في يوم الـ28 من ديسمبر الماضي حضرت الفرقة الموسيقية الكورية "جام بي ناي" إلى الاستوديو المحدد لإجراء بروفتها النهائية لحفل رأس السنة الجديدة. وكالعادة في مثل هذا الوقت من كل عام، فإن برامج وارتباطات كل الفرق الغنائية والموسيقية المميزة

كانت نهاية العام الماضي بالذات فترة نشاط متصاعد للفرق الغنائية المستقلة بمناسبة الذكرى العشرين على ظهورها. ومن بين تلك الفرق، تمكنت فرقة "جام بي ناي" من جذب المزيد من الأنظار، حيث نجحت في مزج الموسيقى الكورية التقليدية بموسيقى الروك بشكل مذهل، وهي تتأهب الآن لنشر ذلك النمط الفني الجديد على الصعيد العالمي.



تتكون فرقة "جام بي ناي" من ثلاثة أعضاء درسوا وتخصصوا في الموسيقى الكورية التقليدية "غوغاك". وقد نالت الفرقة وسام الموسيقى الكورية التقليدية في مهرجان "غلاستون بيري Glastonbury " في انجلترا. وفي عام 2014 قامت الفرقة بجولة في أوروبا شملت 14 دولة و38 مدينة وأقامت خلالها 56 عرضا مختلفا. وقد تضمنت تلك الجولة عددا من البلدان الأوربية الكبرى مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا والدنمارك. وحققت فرقة جام بي ناي الموسيقية الكورية التقليدية شهرة وشعبية في خارج كوريا حتى قبل أن تكون معروفة داخل كوريا نفسها، وصار لها حضور دائم في العديد من المهرجانات والمناسبات العالمية الفنية المختلفة. هيا بنا نسلط المزيد من الضوء على تلك الفرقة من خلال هذه الحلقة.

تأسست الفرقة من ثلاثة من الأصدقاء الشباب، هم "لي إيل أو 이일우"، و"شيم أون يونغ 심은용"، و"كيم بو مي 김보미"، وهم من خرّيجي مدرسة الفنون الكورية التقليدية في جامعة كوريا الوطنية في عام 2009. وقد تخصص "لي" في دراسة آلة "بيري" الشبيهة بالمزمار، وتخصص "شيم" في دراسة آلة "كو مون غو" المشابهة لآلة القانون العربية، بينما تخصص "كيم" في آلة "هيه غوم" ذات الوترين. ومع بدء التجارب الموسيقية للفرقة، كانت دائمة الحرص على الوجود في الأماكن الشعبية والمكتظة جماهيريا.

لكن ذلك لم يكن سهلا، حيث احتاجوا للكثير من الوقت لتطوير النمط الموسيقي الذي يمكن أن يجد إقبالا وتجاوبا شعبيا وجماهيريا، خاصة وأن الفرقة تتكون من ثلاثة أشخاص وثلاثة آلات موسيقية فقط.
هكذا، أمضى الأصدقاء الثلاثة الكثير من الوقت عاكفين على محاولة إيجاد حلول لهاتين المشكلتين، وتوصلوا إلى أنه من غير الممكن عمليا حل تلك المشاكل مع نواحي القصور التي تتسم بها الآلات الموسيقية التقليدية الثلاث. ولهذا رأوا إضافة آلات موسيقية أخرى، حيث تعلّم لي العزف على الغيتار و"تيه بيونغ سو" و"سينغ هوانغ"، بينما أتقن كيم العزف على آلة الزيلفون وآلة المثلث، وأجاد شيم العزف على الأورغ. وبعد ستة أشهر من المران الشاق، بدؤوا في قطف ثمار جهودهم، وكان أول الغيث مقطوعة غنائية أطلقوا عليها اسم "نابو راك".



مقطوعة غنائية لا تستغرق أكثر من عشر دقائق، تتمازج فيها أصوات آلات "كو مون غو" و"هيه غوم" والغيتار.

وكانت "نابو راك" مقدمة لسيل من الأعمال المتمازجة الجديدة قبل أن تتسلم الفرقة الطلب الأول لإقامة حفل جماهيري كبير. كان عام 2010 هو عام الظهور الأول للفرقة الموسيقية الغنائية، وكانت الفرقة ومنظمو الحفل أنفسهم في حالة توتر وتوجس من نتيجة ذلك الظهور.

في الدقائق العشر الأولى كان جميع أفراد الجمهور في حالة استرخاء وهدوء. وعندما بدأت الفرقة في أداء المقطوعة الثانية "نابو راك" بدأ الجمهور في الصياح والتصفيق.

