الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الناس

"لي كانغ أوك 이강욱" الفنان الكوري الرائد في الرسم التجريدي

2016-01-19

في مساء يوم الخميس السابع من يناير، ورغم الانخفاض الشديد في درجة الحرارة، كانت قاعة "أراريو 아라리오" في "سام تشونغ دونغ" في وسط سيول، مكتظة بجمهور كبير جاء للالتقاء بالرسام التجريدي "لي كان غووك" الذي عاد لموطنه من إنجلترا التي قضى فيها سبعة أعوام لدراسة الفن.
كانت عيون أكثر أفراد الجمهور تلتمع وتشع بالإعجاب وهي تشاهد تلك اللوحات المعروضة في الثلاثة طوابق داخل المبنى. وكانت تلك لحظات سعادة غامرة بالنسبة للفنان "لي كانغ أوك"، حيث كان ذلك أول معارضه في كوريا بعد سبعة أعوام من الاغتراب.

وكان هناك عدة أسباب دفعت الكثيرين لحضور افتتاح معرض الرسام "لي كانغ أوك".
وُلد الرسام التجريدي "لي كانغ أوك" في عام 1976، وانطلقت حياته الفنية مباشرة بعد أن تخرج من جامعة "هونغ إيك" في عام 2001. وقد نجح منذ تخرجه في الفوز بعدة جوائز، مثل الجائزة الكبرى في المعرض القومي الخامس عشر للفنون الجميلة في 2001، والجائزة الأولى في مهرجان "دونغ آه" الخامس والعشرين في 2002، بجانب الجائزة الثانية في مهرجان "سونغ أون 송은" الفني الثالث في عام 2003. كل تلك الإنجازات الفنية العظيمة لفتت له الأنظار كفنان متألق ورائد في الفن التجريدي في كوريا. وقد نجح أيضا في بيع جميع لوحاته التي شارك بها في مختلف المعارض. ولذلك فإن نجاح هذا الفنان الشاب وهو في مطلع الثلاثينيات من العمر، غيّر صورة الفن التجريدي في كوريا. فكيف تأتى له ذلك ؟

الرسم التجريدي في أغلب الأحيان عصي على الفهم والاستيعاب بالنسبة للأشخاص العاديين. أما لوحات الرسام لي فهي تتسم بالذكاء، وتبدو عادية وبسيطة ومفهومة رغم أنها تصور أشياء شديدة الدقة بالنسبة للعين البشرية المجردة. هذه الصلة الداخلية الغامضة في لوحات الرسم لي هي أول ما يجذب انتباه المشاهد. لهذا، فليس من الغريب أن كل رواد معرضه الأخير بعد عودته من لندن، سواء من المتخصصين أو جامعي اللوحات أو الجمهور العادي، كانوا في غاية السعادة بتلك العودة.
الرسام التجريدي "لي كانغ ووك" فتح أفقا جديدا للفن التجريدي في كوريا خلال 15 عاما منذ أن بدأ يمارس الرسم. ربما كان قدره ومصيره أن يصبح رساما تجريديا، إذ أنه منذ صباه كان ميالا للبحث والاكتشاف والتفكيك بشكل مختلف عن بقية أقرانه.



لم يشك الصغير لي يوما ما في أنه سوف يصبح فنانا مشهورا. لكن عالم الفن بدأ يتشكل له بصورة حقيقية بعد أن التحق بجامعة "هونغ إيك" ذات الصيت والبريق والشهرة في عالم الفنون التشكيلية. وفي أثناء دراسته في السنة الجامعية الثالثة، طلب أحد الأستاذة من الطلاب رسم لوحة يعبر فيها كل طالب عن جوهر ما في قلبه، واختار "لي" رسم لوحة عن الخلايا الداخلية التي تكوّن الجسم البشري.

عند النظر لها بواسطة ميكروسكوب، فإن الخلايا الحية لا تكف عن الحركة والانشطار. لاحظ الفنان لي وجه الشبه بين تلك الخلايا شديدة الدقة والصغر وبين الفضاء الخارجي الواسع، ولذلك قرر أن يحوّل عالم الخلايا إلى لوحة. بدأ برسم دوائر بمختلف الأحجام والألوان ونقاط متعددة الأشكال محاولا محاكاة وتقليد صور الخلايا التي رآها عبر المجهر. ولإضفاء بعض التشابه بين الخلايا والكواكب والنجوم في الفضاء، قام بنثر نقاط وخطوط براقة ومتوهجة عبر اللوحة. وهكذا صارت لوحاته ذات رؤية وهدف وموضوع واضح ومحدد، مما جعلها قابلة للفهم حتى بواسطة الشخص البسيط. كل الأعمال الفنية للرسام لي صارت بمثابة تحديات واختبارات للكثيرين لفهم الرسم التجريدي، وهذا ما بدا جليا في عاصفة التصفيق التي يتم استقباله بها في كل مهرجان أو مناسبة يظهر فيها.

