود من الزمان منذ أن افتتحت كوريا أول خط في شبكة مترو الأنفاق في سيول وضواحيها، وبسرعة شديدة صارت تلك الشبكة وسيلة مهمة، بل وربما الأهم، من بين جميع وسائل النقل والمواصلات داخل سيول، وبين سيول والمدن الأخرى.