وكان الحفل الأول لفرقة "جام بي ناي" ناجحا بشكل فاق التصور. وخلال سبعة أشهر فقط من ظهور الفرقة، نجحت في إصدار ألبومها الأول، ثم تلاه شريط فيديو موسيقي باسم "زمن التلاشي" في عام 2012، والذي وجد رواجا هائلا في موقع يوتيوب، مما فتح فرصا هائلة للفرقة الثلاثية.

ووجه جيروم الدعوة للفرقة الكورية للمشاركة في مهرجان "القرية العالمية" الذي تم تنظيمه في فنلندا في مايو من عام 2013، وهو مهرجان سنوي يمثل بداية للموسم الموسيقي الجديد في فنلندا.

الموسيقى التي تقدمها الفرقة الكورية "جام بي ناي" ليست من النوع الذي يثير الصخب والتصفيق المدوي، لكن الجمهور الذي حضر مهرجان القرية العالمية في فنلندا صفق للفرقة الكورية بشكل قريب من ذلك.



نجحت الفرقة في لفت أنظار الكثير من الوكالات الأوربية من خلال تلك المشاركة في ذلك المهرجان المهم في عام 2013. وبدافع من ذلك النجاح، بدأت الفرقة تستعد وتتطلع لمشاركات أخرى مماثلة مثل "ووميكس WOMEX " أي مهرجان إكسبو العالمي للموسيقى، الذي يعتبر أهم مناسبة تسويق للموسيقى العالمية المحترفة.
ومع امتلاء قلوب أعضاء الفرقة بالحماس والإثارة والرغبة في الانطلاق، شرعت الفرقة في التجهيز للشريط الجديد باسم "زمن التلاشي" وهي مقطوعة قد تبدو للوهلة الأولى خشنة ومنفرة ومثيرة للإزعاج، من خلال الآلات الموسيقية المعدنية.
عضو الفرقة لي يحدثنا مرة أخرى عن رأي النقاد في ذلك المزج الموسيقي غير المعهود بين آلات موسيقية تبدو غير متجانسة بل ومتنافرة.
وكان كل نجاح يقود إلى نجاح آخر. وانطلقت الفرقة من مهرجان "ووميكس" إلى مهرجان "ووماد WOMAD" وهو مهرجان أوربي عالمي كبير آخر يقام في الدانمارك، ثم بعد ذلك إلى مهرجان "روسكيلد Roskilde " ومهرجان " الجنوب والجنوب الغربي" وهو مهرجان موسيقي سينمائي إعلامي تفاعلي مشترك في أمريكا الشمالية. الضلعان الأول والثالث من المثلث كيم وشيم يتذكران بعض ما حدث في مهرجان "روسكيلد" الذي جذب 120 ألف مشاهد وشاركت فيه فرق عالمية كبرى.

وبعد عام واحد فقط من ظهورها في حفل القرية العالمية في فنلندا، صارت هذه الفرقة التي تمزج بين الموسيقى الكورية التقليدية وموسيقى الروك الغربية مطلوبة أوربيًا بشكل متزايد. وكانت فرقة جام بي ناي هي الفرقة الآسيوية الأولى التي تبيع ألبوما موسيقيا عليه علامة "بيلا يونيون Bella Union" العالمية الأشهر في بريطانيا، وسيعرض الألبوم للبيع في ربيع هذا العام 2016. فكيف تأتّى لهذه الفرقة الكورية أن تحقق شهرة عالمية كبرى لم تحقق مثلها حتى داخل موطنها كوريا؟



الآلات الموسيقية التقليدية الكورية بأصواتها الثقيلة وإيقاعاتها المتفردة تخلق أصداءً صوتية قوية قلّ أن تجد لها شبيها في العالم، ويمكن أن نصفها بأنها قادرة على خلق تناغم وانسجام من خلال التنافر. وأغنية "غريس كيلي Grace Kelly" هي نموذج مثال حي لذلك.

كل ما تطلبه فرقة جام بي ناي الكورية ممن يستمعون إلى موسيقاها وأغانيها هو الابتعاد عن التصنيف الضيق أو التمييز الأجوف. وكما أن كلمة "جام بي ناي " هي كلمة لا معنى لها في كل لغات العالم ، فإن الفرقة تريد وتركز على تطوير نمط موسيقي فريد لا شبيه له في كل العالم. وبدلا من الاندفاع وراء تقليد ومحاكاة لأشكال موسيقية قام بتطويرها أشخاص أو فرق أخرى، فإن هذه الفرقة الكورية تسعى لخلق وتطوير مسارها الفني الموسيقي الخاص، وربما كان ذلك هو السبب الذي جعل العالم الخارجي يحتفي بها ويحرص على مشاركاتها في مختلف المناسبات والمهرجانات العالمية الكبيرة.