ومن خلال تلك البداية القوية المبهرة، كان الفنان الشاب يراقب بمنتهى الفخر والسعادة لوحاته وهي تختفي من رفوف الصالات والقاعات بسرعة مضطردة بعد بيعها لعملاء يتزايد عددهم بشكل مستمر. ووجد أنه صار شخصا ثريا في وقت قصير، لكنه رغم ذلك انتابه إحساس مفاجئ بأن حياته لا يمكن لها أن تستمر على ذلك المنوال.

صُدم الفنان لي بعد أن عرف أن الكثيرين صاروا يشترون لوحاته ليس لقيمتها الفنية والجمالية وإنما فقط لقيمتها الاجتماعية في إطار ظاهرة التباهي، ولأنها بريشة الفنان المشهور "لي كانغ أوك".



لم يفرح الفنان لي ولم يسعد بتسابق البعض على اقتناء لوحاته، بل شعر بنوع من الحزن على أن لوحاته تباع فقط لأسباب تجارية واستثمارية وفي إطار ظاهرة النفاق االجتماعي. لهذا قرر أن يتوقف عن ممارسة الفن ولو لبعض الوقت. واحتجب شهرين، ثم قرر بعدها الذهاب للملكة المتحدة لمواصلة دراسة الفن هناك.

استمتع بالسفر والسياحة والحرية والراحة والاستجمام لمدة عام كامل إذ أنه كان قد سجل نفسه طالبا في مدرسة فنية متخصصة هناك إلا أنه لم يحضر في واقع الأمر أي محاضرة. بعد مضي العام قاده إحساس فطري ذات يوم إلى محل متخصص في بيع وشراء التحف الفنية.

الرسم بالنسبة للفنان "لي كانغ أوك" هو حياة ومتعة وحب. كان يشعر بالكثير من الراحة والمتعة وهو يقضي ساعات طوال داخل مرسمه دون أن يشعر حتى بالجوع والعطش. ولهذا فبعد عام من فراق عالمه الفني الإبداعي شعر برغبة عارمة في العودة إليه. وقادته خطاه في اتجاه كلية "تشيل سي Chelsea" للفنون والتصميم، حيث بدأ في إجراءات الدخول في برنامج دراسي أكاديمي. ورغم أن أساتذته القدامى كانوا مسرورين بعودته لعالمه الفني لأنهم يعرفون مستوى قدراته الإبداعية، إلا أنهم لم يمنحوه سوى درجات عادية تؤهله للمرور. وكان ذلك بمثابة رسالة ودعوة للاستيقاظ.



ودخل الفنان لي في حوار طويل مع نفسه حول ما يريد ولماذا يريده، وعمّا يعنيه الرسم بالنسبة له، وما إذا كان فعلا رسام حقيقي. وبعد الكثير من الحوار مع النفس والتأمل، قرر الفنان لي أن يجيب عن كل تلك التساؤلات في شكل سلسلة لوحات تحت اسم "لمحة"، عرضت في معرضه الأخير.

سلسلة اللوحات بعنوان "لمحة" كانت عبارة عن انتقال كامل من مرحلة إلى مرحلة أخرى وبرؤية فنية جديدة تعبّر عن كل من عالم الخلايا المجهرية الدقيقة وعالم الفضاء الكوني الواسع فوق لوحة واحدة. ومعرض الفنان "لي كانغ أوك" الأخير كان بعنوان "الفضاء المتناقض: العالم الجديد"، وعنه يتحدث "جو يون هوا 주연화" مدير قاعة "أراريو".

التدرج في الألوان من الأزرق حتى الوردي ومن البنفسجي وحتى الأخضر والبني، جعل من الصالة أشبه ببستان ربيعي زاخر بالزهور المتنوعة التي يحمل كل منها خلايا حية مختبئة في انتظار الخروج للتشكّل والتفتح.
من المؤكد أن محبي الرسام "لي كانغ أوك" متلهفون لرؤية الجديد في عالمه هذه المرة بعد أن عاد لكوريا، صحيحا ومعافى جسديا وبدنيا، وبذهن حاضر ومتقد .

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;